۸
كلها مما سموه صحيحاً ، أو ما جعلوه حسناً – حديث – قد جاء على حقيقة لفظه
ومحكم تركيبه . كما نطق الرسول به ، ووجدت أن الصحيح منه على اصطلاحهم
إن هو إلا معان مما فهمه بعض الرواة ! وقد يوجد بعض ألفاط مفردة بقيت على
حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والندرة ، وتبين لي أن ما
يسمونه في اصطلاحهم حديثاً وصحيحاً ، إنما كانت صحته في نظر رواته ، لا
أنه صحيح في ذاته ، وأن ما يقال عنه « متفق عليه » ليس المراد أنه متفق على
صحته في نفس الأمر ، وإنما المراد أن البخاري ومسلم قد اتفقا على إخراجه –
وليس من شروط الحديث الصحيح أن يكون مقطوعاً به في نفس الأمر لجواز
الخطأ والنسيان والسهو على الثقة .
وكان أول ما بان لى من حقائق ، أن النبي صلوات الله عليه لم يجعل لحديثه كتّاباً يكتبونه عندما كان ينطق به كما جعل للقرآن الحكيم ، وتركه ينطلق من غير قيد إلى أذهان السامعين ، تخضعه الذاكرة لحكمها القاهر .
ولم يدع صلوات الله عليه الأمر على ذلك فحسب ، بل نهى عن كتابته ، فقال فيما رواه مسلم وغيره : « لا تكتبوا عنى شيئاً سوى القرآن ، فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه » .
قال سفيان الثوري : « إن قلت إنى أحدثكم كما سمعت فلا تصدقونى ! فإنما هو المعنى »
وهكذا ظلت الألفاظ تختلف والمعاني تتغير بتغير الرواة . وفيهم – كما قال السيوطي : الأعاجم والمولدون وغيرهم ممن ليسوا بعرب ولهجتهم العربية ليست خالصة !
وكان البخاري – وهو شيخ رجال الحديث ، وكتابه ، كما هو مشهور بين الجمهور – أصح كتاب بعد كتاب الله كما يقولون ، يروى على المعنى !
وكان أبو هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله على حين أنه لم يصاحب النبي إلا سنة واحدة وتسعة أشهر ، كما حققناه في كتابنا (شيخ المضيرة ) .