انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/37

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٣٦

باللسان البربريّ، وأما الصحن بالجامع المكرّم؛ فعمل وفرش فى أيام الفقيه القصي او عبد الله بن داوود، وكان الذى نزل فرشه و بناه صحن البناء، وكان من أعرف الناس بالبناء والنجارة، وكان قد فرشه غیره قبله، فلم يرض عمله ولم يكمل، فاحفره العريف أبو عبد الله محمّد بن احمد محمّد الخولانيّ، واشترط على نفسه ألاّ يبقى فيه الحسين بن رقدة، وانه ان صبّ اعلاه قلّة ماء؛ انحدرت فى أسفله مجموعة لا ينقص منها شي لشده اعتداله، فكان رحمه الله باع أربعة من الديار اصولا موروثة عن أبيه، وصنع بثمنها استرا أشبه البجماط نصف أجرة الطول، وصنع الجيار فبناه العريف المذكور. وعده هو و صخر بن مسعود حتى كمل عمله واتقانه، ولم يأخذ عليه شيئا الاّ ابتغاء ثواب الله تعالى، نفعهما الله بنيتهما، وكان جملة ما دخله من الاجر لفرشه؛ اربعة واربعون ألف اجره، لان طول الصحن أحد عشر قوسا؛ في القوس الواحد من القبلة الى الجوف عشرين في كلّ صفّ مائتى أجرة، فيتحصل فى كلّ قوس؛ أربعة الف اجرة فجملة ما يحصل في أحد عشر قوسا؛ أربع وأربعون ألف أجرة وحوله طرد دیار فیه ثمانية الف أجرة، فيجتمع فى الجميع كلّه؛ اثنان وخمسين الف اجرة دون شكّ ولا ريب، وكان فراش الصحن وبناء الباب الكبير المقابل القرسطون على يد القاضي بن داوود المذكور في سنة ستّ و عشرين وخمس مائة، ولما تمّ الصحن بالفرش والبناء، أمر الفقيه الديني العظيم، فصنع بكاكير وشرايط غليظة وقلاع من شقاق الكتان مبطنة بالغبرة على قدر الصحن وما يظلّه، فكان اذا اتى زمان الصيف، واشتدّ الحرّ؛ شدّت البكرير وجبدت الشرايط، فيرتفع القلاع فى الهوى على الصحن كلّه، فيستظلّ الناس تحته من حرّ الشمس، ويكونون في الظلّ، وجعل في القلاع أبوابا للرياح، تدخل منها ليلا، يهلك الناس الغمّ والحرّ فلم يزل القلاع ينصب في زمان الصيف، فيستظلّ به الناس في زمان الحرّ الله حتى تمزق بطول السنين ومرّ الايام والليالي، فلم يقدر احد ان يعمل مثله، وأما الخصة والبيلة التي بالصحن؛ فعملت في سنة تسع وتسعين وخمس مائة؛ على يد أبى عمران موسى بن حسن بن أبى شامة وهو صانعها، وكان من أهل الهندسة والمعرفة بالبناء، وكان الذي انفق فيهـا ماله؛ الفقيه المبارك أبو الحسن السجلماسيّ، نفعنا الله بقصده، وكان من أهل الدين واليسار والايثار، كان يتصدّق كلّ يوم بعشرة دنانير من صلب ماله وربحه، ولما شرع في عملها، أخرج من المعدة الكبيرة قادوس من رصاص، فشقّ به فى الصحن حتى وصل إلى البيلة والخصة المذكورتين؛ وهي بيلة من رخام ابيض لم ير مثلها لحسنها وصفائها وشدّه بياضها وطولها؛ وفيها عشرون ثقبا من جهة اليمين وعشرون ثقبا من جهة الشمال، ويصبّ