انتقل إلى المحتوى

تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/مدح طرابلس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: القاهرة: المطبعة السلفية - القاهرة (1349هـ)، الصفحات 7–9


 

قال رحمه الله تعالى :

طرابلسٌ لا تقبل الذَّم أنها
لها حسناتٌ جاوزت سيئاتِها
[طرابلس] لفظ رومي معناه ثلاث مدن. كذا ذكر صاحب القاموس.

قال بعضهم وهو الاشهر، وهو بفتح الطاء وضم اللام والباء، وعلى ذلك درج أحمد بن حسين بن محمد من متأخري ادبانها. فقال أيام هجرته عنها بالجامع الازهر:

طرابلس الغرَّا نرى لي عودة
اليك وهل يدنو الذي كان قد ذهب
سقى الحانبَ الشرقي منك صحابةٌ
ولا زال فيها من رياح الصبا مهب
بلادٌ لها بالخلد شبهة آية
فمنها نبات الزَّعْفران كذا العنب
تری سوحها من فضة فإذا اكتست
بشمس الضحى أضْحت لثجَيْنتُها ذهب
وفي كل حول حَوْلَها حُلةٌ حلت
برؤيتها خضراء من سندس القصب
وفيها نخيل باسقات اذا الصبا
تهب عليها أسقطت بانع الرطب
وفيها من الأشجار ما جلّ وصفُه
بأوراقها الورقاء غنت من الطرب
وفي ثَغرها ظفر الرُّضاب وعينهاالـ
تى قد سمت من فضّة آية العجب١
فيا حبَّذا ثضغرٌ له النصرُ خادمٌ
ويا حبذا عين بها الماء قد عَذُب
أمثّل شوقاً شكلَها في ضمائرى
فيسقط دمعي الشكل من شدة التّعب
بديعةُ حُسْن زادها الله بَهجة
وآمن أهليها من الخوف والشَّغَبْ
لقد أعجزت أوصافُها كلَّ معرِب
وكلَّ الذي أملى وكلَّ الذي كتب
ولكن قُصارى مُطنِب القولِ أنها
تفوق بلادَ الغرب طُرا ولا عَجب
وناهيك بالبئر الجديد وسره
لجيرته داراً بها القلبُ ملتهِب
فلا تُلحِني أن أرّق البينُ مُقلتي
وكادتْ بيَ الأشواق تُفضى إلى العطب
فان من الايمان -والنصُّ شاهدٌ-
محبتَك الأوطانَ عن سيد العرب
وكيف بدار قد حوت كلَّ رفقة
يقومُ لهم في العلم باعٌ وفي الأدب
ومن فضله بحرٌ طويل ووافر
مَديدٌ مدى الأيامِ لا يعتريه غِب
هو الوالدُ الأسمى فلا زال كاسمه
حُسينٌ أخو الحسنى لأحمد ينتسب
أمام من الاحسان أحيا مآثراً
ومن قبله البُهلولُ ذو الفخر والحسب
فيا فالقَ الاصباح والحبُّ والنوى
تمد له عمراً طويلاً بِلا وصَب
سقتك أيا ربعَ الأحبّة ديمة
تدومُ، ولا زالت بِك المزنُ تنسكِب
فيالك من ربع اذا ما ذكرته
أهيمُ كما الثكْلى أو الشارب الحبب

وذكر البكري وغيره أنها بزيادة ألف قبل الطاء، وسكون الطاء، وكذاومن هو يخط الأجدابي. وعلى ذلك قول أحمد بن يحيى من قدماء شعرائها:

لقد طال شوقي الى فِتْية
حِسانِ الوجوهِ بأطْرابُلُس
وقد عيل صَبْري فما مُسعدي
على الشّوق الاّ دُمُوعي البُجُس

قال التيجاني: واختار بعضهم في الغربية زيادة الألف، وفي الشامية اسقاطها وعكس صاحب القاموس فجعل الهمزة الشامية، وقد سكن بعضهم لامها للضرورة وهو الكاتب أبو الحسن علي بن أبي بكر بن بلال استناداً لما تقرر في اللغة من تغيير الأسماء الأعجمية للضرورة، فقال مخبراً عن نفسه حين قدمها متوجهاً للحج فصرفه الدهر في بعض خدمها - يصف أشتياقه ويطلب التخلص مما عاقه:

رَسَى فرسي في سَيرِهِ ولو أنه
خليٌّ من الأوزارِ سارَ ولم يرسُ
سعّى سعْي طاح لأبعد غاية
فكانت له دارَ المُقام طرابلسُ

والمدن الثلاثة التي جعل هذا اللفظ علماً عليها: لبدة٢ وطرابلس، وصبره ثم غلب على المدينة المعروفة الآن التي بساحل البحر الغربي بين لبدة وصبرة.

وهي بلدة أنيقة حسنة الجو، أعطى ساكنها الشجاعة وقوة العزم، لأكثر أهلها شبه بالصحابة، فقد أشربت قلوب الكفرة منهم مهابة. وبالجملة فهو بلد أنيق المنظر فسيح الساحة٣، فلذا يجد القلب فيه راحة. أهلها أمطر الله سحائب الرأفة عليهم، فتراهم يحبون من هاجر اليهم. زادها حسناً بلد المنشية الذي استوفى المحاسن وأشعر بها وذكّر بمنظره الأنضر جنة الخلد واستبرقها ٤ أحدق بها [البحر] من جهتي شرقها والغرب٥ فهي نازلة من البحر منزلة اللب والقلب. جمع من أنواع الفواكه ما يعجز عن حصر، وتستلذ المشاعر عند رؤيته أو ذكره قطوف عرصاتها دانية، جنة الا أنها فانية

  1. ذكر الشاعر في ثغر طرابلس عينا تسمى «عين الفضة» وهي غير معروفة اليوم. ولا يوجد اليوم في المدينة ولا فيما جاورها عين ماء الا العين التي بجوار الشيخ الشعاب. وهي قربة من البحر في كهف شبه منحوت في صخور البحر ينحسر الماء دونها، وهي عذبة الماء ونبعها ليس بالقوي. وتعرف إلى اليوم بالعوينة بضم العين وفتح الواو ولعله يقصدها لأنها في الثغر
  2. قال في معجم البلدان (لبدة) مدينة بين برقة وأفريقية، وهو حصن من بنيان الأول بالحجر والاجر وحوله آثار عجيبة. يسكن هذا الحصن قوم من العرب يحاربون كل من حاربهم ولا يعطون طاعة لاحد، كانت به وقعة بين أبي العباس أحمد بن طولون وأهل أفريقية. فقال أبو العباس يذكر ذلك:
    إن كنت سائلة من وعن خيري
    فها أنا الليث والصمصامة الذكر
    من آل طولون أصلي إن سألت فما
    فوقي لمفتخر بالجود مفتخر
    لو كنت شاهدة كړى بلبدة إذ
    بالسيف أضرب والهامات تبتدر
    اذا لعاينت ما تنادره
    عنى الأحاديث والانباء والخبر
  3. يوجد بالأصل بعد قوله: الساحة كلمة «مجمع» وكلمة بعدها غير مفهومة، وكلمة «بر وبحر» وهذه الكلمات لامعنى لما، فحذفناها ونبهنا عليها هنا
  4. كانت بالاصل: وادكر بمنظرها الانضار وورقه الانظر جنة الخلد إلخ فحذفناه لعدم وضوحه
  5. بياض الأصل يتسع لكلمة