وعرضت الغنائم على الناصر على ملاحظة من المحصورين بالمهدية وهم مع ذلك مكذبون بهزيمة يحيى مفحشون بالسب. وألحّ الناصر في قتالهم، ونصب عليهم المجانيق على جهة واحدة في السور حتى كثرت الموتى والجراحات. وتحقق انهزام يحيى فسُقط في أيديهم وطلبوا الامان فأسعفوا به. ونزل علىّ بن الغازي وأتباعه وشيعته على أن يخلوا سبيلهم، ويسلموا البلد ويكونوا في أمان الموحدين إلى أن يصلوا إلى يحيى بن غانية. وكان ذلك في السابع والعشرين من جمادى الأولى فكان بين هزيمة تاجرا وفتح المهدية أربعة وسبعون يوما: وخرج على ابن الغازي عن المهدية وجملته وحاشيته فضرب أخبيته بقصر قراضة فبات هنالك تلك الليلة. ثم دعته نفسه إلى الدخول في طاعة الموحدين وقال: أطعت بعد أن كنت في حكم نفسي. فاستحسن ذلك منه الناصر واستدعاه وأحسن إليه. ووافق ذلك وصول مملوك الناصر ناصح صاحب ديوان سبتة بالهديّة العظيمة التي جمعها في المدة الطويلة. وكان فيها ثوبان قد نسجا بأنواع الجواهر وجعلت فيهماأعلام من اليواقيت والحجارة النفيسة. فأمر الناصر بحمل جميع الهدايا إلى على بن الغازي، فمات ناصح من أثر ذلك كمدا
ثم انتقل الناصر عن المهدية في عشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وستمائة. وأراد النقلة لأرض المغرب. فحينئذ أخذ يتحدث مع أشياخه ومدبري أمر دولته فيمن يترك بأفريقية فأجمع رأيهم على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص ولم يختلف في ذلك اثنان، وكأنهم رأوا بذلك بعده عن الخلافة، فأمر الناصر بعض خدمه في الحديث معه في ذلك استحياء من مواجهته به فامتنع ولم تسمح نفسه بمفارقة وطنه، ففاوضه الناصر في ذلك بنفسه فاعتذر له ببعد الشقةعمن خلفه
- ↑ هكذا بالأصل، ومعناها غير واضح