تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/التعريف بتاريخ ابن غلبون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
التعريف بتاريخ ابن غلبون
جمع فيه المؤلف ما يتعلق بطرابلس من أخبار وما تعاقبت عليها من دول اسلامية وغيرها، وما وقع فيها من ثورات وحروب منذ الفتح الاسلامي الى أواسط حكم احمد باشا القره مانلى
وهو شرح لقصيدة الاستاذ الفاضل الأديب الشيخ احمد بن عبد الدائم الانصاري الطرابلسي التي أنشاها مدحا لطرابلس ورداً على من ذمها
وقد مر على هذا الكتاب ما يقارب مائتى سنة وهو في مهملات الكتب لا يعرفه الا من له دراية بأسماء الكتب والمشتغلين بها. وقد أتيحت لي فرصة التعرف بالاستاذ الجليل العلامة صاحب السعادة احمد تيمور باشا سنة ١٣٤٨ وكان ممن له عناية تامة بالعلم وجمع الكتب الاسلامية. فسألته — رحمه الله — هل يوجد عندكم كتاب تاريخ طرابلس الغرب? فأجابني — على الفور — بأنه يوجد لديه « تاريخ ابن غلبون » فاستعرته منه، على أن أطلع عليه، ثم بدا لي أن استنسخه فاستأذنته فأذن لى، جزاه الله عن العلم والمسلمين خيراً
وكانت نسخته مأخوذة بالتصوير الشمسي (الفوتوغرافية) عن نسخة في خزانة باريز سنة ١٣٤٤. وهي مكتوبة بخط مغربي جميل. ولكنها كثيرة التحريف، ولا أدري إن كان هذا من تعاقب أيدي النساخ عليها فمسخوها، أو أنها مسودة المؤلف وتناولتها الأيدي قبل أن تبيض.
ولم نجد نسخة أخرى غير نسخة تيمور باشا نستعين بها على تصحيح كتابنا هذا فاستعنت بتاريخ ابن خلدون وغيره في تصحيح بعض كلمات وتواريخ، واقتصرت على تغيير بعض الكلمات، أو تقديمها بعضها على بعض- وهذا قليل جداً، وزيادة كلمة أو كلمتين مما لا يغير المعنى. وتركت كثيرا من الكلمات كما هي خوفا من الوقوع فيما لم يرده المؤلف. وقد نبهت على أكثر ما أصلحته أو كان غير مفهوم، ووضعت الزيادة بين هاتين العلامتين [ ] وقد فاتني شيء مما ينبغي التنبيه عليه، وأرجو أن يكون غير ذي بال، أو مما يعفو القراء عن مثله
وقد كان الاصل متصلا بعضه ببعض من أوله إلى آخره، فعنونت حوادثه ووضعت فيه فواصل عند انتهاء كل جملة، وأوائل سطور عند ابتداء الكلام لتمييز المعانى وتقريبها الى ذهن القارىء. وأرجو أن أكون وفقت الى القيام ببعض الواجب بطبع تاريخ ابن غلبون. ليطلع أبناء وطنى على ما لسلفهم من الاهتمام بشأن الوطن وتدوين حوادثه، وليكون باعثاً لهم على الاقتداء بهم في نشاطهم وجُدهم. وقد وجدوا في زمن لم يهيأ لهم فيه من أسباب العلم وطلبه ما هيء لنا اليوم، ومع ذلك فقد ذهبوا في فنونه كل مذهب وقطعوا فيه شوطا قعدنا نحن دونه رغم ما هُيء لنا من الأسباب والوسائل
وقد كان للتاريخ أثره في كل الامم قديماً وحديثاً، ونبارى في مضماره العلماء وجهابذة الاخبار، وخصصوا له الكثير من أوقاتهم حتى صار الوصول فيه الى حدّ مقياسّ الباحث بين الباحثين، وميزانا توزن به أعمال الرجال في الهيئة الاجتماعية، ذلك لان التاريخ مرآة الامم، ترى فيه صورتها على ما كانت عليه في كل طور من أطوار حياتها
فالامة التي لم يكن لها تاريخ يدون فيه ما لها في بطون الايام من حوادث وما أتته من أعمال في حياتها فهي ميتة الذكر لا يقام لها وزن، وليس لها بين أمم الأرض من قيمة الا ما لتلك الفرق الضاربة في مجاهل الارض من بنى الانسان
والتاريخ نوع من الدفاع عن الوطن، فكما أن الانسان يدافع عن وطنه بسيفه وماله فكذلك يدافع عنه بتقييد حوادثه وبيان ما وقع فيه من وقائع تعلي من شأنه وتظهره أمام الناس بمظهر العظمة والكمال. وهذا ما حدا بالاستاذ ابن غلبون إلى تأليف كتابه هذا فانه لما رأى العبدري ذم طرابلس في رحلته ورد عليه الاستاذ أحمد الانصاري بقصيدة رأى أن يشرح هذه القصيدة ليظهر ما لطرابلس من محاسن وما لها من وقائع تعلى قدرها وترفع شأنها
هذا وأسأل الله أن يوفق من مواطنى من يكمل هذا البناء الذي وضع أساسه الاستاذ ابن غلبون ليكون لبلادنا - طرابلس الغرب - تاريخ كامل يرجع اليه لدى البحث عن فضائلها وما أتته من أعمال مجيدة