تفسير المراغي/سورة الكافرون
هي مكية، وآياتها ستّ، نزلت بعد سورة الماعون.
ومناسبتها لما قبلها - أنه في السورة السابقة أمر رسوله ﷺ بعبادته، والشكر له على نعمه الكثيرة، بإخلاص العبادة له، وفى هذه السورة التصريح بما أشير إليه فيما سلف.
أسباب نزول السورة
روي أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف في جماعة آخرين من صناديد قريش وساداتهم أتوا النبي ﷺ فقالوا له: هلمّ يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك، ونشر كك في أمرنا كله. تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا حظا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت حظك منه، فقال: معاذ الله أن نشرك به غيره، وأنزل الله ردا على هؤلاء هذه السورة فغدا رسول الله ﷺ إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقام على رءوسهم، ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك، وطفقوا يؤذونه ويؤذون أصحابه حتى كانت الهجرة.
[سورة الكافرون (109): الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يآ أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لآ أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلآ أَنْتُمْ عابِدُونَ مآ أَعْبُدُ (3) وَلآ أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) ولآ أَنْتُمْ عابِدُونَ مآ أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
الإيضاح
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي قل لهم: إن الإله الذي تزعمون أنكم تعبدونه ليس هو الذي أعبده، لأنكم تعبدون من يتخذ الشفعاء أو الولد، أو يتجلى في شخص أو يتجلى في صورة معينة أو نحو ذلك مما تزعمون، وأنا أعبد إلها لا مثيل له ولا ندّ، وليس له ولد ولا صاحبة، ولا يحل في جسم، ولا تدرك كنهه العقول، ولا تحويه الأمكنة، ولا تمر به الأزمنة، ولا يتقرّب إليه بالشفعاء، ولا تقدم إليه الوسائل.
وعلى الجملة فبين ما تعبدون وما أعبد، فارق عظيم، وبون شاسع، فأنتم تصفون معبودكم بصفات لا يجمل بمعبودى أن يتصف بها.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي إنكم لستم بعابدين إلهي الذي أدعو إليه لمخالفة صفاته لإلهكم، فلا يمكن التوفيق بينهما بحال.
وبعد أن نفى الاختلاف في المعبود نفى الاختلاف في العبادة، من قبل أنهم كانوا يظنون أن عبادتهم التي يؤدونها أمام شفعائهم. أو في المعابد التي أقاموها لها أو في خلواتهم وهم على اعتقادهم بالشفعاء عبادة خالصة لله، وأن النبي ﷺ لا يفضلهم في شيء فقال:
(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا أنا بعابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتى قاله أبو مسلم الأصفهاني.
وخلاصة ما سلف - الاختلاف التامّ في المعبود، والاختلاف البيّن في العبادة فلا معبودنا واحد، ولا عبادتنا واحدة، لأن معبودى منزه عن الندّ والنظير، متعال عن الظهور في شخص معين، وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك.
كما أن عبادتى خالصة لله وحده، وعبادتكم مشوبة بالشرك، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى، فلا تسمى على الحقيقة عبادة.
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم جزاؤكم على أعمالكم ولى جزائى على عملي كما جاء في قوله تعالى: « لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ».
وصل ربنا على محمد الذي جعل الدين لك خالصا، وعلى آله وصحبه أجمعين.