فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى و بکت أولاده فلما فرغ من التوديع تقدم الى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده جميعا فضمها الى صدره وبكى على فراقها فوجد فی جيبها شیء مكببا فقال لها ما الذی فی جيبك فقالت له يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معی أربعة أيام وما أعطاها لی حتى أخذ منی دينارين فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة فرح وقال يا قريب الفرج ثم أنه امر باحضار العبد فحضر فقال له من أين هذه التفاحة فقال يا سيدی من مدة خمسة أيام كنت ماشيا فدخلت فی بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لامی وهی مريضة واشتهت على ابی تفاحا فسافر الى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فاخذت هذه العب بها ثم بكى فلم التفت اليه وأخذتها وجئت بها الى هنا فاخذتها سيدتي الصغيرة بدنارين فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين
ثم أنه قبض على العبد وطلع به الى الخليفة فامر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هی باعجب من حديث الوزیر نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة وأی حكاية أعجب من هذه الحكاية فقال جعفر يا أميرالمؤمنين لا أحدثك الا بشرط أن تعتق عبدي من القتل فقال قد وهبت لك دمه
(حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه)
فقال جعفر أعلم يا أميرالمؤمنين أنه كان فی مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالامور والتدبير وكان شيخا كبيرا وله ولدان كانهما قمران وكان اسم الكبير شمس الدين واسم الصغير نور الدين وكان الصغير أميز من الكبير فی الحسن والجمال وليس فی زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره فی البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده الى بلده لاجل رؤية جماله فاتفق أن والد مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الوالدين وقربهما وخلع عليهما وقال لهما أنتما فی مرتبة أبيكما ففرحا وقبلا الارض بين يديه وعملا العزاء لابيهما شهرا كاملا ودخلا فی الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة واذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما فاتفق فی ليلة من الليالی أن السلطان كان عازما على السفر فی الصباح وكانت النوبة للكبيرفبينما الاخوان يتحدثان فی تلك الليلة اذ قال الكبير يا أخی قصدي أن أتزوج أنا وأنت فی ليلة واحدة فقال الصغير افعل يا أخی ما تريد فاني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك ثم أن الكبير قال لاخيه ان قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا فی ليلة واحدة ووضعنا فی يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتی ببنت نزوجهما لبعضهما لانهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخی ما تأخذ من ولدی فی مهر بنتك قال آخذ من ولدك فی مهر بنتی ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فان عقد الشاب عقده بغير هذا