انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/32

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٣١

خطيب خطب به الفقيه الصالح أبو الحسن بن محمود الصدقىّ، فلم يزل الامر على ذلك ولم تزل الجامعان على حالها القرويين والاندلس الى ان تغلّب أمير المسلمين عبد الله الناصر لدين الله ملك الاندلس على بلاد العدوة، فبايعته مدينة فاس فيمن بايعه، فولى عليها عاملا له من زناتة؛ يعرف باحمد بن ابى بكر الزناتىّ، وكان رجلا فاضلا من أهل الدين والفضل والورع، وكتب إلى أمير المومنين الناصر، يستاذنه في اصلاح مسجد القرويين واتقانه والزيادة فيه، فاذن له في ذلك، وبعث اليه بمال كثير من اخماس غنائم الروم، وأمره أن يصرفه فى بنائه، فاصلح جامع القرويين، وزاد فيه من ناحية الشرق وناحية المغرب والجوف، وهدم صومعته القديمة التي كانت فوق العنزة وبنا الصومعة التي به الان.


الخبر عن بناء صومعة القرويين شرف الله ذكره

لما شرع الامير ابو العبّاس احمد بن أبى بكر فى بناء صومعة القرويين، جعل سعة كلّ وجه منها سبعة وعشرين شبرا؛ فيتحصل في الاربع جهات مأئة شبر [واحدة] وثمانية أشبار، وهو الذى فى ارتفاعها بلا شكّ ولا ريب، وكذلك يجب أن تكون من جهة البناء والنظر الهندسى، وجعل بابها من جهة القبلة، وكتب عليه فى مربعة بالجصّ، وحشاه بالازورد بسم الله الرحمان الرحيم المُلك لله الواحد القهّار؛ هذا ما أمر به احمد بن أبى بكر بن بن ابى سعيد عثمان بن سعيد الزناتيّ، هداه الله ووفقه ابتغاء ثواب الله تعالى وجزيل احسانه، فابتدأ العمل في هذه الصومعة فى يوم الاثنين غرّة رجب الفرد من سنة أربع واربعين وثلاث مائة، وفرغ من بنائها وتشييدها في شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، وكتب فى طرفى المربعة لا اله الا الله محمّد رسول الله، وجعل في تربعة أخرى من جهة الصحن فيها مكتوب: "قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله. أن الله يغفر الذنوب جميعا، انه هو الغفور الرحيم"، وركب على رأس المنارة تفافيحا صغرى مموهة بالذهب، وركب فى أعلاها؛ سيف الامام ادريس بن ادريس الذي بنى المدينة تبرّكا به، وسبب القايه فى اعلاء المنار؛ ان الامير احمد بن أبى بكر الزناتيّ، لما فرغ من بناء الصومعة، اختصم اليه بعض حَفَدَة ادريس فى السيف المذكور، وطلب كلّ واحد منهم أن يحوز السيف لنفسه، فطال نزاعهم فيه بين يديه، فقال لهم الامير احمد بن أبى بكر: هل لكم أن تبيعوه منّى وتتركوا النزاع فيه، قالوا: وما تصنع به أيها الامير؟ قال: أجعله في اعلاء هذه الصومعة التي بنيت تبرّكا به، فقالوا: أما أن تفعل هذا فنحن