وقد أفردنا له ترجمة خاصة أدينا فيها حق العلم وتحرينا وجه الحق فأوردنا فيها ما له وما عليه بغير أن نخشى أحداً في إظهار الحق .
ومما كشف عنه البحث أن كتابة الحديث لم تقع إلا في القرن الثاني ، أي بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى بأكثر من مائة سنة ، ولم يكن ذلك بدافع من الرواة ، وإنما كان بوازع من الولاة ، إذ كانوا يتحرجون من كتابته خشية أن يقعوا فيما نهى النبي عنه.
ولقد كان لتأخير كتابة الحديث ضرر كبير بيناه في موضعه من الكتاب.
ولما كان علم الحديث يتصل ببحثنا ، فقد أتينا بإلمامة صالحة منه يهتدى بها من يريد معرفته . وتكلمنا عن كتب الحديث المشهورة لنبين حقيقتها وما استدرك عليها وقيل فيها .
ولأن الحديث لم ينشأ تدوينه إلا في القرن الثاني وكتبه المشهورة بين جمهور أهل السنة – وهي البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي – لم تظهر إلا في القرنين الثالث والرابع ، وما فيها من الأحاديث قد روى من طريق الآحاد الذي لا يعطى إلا الظن ، فإن علماء الأمة لم يتلقوا أحاديثها بمحض التسليم والإذعان ، كما تلقوا ما جاءهم من آيات القرآن ، ولا اعتبروها من الأخبار المتواترة التي يجب الأخذ بها ، ولا يجوز لأحد أن يخالف عن أمرها ، وإنما طاروا عليها بدداً ، واختلفوا فيها طرائق قدداً .
وهذا البحث كانت دراسته واجبة قبل النظر في كتب الحديث والتفسير والفقه والأصول والتأريخ والنحو وكل ما إليها مما يتصل بالدين الإسلامي ، وكان يجب أن يفرد بالتأليف منذ ألف سنة عندما ظهرت كتب الحديث المعروفة بعد انتشار المذاهب الفقهية بين المسلمين حتى توضع هذه الكتب في مكانها الصحيح من الدين ، ويعرف الناس حقيقة ما روى فيها من أحاديث ليكونوا منها في أمرهم على يقين ، ولو أننى ألفيت أمامي في المكتبة العربية على سعتها كتاباً قد انطوى على هذا الأمر الخطير الذي يجب على كل مسلم أن يحيط به علماً -