العقد الفريد/الجزء الخامس/17
صفة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
بلاطاته في قبلته معترضة من المشرق إلى المغرب في كل صف من صفوف عمدها سبعة عشر عموداً ما بين كل عمودين منها فجوة كبيرة واسعة والعمد التي في البلاطات القبلية بيض مجصصة شاطة جداً وسائر عمد المسجد رخام والعمد المجصصة على قواعد عظيمة مربعة ورؤوسها مذهبة عليها نجف منقشة مذهبة ثم السموات على النجف وهي أيضاً منقشة مذهبة. وقبالة المحراب موسطة البلاطات بلاط مذهب كله شقت به البلاطات من الصحن إلى أن ينتهي إلى البلاط الذي بالمحراب ولا يشقه وفي البلاط الذي يلي المحراب تذهيب كثير وفي موسطته سماء كالترس المقدر مجوف كالمحار مذهب وقد أخذ وجه السور القبلي من داخل المسجد بإزار رخام من أساسه إلى قدر القامة منه وكف على الإزار بطوق رخام في غلظ الأصبع ثم من فوقه إزار دونه في العرض مخلق بالخلوق ثم فوقه إزار مثل الأول فيه أربعة عشر باباً في صف من الشرق إلى الغرب في تقدير كوى المسجد الجامع بقرطبة منقشة مذهبة ثم فوقه إزار رخام أيضاً فيه صنيفة سماوية فيها خمسة سطور مكتوبة بالذهب بكتاب ثخين غلظه قدر أصبع من سور قصار المفصل ثم فوقه إزار رخام مثل الأول الأسفل فيه ترسة من ذهب منقشة وبين كل ترسين منها عمود أخضر في حافاته قضبان من ذهب ثم فوقه إزار رخام فيه صنيفة منقشة عرضها مثل عظم الذراع لها قضبان وأوراق من ذهب ثم فوقه إزار فسيفساء عريض ثم السماوات عليه. والمحراب في موسطة السور القبلي على قوسه قصة من ذهب ناتئة غليظة في وسطها مرآة مربعة ذكر أنها كانت لعائشة رضي الله عنها. قبو المحراب مقدر جداً وفيه دارات بعضها مذهبة وبعضها حمر وسود وتحت القبو صنيفة ذهب منقشة تحتها صفائح ذهب مثمنة فيها جزعة في مثل جمجمة الصبي الصغير مسمرة ثم تحتها إلى الأرض إزار رخام مخلق بالخلوق فيه الوتد الذي كان النبي ﷺ يتوكأ عليه في المحراب الأول عند قيامه من السجود فيما ذكر. والله أعلم. وعن يمين المحراب باب يدخل منه الإمام ويخرج وعن يساره باب صغير شطرنجي قد سد بعوارض من حديد وبي هذين البابين والمحراب ممشى مسطح لطيف. والمقصورة من السور الغربي لاصقة بالباب إلى الفصيل اللاصق بالسور الشرقي ومن هذا الفصيل يصعد إلى ظهر المسجد وهي قديمة مختصرة العمل لها شرفات وأربعة أبواب وخارج المقصورة قريباً منها عن يسار المحراب سرب في الأرض يهبط فيه على درج فيفضي منها إلى دار عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والمنبر على يمين المحراب في أول البلاط الثالث من المحراب في روضة مفروشة بالرخام محجور حولها به. وله درج وسمر في أعلاه لوح لئلا يجلس أحد على الدرجة التي كان رسول الله ﷺ يجلس عليها وهو مختصر ليس فيه من النقوش ودقة العمل ما في منابر زماننا الآن والجذع أمام المنبر وبشرقي المنبر تابوت يستر به مقعد رسول الله ﷺ. وقبره صلوات الله عليه وسلامه بشرقي المسجد في آخر مسقفه القبلي مما يلي الصحن بينه وبين السور الشرقي مثل عشر أذرع قد حظر حوله بحائط بينه وبين السقف مثل ثلاث أذرع وله ستة أركان ولبس بإزار رخام أكثر من قامة وما فوق الرخام مخلق بالخلوق. قال رسول الله ﷺ: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة ". وعلى ظهر المسجد حذاء القبر حجر محجور لئلا يمشى عليه والبلاطات الجوفية خمسة والغربية أربعة منتظم بعضها ببعض في طولها مع وجه الصحن من القبلة إلى الجوف ثمانية عشر عموداً وحنايا المسجد كلها مما يلي الصحن مشدودة من جهاتها الأربع إلى مناكب العمد من داخله مزخرفة بخشب منقش وللمسجد ثلاث منارات اثنتان في الجوف وواحدة في الشرق وحيطان المسجد كلها من داخله مزخرفة بالرخام والذهب والفسيفساء أولها وآخرها وله ثمانية عشر باباً عتبها مذهبة وهي أبواب عظيمة لا غلق عليها أربعة منها في الجوف وسبعة في الشرق وسبعة في الغرب. وقاع المسجد كله مفروش بالحصى وليس له حصر ووجه سور المسجد كله من خارج منقش بالكذان وكذلك الشرفات. فينبغي للداخل في المسجد أن يأتي الروضة التي قال فيها رسول الله ﷺ: " إنها روضة من رياض الجنة " فيصلي فيها ركعتين ثم يأتي قبر النبي ﷺ من قبل وجهه فيستدبر القبلة ويستقبل القبر ويسلم عليه ﷺ وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يلصق بالقبر فإنه من فعل الجهال وقد كره ذلك فإذا فعل ما ذكر استقبل القبلة ودعا بما أمكنه بعد الصلاة على النبي ﷺ وعرفنا به ورزقنا شفاعته برحمته آمين.
صفة مسجد بيت المقدس وما فيه من آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
طول المسجد سبعمائة ذراع وأربع وثمانون ذراعاً وعرضه أربعمائة ذراع وخمس وخمسون ذراعاً بذراع الإمام ويسرج في المسجد ألف قنديل وخمسمائة قنديل وعدة ما فيه من الخشب ستة آلاف خشبة وتسعمائة خشبة وعدد ما فيه من الأبواب خمسون باباً وعدد ما فيه من العمد ستمائة وأربعة وثمانون عموداً والعمد التي داخل الصخرة ثلاثون عموداً والعمد التي خارج الصخرة ثمانية عشر عموداً وفيه الصخرة الملبسة صفائح الرصاص عليها ثلاثة آلاف صفيحة وثلثمائة واثنتان وتسعون صفيحة ومن فوق ذلك صفائح النحاس مطلية بالذهب يكون عليها عشرة آلاف صفيحة ومائتان وعشر صفائح وجميع ما يسرج في الصخرة من القناديل أربعمائة قنديل وأربعة وستون قنديلاً بمعاليق النحاس وسلاسل النحاس وكان طول صخرة بيت المقدس في السماء اثني عشر ميلاً وكان أهل أريحاء يستظلون بظلها وأهل عمواس مثل ذلك. وكان عليها ياقوتة حمراء تضئ لأهل البلقاء وكان يغزل في ضوئها نساء أهل البلقاء. وفي المسجد ثلاث مقاصير للنساء طول كل مقصورة ثمانون ذراعاً في عرض خمسين ذراعاً وفيه من السلاسل لتعليق القناديل ستمائة سلسلة طول كل سلسلة ثمان عشرة ذراعاً وفيه من غرابيل النحاس سبعون غربالاً وفيه من الصنوبر التي للقناديل سبع صنوبرات وفيه من المصاحف الجامعة سبعون مصحفاً وفيه من الكبار التي في الورقة منها جلد ستة مصاحف على كراسي تجعل فيها وفيه من المخاريب عشرة ومن القباب خمس عشرة قبة وفيه أربعة وعشرون جباً للماء وفيه أربعة مناور للمؤذنين وجميع سطوح المسجد والقباب والمنارات ملبسة صفائح مذهبة وله من الخدم بعيالاتهم مائتا مملوك وثلاثون مملوكاً يقبضون الرزق من بيت مال المسلمين ووظيفته في كل شهر من الزيت سبعمائة قسط بالإبراهيمي وزن القسط رطل ونصف بالكبير ووظيفته في كل عام من الحصر ثمانية آلاف ووظيفته في كل عام من السراقة لفتائل القناديل اثنا عشر ديناراً ولزجاج القناديل ثلاثة وثلاثون دينارا ولصناع يعملون في سطوح المسجد في كل عام خمسة عشر ديناراً. آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بيت المقدس مربط البراق الذي ركبه النبي ﷺ تحت ركن المسجد وفي المسجد باب داود عليه الصلاة والسلام وباب سليمان عليهما الصلاة والسلام وباب حطة التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى " وقولوا حطة " وهي قول لا إله إلا الله فقالوا: حنطة وهم يسخرون فلعنهم الله بكفرهم وباب محمد ﷺ وباب التوبة الذي تاب الله فيه على داود وباب الرحمة التي ذكرها الله تعالى في كتابه " له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " يعني وادي جهنم الذي بشرقي بيت المقدس وأبواب الأسباط أسباط بني إسرائيل وهي ستة أبواب وباب الوليد وباب الهاشمي وباب الخضر وباب السكينة. وفيه محراب مريم ابنة عمران رضي الله عنها التي كانت الملائكة تأتيها فيه بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ومحراب زكريا الذي بشرته فيه الملائكة بيحيى وهو قائم يصلي في المحراب ومحراب يعقوب وكرسي سليمان صلوات الله عليه الذي كان يدعو الله عليه ومغارة إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام الذي كان يتخلى فيها للعبادة والقبة التي عرج النبي )منها إلى السماء والقبة التي صلى فيها النبي )بالنبيين والقبة التي كانت السلسلة تهبط فيها زمان بني إسرائيل للقضاء بينهم ومصلى جبريل عليه السلام ومصلى الخضر عليه السلام. فإذا دخلت الصخرة فصل في أركانها وصل على البلاطة التي تسامى الصخرة فإنها على باب من أبواب الجنة. ومولد عيسى بن مريم على ثلاثة أميال من المسجد. ومسجد إبراهيم عليه السلام وقبره على ثمانية عشر ميلاً من المدينة. ومحراب المسجد بغربيه. فضائل بيت المقدس ينصب الصراط ببيت المقدس ويؤتى بجهنم - نعوذ بالله منها - إلى بيت المقدس وتزف الجنة يوم القيامة زفاً مثل العروس إلى بيت المقدس وتزف الكعبة بحاجها إلى بيت المقدس ويقال لها: مرحباً بالزائرة والمزورة. ويزف الحجر الأسود إلى بيت المقدس والحجر يومئذ أعظم من جبل أبي قبيس. ومن فضائل بيت المقدس أن الله رفع نبيه ﷺ إلى السماء من بيت المقدس ورفع عيسى بن مريم عليه السلام إلى السماء من بيت المقدس ويغلب المسيح الدجال على الأرض كلها إلا بيت المقدس وحرم الله على يأجوج ومأجوج أن يدخلوا بيت المقدس والأنبياء كلهم من بيت المقدس والأبدال كلهم من بيت المقدس. وأوصى آدم وموسى ويوسف وجميع أنبياء بني إسرائيل صلوات الله عليهم أن يدفنوا ببيت المقدس. نتف من الأخبار فرج بن سلام قال: حدثني سليمان بن المغيرة قال: كنت أجد من أبي أيوب المازني رائحة طيبة ليست برائحة شراب ولا رائحة طيب فقلت له: أخبرني عن هذه الرائحة فقال: عفص آمر به فيدق وينخل فألته بقطران شامي ثم آخذ منه كل غداة على إصبعي فأدلك به أسناني وعمورها فتطيب نكهتها وتشتد ثتها وعمورها. الرياشي قال: كانوا إذا أرادوا جارية مضغت نصف جوزة وأكلتها. فلا تزال طيبة النكهة سائر ليلتها. عبد الصمد بن همام قال: كتب عامل عمان إلى عمر بن عبد العزيز: إنا أتينا بساحرة فألقيناها في الماء فطفت على الماء. فكتب إليه: لسنا من الماء في شيء إن قامت عليها بينة وإلا خل عنها. وقال رجل للحسن: أبا سعيد الملائكة خير أم الأنبياء فقال: قال الله جل ثناؤه: " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ". وقال: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ". وقال: " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ". العتبي قال: حدثني أبو النصر عن جويبر عن الضحاك قال: من سمع الأذان في بيته فقام يصلي فقد أجاب. أبو حاتم: عن العتبي قال: سمى المحرم لأنه جعل حراماً. وصفر لإصفار مكة من أهلها. والربيعان للخصب فيهما. والجماديان لجمود الماء فيهما من شدة البرد. ورجب لترجيب العرب أسنتها. وشعبان لأنه شعب بين رجب ورمضان. ورمضان لإرماض الأرض من الحر. وشوال لأن الإبل شالت بأذنابها فيه لحمها. وذو القعدة لقعودهم فيه عن الغزو من أجل الحج. وذو الحجة للحج. الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس النحوي قال: قال لي رؤية وأنا أسأله عن الغريب: حتى متى سألني عن هذه الأباطيل وأزوقها لك أما ترى الشيب قد أخذ في عارضيك ولحيتك وقال الخليل بن أحمد: إنك لا تعرف خطأ معلمك حتى تجلس عند غيره. الرياشي عن الأصمعي قال: لا تكون حطمة حتى يكون قبلها بريق تأتي فتحطم. ومن حديث أبي رافع عن أبي ذر: قال قلت: يا رسول الله: صلى الله عليك كم عدد النبيين قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. أبو بكر بن عياش: عن العجلي عن قتادة. قال: طول الدنيا مائة ألف وأربعة وعشرون ألف فرسخ. ومن حديث عبد الله بن عمرو قال: العرش مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل. ومن حديث ابن أبي شيبة أن العباس بن عبد المطلب كان أقرب شحمة أذن إلى السماء وكان إذا طاف بالبيت يشبه بالفسطاط العظيم وإذا مشى بين قوم تحسبه راكباً. ومن حديث عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي )قال: خلق الله الملائكة من نور والجان من نار وآدم من تراب. وسأل أعرابي رسول الله ﷺ: متى القيامة فقال له: وما أعددت لها لا شيء والله غير أني أحب الله ورسوله. قال: المرء مع من أحب. زياد عن مالك أن النبي ﷺ: قال: " إياكم والشرك الأصغر ". قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال: " الرياء ". زياد عن مالك قال: إذا لم يكن في الرجل خير لنفسه لم يكن فيه خير لغيره وإذا رأيت الرجل وقال بعضهم: سمعت حذيفة يحلف لعثمان في شيء بلغه عنه ما قاله ولقد سمعته يقول فسألته عن ذلك فقال: يا بن أخي اشتري ديني بعضه ببعض لئلا يذهب كله. أخذه الشاعر فقال: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا ولا ما نرقع زياد عن مالك أن النبي ﷺ قال: " الغيرة من الإيمان والمراء من النفاق ". الأصمعي قال: سأل علي بن أبي طالب الحسن ابنه رضوان الله عليهم: كم بين الإيمان واليقين قال: أربع أصابع. قال وكيف ذلك قال: الإيمان كل ما سمعته إذناك وصدقه قلبك واليقين ما رأته عيناك فأيقن به قلبك وليس بين العين والأذنين إلا أربع أصابع. الرياشي قال: ضرب علي كرم الله وجهه بيده زانياً فأوجعه إيجاعاً شديداً. فقال له عم المضروب: بعض هذا الضرب فقد قتلته. فقال علي رضي الله عنه: إنه وتر من ولدها من قبل أبيها وأمها من النبيين والصالحين إلى آدم. قال الرياشي: فكنت أعجب من شنعة حد الرجم فلما سمعت شنعة الذنب هان علي الحد. الأصمعي عن أبي عمرو قال: دم الحيض غذاء المولود. أقبل أعرابي إلى النبي ﷺ ينشد ضالة له فقال له النبي ﷺ: " لا وجدتها لا وجدتها إنما المساجد لما بنيت له ". الأصمعي عن أبي عمرو قال: أعرق الناس في الخلافة عاتكة بنت يزيد بن معاوية أبوها خليفة وجدها خليفة وأخوها معاوية ين يزيد خليفة وزوجها عبد الملك بن مروان خليفة وولدها يزيد بن عبد الملك خليفة وأربابها الوليد وسليمان وهشام خلفاء. قتادة عن أنس بن مالك قال: أمن النبي ﷺ الناس يوم فتح مكة إلا أربعة فإنه قال: اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة: وهم عبد العزى بن يزيد بن خطل ومقيس بن صبابة الكندي وعبد الله بن أبي سرح وأم سارة. فأما عبد العزى فإنه قتل وهو معلق بأستار الكعبة. وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه كان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة فأتى به النبي ﷺ فبايعه وشفع له عنده. وأما مقيس فإنه كان له أخ مع رسول الله ﷺ فقتل خطأ فبعث معه رسول الله ﷺ رجلاً من بني فهر ليأخذ له عقله من الأنصار فلما اجتمع له العقل أخذه وانصرف مع الفهري فنام في بعض الطريف فوثب عليه مقيس فقتله ثم أقبل وهو يقول: شنى النفس من قد بات بالقاع مسندا يضرج ثوبيه دماء الأخادع حللت به نذري وأدركت ثؤرتي وكنت إلى الأوتار أول راجع وأما سارة: فإنها كانت مولاة لقريش فأتت رسول الله ﷺ واشتكت إليه الحاجة فأعطاها شيئاً ثم أتاها رجل فبعث معها كتاباً إلى أهل مكة يتقرب به إليهم ليحفظ في عياله وكان عياله بمكة فأخبر جبريل النبي ﷺ فبعث النبي ﷺ في إثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فلحقاها ففتشاها فلم يقدرا على شيء فأقبلا راجعين ثم قال أحدهما لصاحبه: والله ما كذبنا ولا كذبنا ارجع بنا إليها. فرجعا إليها فسلا سيفيهما ثم قالا: لتدفعن إلينا الكتاب أو لنذيقنك الموت. فأنكرته ثم قالت: أدفعه إليكما على أن لا تؤدياني إلى رسول الله ﷺ. فقبلا منها ذلك فحلت عقاص رأسها وأخرجت الكتاب من قرن من قرونها فرجعا بالكتاب إلى النبي ﷺ فدفعاه إليه فدعا الرجل وقال له: ما هذا الكتاب فقال له: أخبرك يا رسول الله إنه ليس ممن معك أحد إلا وله بمكة من يحفظه في عياله غيري فكتبت بهذا الكتاب ليكافئوني في عيالي فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ". أمر المصعب بن الزبير رجلاً من بين أسد بن خزيمة بقتل مرة بن مكان السعدي فقال مرة: ولست وإن كانت إلي حبيبة بباكٍ على الدنيا إذا ما تولت وكان ابن سعد الأسدي قد تولى صدقات الأعراب لعمر بن عبد العزيز وأعطياتهم فقال فيه جرير يشكو عمر: حرمت عيالاً لا فواكه عندهم وعند ابن سعد سكر وزبيب وقد كان ظني بابن سعد سعادة وما الظن إلا مخطئ ومصيب فإن ترجعوا رزقي إلي فإنه متاع ليالٍ والأداء قريب تحيا العظام الراجفات من البلى وليس لداء الركبتين طبيب لما توجه رسول الله ﷺ إلى تبوك كان أبو خيثمة فيمن تخلف عنه فأقبل وكانت له امرأتان وقد أعدت كل واحدة منهما من طيب ثمر بستانها ومهدت له في ظل حائط. فقال: أظل ممدود وثمرة رطبة طيبة وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله ﷺ في الضح والريح ما هذا بخير. ثم ركب ناقته ومضى في إثره. فقالوا: يا رسول الله نرى رجلاً يرفعه الآل فقال: كن أبا خيثمة. فكانه. الضح: الشمس تقول العرب في أمثالها: " جاء فلان بالضح والريح " إذا أقبل بخير كثير. نتف من الطيب قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم ". يريد ما نزعتم عن القسي ونزوتم على ظهور الخيل وإنما أراد الحركة والله أعلم كما قال النبي ﷺ: " سافروا تصحوا ". وقال بعض الحكماء: لا ينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من ثلاث في غير إفراط: الأكل والمشي والجماع. فأما الأكل فإن الأمعاء تضيق لتركه. وأما المشي فإن من لم يتعاهده أوشك أن يطلبه فلا يجده. وأما الجماع فإنه كالبئر إن نزحت جمت وإن تركت تخثر ماؤها وحق هذا كله القصد فيه. قال النبي ﷺ: " من استقل برأيه فلا يتداوى. فرب دواء يورث الداء ". وقال الحكماء: إياك وشرب الدواء ما حملتك الصحة. وقالوا: مثل الدواء في البدن مثل الصابون في الثوب ينقيه ويخلقه. الأصمعي عن رجل عن عمه قال: لقيت طبيب كسرى شيخاً كبيراً قد شد حاجبيه بخرقة فسألته عن دواء المشي فقال: سهم يرمى به في جوفك أصاب أم أخطأ. تفسيره: من كان داؤه فوق سرته سقي الدواء ومن كان داؤه تحت سرته حقن بالدواء ومن لم يكن له داء لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء ولم يحقن به. وقال النبي ﷺ لأسماء بنت عميس: " بم كنت تستمشين في الجاهلية قالت: بالشبرم. قال: حار بار ثم قالت: استمشيت بالسنا. قال: لو أن شيئاً يرد القدر لرده السنا. ومن حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ خرج عليهم وهم يتذاكرون الكمأة ويقولون فيها: جدري الأرض فقال: إن الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين وهي شفاء من السم. وأهدى تميم الداري إلى النبي ﷺ زبيباً فلما وضعه بين يديه قال لأصحابه: " كلوا فنعم الطعام الزبيب يذهب النصب ويشد العصب ويطفئ الغضب ويصفي اللون ويطيب النكهة ويرضي الرب ". وقال طلحة بن عبد الله: دخلت على النبي ﷺ وهو جالس في جماعة من أصحابه وفي يده سفرجلة يقلبها فلما جلست إليه دحرج بها نحوي وقال: دونكها أبا محمد فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاء الصدر ". وقال النبي ﷺ: " أربع من النشر: شرب العسل نشرة والنظر إلى الماء نشرة وقال عثمان بن عفان: سمعت النبي ﷺ يقول: " من بلغ الخمسين أمن الأدواء الثلاث: الجنون والجذام والبرص ". ومن حديث زيد بن أسلم: أن النبي ﷺ قال: ما انزل الله من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ". ومن حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي ﷺ قال: " أنزل الدواء الذي أنزل الداء ". ومن حديث زيد بن أسلم أن رجلاً أصابه جرح في بعض مغازي رسول الله ﷺ فدعا له رجلين من بني أنمار فقال: أيكما أطل فقال له رجل من أصحابه: في الطب خير قال: " إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء " وقال النبي ﷺ: " عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب ". يريد القسط الهندي وهو الذي تسميه العامة الكست. وقال النبي ﷺ: " عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها دواء من كل داء إلا السام " يعني الشونيز. وفي مسند ابن أبي شيبة: أن النبي ﷺ قال: " عليكم بالإثمد عند النوم فإنه وفيه: أن عبد الله بن مسعود قال: عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل. الأصمعي قال: ثلاث ربما صرعت أهل البيت عن آخرهم: الجراد ولحوم الإبل والفطر وهو الفقع. ويقول أهل الطب: إن أردأ الفطر في ظلال الشجر ولا سيما في ظلال الزيتون فإنه قتال. وقال وهب بن منبه: إذا صام الرجل زاغ بصره فإذا أفطر على الحلوى رجع إليه البصر. وأقبل رجل على النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني كنت في الجاهلية ذا فطنة وذا ذهن وأنكرت نفسي في الإسلام. فقال له: أكنت تنام في القائلة قال: نعم. قال: " فعد إلى ما كنت عليه من نوم القائلة ". وقال النبي ﷺ: " عليكم بالشجرة التي كلم الله منها موسى بن عمران زيت الزيتون فادهنوا به فإن فيه شفاء من الباسور ". وقال: في الزيتونة يقول الله: " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ". ويقول الأطباء: إذا خرج الطعام من قبل ست ساعات فهو من ضرر وإذا أقام في الجوف أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو من ضرر. دخل المغيرة بن شعبة على معاوية فقال له معاوية: أنكرت من نفسي خصلتين: قل طعمي ورق عظمي. فإن تدثرت بالثقيل أثقلني وإن تدثرت بالخفيف أصابني البرد. قال: نم يا أمير المؤمنين بين جاريتين سمينتين يدفئانك بشحومهما ويحملان عنك ثقل الدثار بمناكبهما. وأكثر من الألوان وكل من كل لون ولو لقمة فإن ذلك إذا اجتمع نفع. فدخل عليه بعد ذلك فقال له معاوية: يا أعور قد جربنا ما قلت فوجدناه موافقاً. التعويذ والرقي أبو بكر بن أبي شيبة عن عقبة عن شعبة عن أبي عصمة قال: سألت سعيد بن المسيب عن تعليق التعويذ قال: لا بأس به. وكان مجاهد يكتب للصبيان التعويذ ويعلقه عليهم. وقال النبي ﷺ من قال إذا أصبح: أعوذ بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة لم يضره عين ولا حية ولا عقرب. وفي مسند ابن أبي شيبة: إن خالد بن الوليد كان يفزع في نومه فشكا ذلك إلى النبي ﷺ فقال له: " أخبرني جبريل أن عفريتاً من الجن يكيدك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة المباركات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما وفي مسند ابن أبي شيبة أن النبي ﷺ قال: " ولا رقية إلا من عين أو حمة ". والحمة: السم. سفيان بن عيينة قال: بينا عبد الله بن مسعود جالساً تعرض عليه المصاحف إذ أقبلت أعرابية فقالت: أبا فلان لرجل جالس إليه: لقد لدغ مهرك وتركته كأنه يدور في فلك فقم واسترق له. فقال له ابن مسعود: لا تسترق له واذهب فانفث في منخره الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً وقل: أذهب الباس يا رب الناس فإنه لا يذهبه إلا أنت. ففعل فلم يبرح حتى أكل وشرب وبال وراث. دخل أبو بكر على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال لها: ارقيها بكتاب الله. الحجامة والكي قال عبد الله بن عباس: احتجم النبي ﷺ في رأسه من أذى كان به. وفي مسند ابن أبي شيبة: أن عيينة بن حصن دخل على رسول الله ﷺ وهو يحجم في فأس رأسه فقال: ما هذا قال: " هذا خير ما تداويتم به ". وفي مسند ابن أبي شيبة أن النبي ﷺ قال: " خير ما تداويتم به الحجامة وفيه أن النبي ﷺ قال: خير يوم تحتجمون فيه سبعة عشر وتسعة عشر وأحد وعشرون. وفيه أنه قال: " إن كان في شيء مما تعالجون به خير ففي شرطة من محجم أو لذعة من نار تواقع ألماً أو شربة من عسل وما أحب أن أكتوي ". السم والسحر في مسند ابن أبي شيبة: أن يهود خيبر أهدوا إلى رسول الله ﷺ شاة مسمومة فقال رسول الله ﷺ: " اجمعوا لي من هاهنا من اليهود ". فجمعوا له. فقال لهم: هل جعلتم في هذا الشاة سماً قالوا: نعم. قال: ما حملكم على ذلك قالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك وإن كنت نبياً لم يضرك السم. وقال النبي ﷺ: " ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري ". الليث بن سعد عن الزهري قال: أهدي لأبي بكر طعام وعنده الحارث ابن كلدة طبيب العرب فأكلا منه فقال الحارث لأبي بكر: لقد أكلنا والله في هذا الطعام سم سنة وإني وإياك لميتان عند رأس الحول فماتا جميعاً عند انقضاء السنة. وفي مسند ابن أبي شيبة: أن رجلاً من اليهود سحر النبي ﷺ فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل فقال له: إن رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عقداً وجعلها في مكان كذا وكذا. فأرسل عليا رضي الله عنه فاستخرجها وجاء بها فجعل يحلها فكلما حل عقدة وجد رسول الله ﷺ خفة ثم قام رسول الله ﷺ كأنما أنشط من عقال. وفي مسند لبن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: " طب رسول الله ﷺ - والطب: السحر - فبعث إلى رجل فرقاه ". العين تقول العرب: رجل معين إذا أخذ بالعين. وقال النبي ﷺ: لو سبق القدر شيء لسبقته العين. وتقول العرب: إن العين تسرع بالإبل إلى أوصامها وبالرجال إلى أسقامها. ونظر عامر بن أبي ربيعة إلى سهل بن حنيف يستحم فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة قال: فلبط به فأمر النبي ﷺ عامر ابن أبي ربيعة أن يتوضأ له ثم يطهره بمائه ففعل فقام سهل بن حنيف كأنما أنشط من عقال. أبيات في الطب وجدناها في كتاب فرج بن سلام النافجاء بشيرج ملتوت فيه شفاء للرياح مميت يغلى لذلك حلبة في مائها تسقيه مصطحبا وحين يبيت وقال: ليس شيء أنفى عن الجسم للري ح من الأنجدان والمحروث في الحرف سبعون دواء وفي الكم مون فيما قيل ستونا قد قاله هرمس في كتبه فلا تدع حرفاً وكمونا وقال: بسعتر بر داو كل مبلغم وذا المرة الصفراء بالرازيانق وذو المرة السوداء ذاك علاجه تعاهد فصد العرق من كفٍ حاذق وذو الدم فليكثر حجامة فما غيرها شيء له بموافق وقال: لا تكن عند أكل سخن وبهر ودخول الحمام تشرب ماء فإذا ما اجتنبت ذلك منه لم تخف ما حييت في الجوف داء وقال: إن أردت الرقاد في الليل فاجعل قطنة عندها على الأذنين فيه تظهر السلامة للأذ نين مما يضر بالعينين وقال: وقال: احس في الحمام ماء سخنا وليكن ذلك في البيت السخن يسلم البطن من الداء ولا يعتريه وجع طول الزمن وقال: إن دخلت الحمام فاضرب على رأ سك بالماء السخن سبع مرات فيه تظهر السلامة من كل ل صداع بقدرة الجبار وقال: لا تجامع ولا تمطى ولا تد خل إذا ما شبعت في الحمام فهو دفع لكل ما يتقيه ال مرء من فالج وكل سقام وقال: ما كان في الرأس أخرجه بغرغرة فالقيء يخرج ما في الصدر من عفن وكل ما كان في الصلب فذلك لا يستل إلا بإخلاط من الحقن وقال: على الريق في البرد احس ماء مسخناً وفي الصيف ماء بارداً حين تصبح وقال: إن من باكر الغداء وبعد ال عصر منه تعاهد للعشاء فبإذن الإله يبقى صحيحاً سالماً في الحياة من كل داء وقال: إن رأس الطب إن تد لك بالزنبق دلكا باطني رجليك عند الن نوم ينفى السقم عنكا وقال: شجر البراغيث الكريه مشمه يبري بإذن الله من داء الحبن وقال: إن السواك ليستحب لسنة ولأنه مما يطيب به الفم لم تخش من حفر إذا أدمنته وبه يسيل من اللهاة البلغم وقال: احتجم بين كل شهرين ولتل ف على أثرة من الأيام سبعة منك للزبيب بلا عج م تبديه قبل كل طعام وقال: ولا تغط الرأس في وقت ما تخرج من الحمام واخش الضرر إن بخار الرأس في وقت ما وصفته داءٌ يصيب البصر وقال: إن الجماع على الحمام مصحة ولذاذة تاهت على اللذات وقال: السمك المالح إن لم يكن بد من الأكل له فانعم بالطبخ أكثر زيته ثم كل من قبل مأدوماً من المطعم وقال: اطل منك الشعر في كل ل أربعاً لا تدور وليكن غسلك بالبا رد منه والطهور إنه يزعر منه شعر الجسم الكثير إنني طب بما يج هله الناس خبير قال: حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية قال: حدثنا زياد بن يونس الحضرمي عن محمد بن هلال المدني عن أبيه عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ تشتكي زوجها. فقال: إنها تذكر كثرة الجماع. قال: يا رسول الله أفأزني قال: لا ولكن إذا جاءنا سبي فتعال حتى نعطيك جارية. فقدم عليه سبي فجاء إليه فقال له: يا رسول الله وعدي! فقال له: اختر. فقال له: اختر لي. فقال: " خذ هذه فإني أراها زرقاء فلعلها ". قال: فما لبثنا أن جاءت المرأة فقالت: يا رسول الله ما زاده الأمر إلا تجدداً. فقال له النبي ﷺ: ما هذا فقال: يا رسول الله أفأزني قال: لا. ثم قال له رسول الله ﷺ: لعلك تسكثر الأطلاء. قال: نعم. قال: " فأقل اطلاءك يقل جماعك ". قال محمد: قال لي ابن أبي ناجية: وأنا كما تراني شيخ كبير قد أتى علي ثمانون سنة إذا أحببت الوطء اطليت في كل خمس عشرة ليلة. الهدايا كتب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان في يوم النيروز: أيها السيد الشريف عشت أطول الأعمار بزيادةٍ من العمر موصولة بقرائنها من الشكر لا ينقضي حق نعمة حتى تجدد لك أخرى ولا يمر بك يوم إلا كان مقصراً عما بعده موفياً على ما قبله. إني تصفحت أحوال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا إلى السادة فالتمست التأسي بهم في الإهداء وإن قصرت بي الحال عن الواجب وإني وإن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظ فيها لغيرك ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك. فكنت إن أهديت منها شيئاً كمهدي مالك إليك وفزعت إلى مودتي فوجدتها خالصة لك قديمة غير مستحدثة فرأيت إن جعلتها هديتي لم أجدد لهذا اليوم الجديد براً ولطفاً ولم أميز منزلة من الشكر بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصراً عن الحق والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك والإقرار بما يجب لك براً أتوصل به إليك وقلت في ذلك: إن أهد مالاً فهو واهبه وهو الحقيق عليه بالشكر أو أهد شكراً فهو مرتهن بجميل فعلك آخر الدهر والشمس تستغني إذا طلعت أن تستضيء بسنة البدر وكتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك: النفس لك والمال منك والرجاء موقوف عليك والأمل مصروف نحوك فما عسى أن أهدي إليك في هذا اليوم وهو يوم سهلت فيه العادة سبيل الهدايا للسادة وكرهت أن نخليه من سنته فنكون من المقصرين أو أن ندعي أن في وسعنا ما يفي بحقك علينا فنكون من الكاذبين فاقتصرنا على هدية تقضي بعض الحق وتنفي بعض الحقد وتقوم عندك مقام أجمل البر. ولا زلت أيها الأمير دائم السرور والغبطة في أتم أحوال العافية وأعلى منازل الكرامة تمر بك الأعياد الصالحة والأيام المفرحة فتخلقها وأنت جديد تستقبل أمثالها فتلقاك ببهائها وجمالها. وقد بعثت الرسول بالسكر لطيبه وحلاوته والسفرجل لفأله وبركته والدرهم لبقائه عند كل من ملكه ولا زلت حلو المذاق على أوليائك مراً على أعدائك متقدماً عند خلفاء الله الذين تليق بهم خدمتك وتحسن أفنيتهم بمثلك. وقد جمعنا في هذه القصيدة ثناء ومسرةً واعتذاراً وتهنئة. وهي: غاد في المهرجان كأساً شمولا وأطعني ولا تطيعن عذولا فهو يوم قد كان آباؤك الغ ر يحلونه محلاً جليلا إن للصيف دولة قد تقضت وأراك الشتاء وجهاً جميلا وتجلت لك الرياض عن النو ر فكانت من كل شيء بديلا فتمتع باللهو لا زلت جذلا ن وطرف الزمان عنك كليلا فجعلت الذي أطيق من الشكر على ما عجزت عنه دليلا يا لها من هدية تقنع المه دى إليه ولا تعني الرسولا وكتب بعض الشعراء إلى بعض أهل السلطان في المهرجان: هذه الأيام جرت فيها العادة بإلطاف العبيد للسادة وإن كانت الصناعة تقصر عما تبلغه الهمة فكرهت أن أهدي فلا أبلغ مقدار الواجب فجعلت هديتي هذه الأبيات وهي: ولما أن رأيت ذوي التصافي تباروا في هدايا المهرجان جعلت هديتي وداً مقيماً على مر الحوادث والزمان وعبداً حين تكرمه ذليلاً ولكن لا يقر على الهوان يزيدك حين تعطيه خضوعاً ويرضى من نوالك بالأماني وأهدى أبو العتاهية إلى بعض الملوك نعلاً وكتب معها: نعل بعثت بها لتلبسها تسعى به قدم إلى المجد لو كان يصلح أن أشركها خدي جعلت شراكها خدي وأهدى علي بن الجهم كلباً وكتب: استوص خيراً به فإن له عندي يداً لا أزال أحمدها أهدى أحمد بن يوسف ملحاً طيباً إلى إبراهيم بن المهدي وكتب إليه: الثقة بك سهلت السبيل إليك فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يغتنم. وأهدى إبراهيم بن المهدي إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي جراب ملح وجراب أشنان وكتب إليه: لولا إن القلة قصرت عن بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برك ولكن البضاعة قعدت بالهمة وكرهت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فبعثت بالمبتدأ به ليمنه وبركته والمختوم به لطيبه ونظافته. وأما ما سوى ذلك فالمعبر عنا فيه كتاب الله تعالى إذ يقول: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ". إلى آخر الآية. وكتب إبراهيم بن المهدي إلى صديق له: لو كانت التحفة على حسب ما يوجه حقك لأجحف بنا أدنى حقوقك ولكنه على قدر ما يخرج الوحشة ويوجب الأنس وقد بعثت بكذا وكذا. وكتب رجل إلى المتوكل على الله وقد أهدى إليه قارورة من دهن الأترج: إن الهدية يا أمير المؤمنين إذا كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أنفع وأوقع. وأرجو أن لا تكون قصرت بي همة أصارتني إليك ولا أخرني إرشاد دلني عليك وأقول: حسبي بوديك أن ظفرت به ذخراً وعزاً يا واحد الأمم أهدى حبيب بن أوس الطائي إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب معه إليه هذه الأبيات: قد بعثنا إليك أكرمك الل ه بشيء فكن له ذا قبول لا تقسه إلى ندى كفك الغم ر ولا نيلك الكثير الجزيل فاستجز قلة الهدية مني إن جهد المقل غير قليل ومن قولنا في هذا المعنى وقد أهديت سلي عنب ومعهما: أهديت بيضاً وسداً في تلونها كأنها من بنات الروم والحبش عذراء تؤكل أحياناً وتشرب أح يانا فتعصم من جوع ومن عطش وأهديت حوتين وكتبت معهما: أهديت أزرق مقروناً بزرقاء كالماء لم يغذها شيء سوى الماء ذكاتها الاخذ ما تنفك طاهرة بالبر والبحر أمواتاً كأحياء وأهديت طبق ورد ومعه: رياحين أهديها لريحانة المجد جنتها يد التخجيل من حمرة الخد بعثت بها زهراء من فوق زهرة كتركيب معشوقين خداً على خد وكتبت على كأس: اشرب على منظر أنيق وامزج بريق الحبيب ريقي واحلل وشاح الكعاب رفقاً واحذر على خصرها الرقيق وقل لمن لاعم في التصابي إليك خل عن الطريق وأنشد أحمد بن أبي طاهر في هذا المعنى: ما ترى في هدية من فقير حيل ما بينه وبين اليسار يغرب الناس في الهدايا إلى النا س ويهدي غرائب الأشعار محكماتٍ كأنها قطع الرو ض تحلت أنوارها بالبهار وأنشد يزيد بن المهلب في المعتمد: سيبقى فيك ما يهدي لساني إذا فنيت هدايا المهرجان قصائد تملأ الآفاق مما أحل الله من سحر البيان وقال آخر: وأهديت الثناء بنظم شعر وكنت لذاك مني مستحقا لأن هدية الألطاف تفنى وأن هدية الأشعار تبقى وقال حبيب: فوالله لا أنفك أهدي شوارداً إليك يحملن الثناء المنخلا ألذ من السلوى وأطيب نفحةً من المسك مفتوقاً وأيسر محملا وقال مروان بن أبي حفصة: بدولة جعفر حمد الزمان لنا بك كل يوم مهرجان جعلت هديتي لك فيه وشياً وخر الوشي ما نسج اللسان وقال أحمد بن أبي طاهر: من سنة الأملاك فيما مضى من سالف الدهر وإقباله هدية العبد إلى ربه في جدة الدهر وأحواله فقلت ما أهدي إلى سيدي حالي وما خولت من حاله إن أهد نفسي فهي من نفسه أو أهد مالي فهو من ماله لسعيد شويهة نالها الضر والعجف فتغنت وأبصرت رجلاً حلاملاً علف " بأبي من بكفه برء دائي من الدنف " فأتاها مطعماً وأتته لتعتلف ثم ولى فأقبلت تتغنى من الأسف " ليته لم يكن وقف عذب القلب وانصرف " وقال الحمدوني: كتبت إلى الحسن بن إبراهيم وكان كل سنة يبعث إلي بأضحية فتأخر عني سنة فكتبت إليه: سيدي أعرض عني وتناسى الود مني مر بي أضحى وأضحى أخلفاني فيه ظني لا يراني فيهما أه لا لظلف ولقرن فتعزيت بيأس ثم ضحيت بجني واصطحبت الراح يوماً ثم أنشدت أغني أهدت جارية من جواري المأمون تفاحة له وكتبت إليه: إني يا أمير المؤمنين لما رأيت تنافس الرعية في الهدايا إليك وتواتر ألطافهم عليك فكرت في هدية تخف مؤونتها وتهون كلفتها ويعظم خطرها ويجل موقعها فلم أجد ما يجتمع فيه هذا النعت ويكمل فيه هذا الوصف إلا التفاح فأهديت إليك منها واحدة في العدد كثير في التصرف وأحببت يا أمير المؤمنين أن أعرب لك عن فضلها وأكشف لك عن محاسنها وأشرح لك لطيف معانيها ومقالة الأطباء فيها وتفنن الشعراء في وصفها حتى ترمقها بعين الجلالة وتلحظها بمقلة الصيانة فقد قال أبوك الرشيد رضي الله عنه: أحسن الفاكهة التفاح اجتمع فيه الصفرة الدرية والحمرة الخمرية والشقرة الذهبية وبياض الفضة ولون التبر يلذ بها من الحواس العين ببهجتها والأنف بريحها والفم بطعمها. وقال أرسطا طاليس الفيلسوف عند حضوره الوفاة واجتمع إليه تلاميذه: التمسوا لي تفاحة أعتصم بريحها وأقضي وطري من النظر إليها. وقال إبراهيم بن هانئ: ما علل المريض المبتلى ولا سكنت حرارة الثكلى ولا ردت شهوة الحبلى ولا جمعت فكرة الحيران ولا سلت حسيفة الغضبان ولا تحيت الفتيان في بيوت القيان بمثل التفاح. والتفاحة يا أمير المؤنين إن حملتها لم تؤذك وإن رميت بها لم تؤلمك وقد اجتمع فيها ألوان قوس قزح من الخضرة والحمرة والصفرة وقال فيها الشاعر: فعلى التفاح فاشرب قهوةً واسقنيها بنشاط وفرح ثم غن الآن كي تطربني طرفك الفتان قلبي قد جرح فإذا وصلت إليك يا أمير المؤمنين فتناولها بيمينك واصرف إليها يقينك وتأمل حسنها بطرفك ولا تخدشها بظفرك ولا تبعدها عن عينك ولا تبذلها لخدمك فإذا طال لبثها عندك ومقامها بين يديك وخفت أن يرميها الدهر بسهمه ويقصدها بصرفه فيذهب بهجتها ويحيل نضرتها فكلها. هنيئاً مريئاً غير داء مخامر والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال المأمون: احملوا إليها من كل ما أهدي لنا في هذا اليوم. وكتب العباس الهنداني إلى المامون في يوم نيروز: أهدى لك الناس المرا كب والوصائف والذهب وهديتي حلو القصا ئد والمدائح والخطب فاسلم سلمت على الزما ن من الحوادث والعطب