تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/مقدمة المصنف
قال الشيخ الامام أبو عبد الله محمد بن خليل غلبون رحمه الله ونفعنا به: نحمدك يا من قضيت أزلاً لا يكون غير مرادك، وشهد الكون أجمعه نطقاً ودلالة بانفرادك، وبعثت سيد ولد آدم رحمة لعبادك، وقصصت عليه نبأ الماضين من أهل طاعتك وعبادك، وخاطبته أن في ذلك موعظة وتثبيتاً لفؤادك. ونصلي عليه وعلى آله مسلمين ما عصاك وكفر به أهل ابعادك.
وبعد فان القصيد الذي أنشده الفاضل الأديب الخيّر اللبيب سيدي أحمد ابن عبد الدائم الأنصاري في مدح طرابلس معرّضاً فيه بمن هجاها١، وهو - وان صرح بالمدح فيه اجمالاً - يحتاج الى التفصيل بذكر جزئيات أخبارها، ولم أر من تعرض لجمعها على حدة من المؤرخين، وأنما ذكرت مشتتة في الصحف والدواوين فقد أمرني يجمعها من أدام الله سعودَه، وحرس لاحياء الدين والمكرمات وجوده، ظلل الله في بريَّته، وخليفته في خليقته، راقع منار الشريعة النبوية، ناصب رايات العلوم الدينية. ذو المقام العالي، وكوكب المجد المنير المتلالي، الجامع لأصناف المفاخر والمعالي، الناصر لدين الاسلام، القاسم بسيفه عبدة الصليب والأصنام، الناشر ألوية العدل والانصاف، الماحي آثار كل الجور والاعتساف. من متع الله به الخاص والعام، وأكثر منه للفقراء الجود والانعام. السند الأعظم والمقام الأفخم. كافل المملكة الطرابلسية، وأكرم من خفقت عليه الألوية العثمانية أحمد بن يوسف بن محمود بن مصطفي، يسر الله له من استمرار العزة والدولة ما يشاء، تشريفاً منه لقدري، واستدامة لعادته الحسنى في استحسان أمري. واظهارا لجميل رأيه الذي ما زلت أعتدُّه ظهيراً على نوائب دهري. فامتثلت أمره العالي تيمناً بيركاته، وتلقياً للنّجح باقتفاء مراسمه من جميع جهاته. وانتصبت لذكر ما حضرني من أخبارها مما رويت أو شاهدت من آثارها. سالكاً فيه سبيل الاختصار، راجياً التوفيق والمعونة من القادر الغفار. وجعلته خدمة لسدة بابه التي هي معول رجاء الآمال، وملتثم شفاه الأكابر والأقيال ٢. لا زالت ملاذ أرباب الفضائل ومحط رحال الأفاضل. وأهلاً لفعل المعروف، وإغاثة لكل مغتبط ملهوف بجاه النبي الأكرم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرف وكرم. وسميته:
- ↑ وجدت في آخر هذا الكتاب نبذة منفصلة عما كتبه المؤلف من رحلة ابي عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن علي بن مسعود العبدري المغربي التى أبتداها سنة ٦٨٨. فيها أنه لما مر بطرابلس اجتمع بالأستاذ أبي محمد عبد الله بن عبد السيد قاضيها إذ ذاك وقد حضر بعض دروسه ووقعت بينهما مناقشات علمية ولم يوافقه الأستاذ أبو محمد على رأيه. وقد وصف الأستاذ ابا محمد بضيق الخلق وقصر النظر والعي والشكاسة، وقال: وأظنه لارواية له، وقد وصفه في هذه النبذة طرابلس بأوصاف ذميمة، واطال في التنقيص من شأنها بما لا ينطبق على الحقيقة. وأظن ان صاحب الرحلة هذه هو الذي رد عليه الأستاذ احمد بن عبد الدائم بهذه القصيدة التي شرحها المؤلف. ومما يؤيد ظننا هذا ما وجد مكتوباَ مع هذه القصيدة وهو قوله: الحمد الله لما بلغ العبد ما صنع الشرقي برحلته من ذكر مساوئ لطرابلس اختلقتها عين السخط منه بعد توجهه لبلده، فوقفت على بعض ألفاظه... إلى أن قال: فلما تحقق الفقير ذلك انتدب لذكر محاسنها... فقال. وذكر القصيدة
- ↑ جمع قيل، ويطلق على الملك