تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف
هو الاستاذ الفاضل العلامة المحقق أبو عبد الله محمد بن خليل غلبون الطرابلسي المصراتى كان رحمه الله تعالى محباً للعلم مشاركا فيه، له قدم راسخة في الأمر بالمعروف والجهر بالحق، وله وقفات مشرفة في انكار المنكر بماله وبجاهه. فقد أذن عامل مصراته في زمانه بتقطير الخمر من النخل، فعارضه الاستاذ في ذلك ووعظه قائلا له: إن هذا لا يسعكم في دين الله، فأعرض العامل ونأى بجانبه، فذهب الاستاذ إلى ملتزمي بيع الخمر وأعطاهم ما دفعوا من مال وكفوا عن بيعه. ولم يكتف هذا بل ذهب الى الوالي احمد باشا القره مانلى ورجاء في عدم الاذن ببيع الخمر فقبل رجاءه لما له من المكانة عنده، وعزل عامل مصراته
وكان ينكر على أرباب الطرق أعمالهم المخالفة وما أحدثوه من تحريف في أسماء الله ويجاهر بذلك وكانت له مناظرة في شأن الطرق مع الشيخ محمد النعاس التاجوري فظهر عليه وألزمه الحجة. ولما سقط في يد الشيخ محمد النعاس التجأ إلى طريق الجهل والتعصب وقال «هذه طريقة مشايخي لا يسعنى تركها كائنة ما كانت» كبرت كلمة تخرج من فيه.
وقد ارتحل الاستاذ ابن غلبون الى الازهر في طلب العلم، وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الرءوف البشبيشي، والاستاذ أبي محمد عبد الله بن يحيى السوسى وغيرهما ورجع الى بلده مصراته سنة ١١٣٣ ولم أطلع على تاريخ ذهابه إلى الازهر
وكان يعلم في مصراته التفسير والفقه والحديث وغيرها من العلوم وكان يعظم طلبة العلم ويحترمهم، وطلب الى احمد باشا اسقاط الضرائب عنهم فأجاب طلبه وأسقطها
ومن الاسف الشديد أننا لم نعثر للمؤلف على ترجمة إلا ما استخلصناه أثناء مطالعه تاريخه هذا. ولم يترجم له النائب في تاريخه مع أنه عالة عليه في النقل عن كتابه هذا وهو أجل قدراً وأعلم من كثير ممن ترجم لهم
وان جهلنا تاريخ ولادة المؤلف ووفاته، وشيئاً مما يتعلق بحياته فقد علمنا نسبته إلى اسرة ابن غلبون، تلك الاسرة التي نبتتت منبت الرئاسة والفضل وسرى في فروعها العلم، فأخرجت للناس علماء في مختلف الأزمنة نفع الله بهم الناس، ودونوا في العلم دواوين تشهد لهم بسعة اطلاعهم في العلم وعلى كعبهم فيه
فقد ذكر ابن خلدون في الكلام على آل سالم - وهم بطن من بني سليم-: «ان مواطنهم بلد مصراته ومسلاتة، ورياستهم في أولاد مرزوق، وكانت في أوائل المائة الثامنة لغلبون ابن مرزوق، واستقرت في بنيه، وهي اليوم لحميد بن سنان بن عثمان بن غلبون»
ولهذه الأسرة ذكر حسن في طرابلس، وشأن يعرفه لهم ذوو الفضل الذين الذين يقدرُون الناس قدرهم. ولا يزال لهذه الأسرة نسل يحفظ ما كان لها من فضل وأدب. وهو الاستاذ الشيخ أحمد بن محمد بن خليل بن محمد بن خليل بن محمد بن خليل غلبون المؤلف، وقد أراد أن يكون له الفضل في ابراز هذا الاثر الخالد لجده الفاضل، فما سمع أنى اعتزمت طبعه حتى شجعني على المضي في هذا العمل وأعاننى على إكماله، فهو بهذه الهمة قد أبر بجده وأحسن إلى أمته ووطنه، فجزاه الله خيرا