القلب والابتوس وكتب عليه بسم الله الرحمان الرحيم صلى الله على محمّد واله وسلّم تسليما، هذا ما أمر بعمله الخليقة المنصور سيف الاسلام عبد الله هشام المويد بالله، اطال الله بقاءه على يد حاجبه عبد الملك المظفّر بن محمّد المنصور بن أبي عامر وفّقهم الله تعالى؛ وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وثلاث مائة، فكان ذلك المنبر يختلف عليه إلى أيام لمتونة، ولم تزل الولاة والأمراء والملوك يهتمّون في الزيادة في الجامع المكرم واصلاح ما تهدّم منه تبرّكا به، وابتغاء ثواب الله تعالى حتى قام المرابطون بالمغرب وملكوا جميعه، وجاءت دولة أمير المسلمين علىّ بن يوسف بن تاشفين اللمتونى، فكثرت العمارات بالمدينة، وتناهت القبضة قضاة الجامع بكثرة الخلق حتى كان الناس في أيام الجمعة، يصلون في الاسواق والشوارع والطرق. فاجتمعوا الفقهاء والاشياخ وتكلموا في ذلك مع قاضى المدينة وهو الفقيه أبو عبد الله محمّد بن داوود؛ وكان أحد القضاة الفضلاء من اهل العلم والعدل والورع، فاعلم القاضى الى أمير المسلمين بما رفع اليه من امر الجامع المكرم، واستاذنه الزيادة فيه، فاذن له فيه، وقال له: يكون فيه الانفاق في ذلك من بيت المال، فقال له القاضى: لعل الله أن يغنيه عنه بماله الذى يجمع من أحبــاسـه بايدي الوكلاء. فامره علىّ بن يوسف؛ بتقوى الله تعالى، والتحرّى فى ذلك من الشبهات والاجتهاد في أمر الجامع وبنائه والزيادة فيه والنظر فى احباسه وجميع أمواله واستخراجه. فدعى له وانصرف عنه الى مجلس قضائه، فسال عن الاحباس فوجدها في أيدي قوم قد اكلوها وحسبوها من أموالهم، فازالها عن أيديهم وقدّم وكلاء غيرهم ممن يوثق بدينهم، وحاسب المعزولين الذين كانت بايديهم، وطالبها بغلات الرباع والارضين للحبسة فخرج عنهم بالمحسابة أموالا كثيرا، فاغرمهم اياها، واضاف اليه غلّة تلك السنة، فاجتمع له من ذلك ما يزيد على الثمانين ألف دينار ثم شرع في الزيادة في الجامع من قبلته وشرقه وغربه، فابتداء بشراء الاملاك والديار التي في قبلة الجامع وشرقه وغربه، فاشترى منها ما احب واحتاج اليها باحسن شراء، وأتمّ ثمن دون غبن على أحد في ذلك وكان اكثرها ديار اليهود لعنهم الله. ومن امتنع من البيع قوم عليه موضعه، ودفع له الثمن بالزيادة اقتداء بعمل أمير المومنين عمر ابن الخطاب رضى الله عنه حين زاد في المسجد الحرام. فلما كمل له من شراء الدور ما أراد وما يصلح به اخذ في هدمهاوبيع نقصها، فاجتمع له في ثمن نقضها مثل قيمتها التي اشتريت به، وبقيت الارض زيادة ببركة من الله تعالى فرضاها للجامع، فاخذ في البناء فبنا أولاً الباب الكبير الغربيّ وهو باب الفخارين القدماء، ويعرف الآن بباب الشمّاعين وكان يجلس على بنائه.
صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/34
المظهر