الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الطهارة/باب قضاء الحاجة
والحاجة كناية عن خروج البول والغائط وهو مأخوذ من قوله (ﷺ) : إذا قعد أحدكم لحاجته وعبر عنه الفقهاء بباب الإستطابة لحديث ولا يستطيب بيمينه والمحدثون بباب التخلي مأخوذ من قوله : إذا دخل أحدكم الخلاء والتبرز من قوله : البراز في الموارد والكل من العبارات صحيح .
على المتخلي الإستتار فينبغي أن يبعد لئلا يسمع منه صوت أو يشم منه ريح أو يرى منه عورة ولا يرفع ثوبه .
حتى يدنو من الأرض عند قضاء الحاجة ويستتر بمثل حائش نخل مما يوارى أسفل بدنه ، فمن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ، وذلك لأن الشيطان جبل على أفكار فاسدة وأعمال شنيعة كذا في الحجة . وذلك لما ورد من الأدلة الدالة على وجوب ستر العورة عموماً وخصوصاً إلا عند الضرورة ومنها قضاء الحاجة فلا يكشف عورته إلا عند القعود ، وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ من أتي الغائط فليستتر .
والبعد لما أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع النبي (ﷺ) في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى ولفظ أبي داود : كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد ورجاله رجال الصحيح إلا إسمعيل بن عبد الملك الكوفي ففيه مقال يسير .
أو دخول الكنيف يعنى إذا أراد أن يقضي الحاجة في البنيان وهناك كنيف فليس عليه إلا أن يدخله وإن قرب من الناس لما سيأتي من حديث ابن عمر .
و أما ترك الكلام فلحديث لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد . وأخرج نحوه ابن السكن وصححه من حديث جابر رضي الله تعالى عنه .
و أما ترك الملابسة لما له حرمة فلحديث أنس رضي الله عنه عند أهل السنن وصححه الترمذي والمنذري وابن دقيق العيد بلفظ كان النبي (ﷺ) إذا دخل الخلاء ينزع خاتمه ولم يأت من ضعفه بما تقوم به الحجة في التضعيف .
وتجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع كالتخلي في ظل الناس وطريقهم ومتحدثهم والماء الدائم فقد ورد في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله تعالى وأبي داود رحمه الله تعالى قال : اتقوا اللاعنين قالوا : وما اللاعنان يارسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم وأفهم أن الحكمة الإحتراز عن لعنهم وتأذيهم . ومنها حديث معاذ بن جبل عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وابن السكن وصححاه قال : قال رسول الله (ﷺ) : اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل وقد أعل بأنه من رواية أبي سعيد الحميري عن معاذ ولم يسمع منه ، وفي الباب أحاديث فيها مقال ، ومن الأمكنة التي نهى الشارع عنها الجحر لحديث عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله (ﷺ) أن يبال في الجحر أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي ، وقد أعل بأنه من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه ولكنه قد صحح سماعه منه علي بن المديني وصحح الحديث ابن خزيمة وابن السكن ، والجحر قد يكون مأوى حية أو مثلها فتخرج وتؤذي ، ومنها ما أخرجه أحمد رحمه الله تعالى وأهل السنن من حديث عبد الله بن مغفل عن البني (ﷺ) قال : لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه ومنها ما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى وأحمد رحمه الله تعالى والنسائي رحمه الله تعالى وابن ماجه رحمه الله تعالى عن جابر رضي الله تعالى عنه : أن النبي (ﷺ) نهي أن يبال في الماء الراكد .
وعدم الإستقبال والإستدبار للقبلة أو عرف وجهه أنهم يتأذون بذلك وما كان ذريعة إلى ما لايحل فهو لا يحل . قد ورد في ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب بلفظ إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا وأخرج نحوه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، ومن حديث سلمان أيضاً وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن الحرث بن جزء وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل ، والدارمي في مسنده من حديث سهل بن حنيف ، وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال استوفاها الماتن في نيل الأوطار ، وقد استدل من لم يمنع من ذلك بما أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر قال : رقيت يوماً على بيت حفصة رضي الله تعالى عنها فرأيت النبي (ﷺ) على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة وجعلوا هذا الحديث ناسخاً لأحاديث النهي، ومن جملة ما استدلوا به حديث جابر رضي الله تعالى عنه عند أحمد رحمه الله تعالى ، وأبي داود رحمه الله تعالى ، والترمذي رحمه الله تعالى وحسنه ، وابن ماجه رحمه الله تعالى ، والبزار رحمه الله تعالى ، وابن الجارود رحمه الله تعالى ، وابن خزيمة رحمه الله تعالى ، وابن حبان رحمه الله تعالى ، والحاكم رحمه الله تعالى ، والدارقطني رحمه الله تعالى ، قال: نهى النبي (ﷺ) أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وقد نقل الترمذي عن البخاري رحمه الله تعالى تصحيحه ، وصححه أيضاً ابن السكن ، وحسنه أيضاً البزار ، ولا يخفى أنه قد تقرر في الأصول أن فعله (ﷺ) لا يعارض القول الخاص بالأمة فما وقع منه (ﷺ) لا يعارض النهي عن الإستقبال والاستدبار للقبلة ، فإن قلت حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند أحمد رحمه الله تعالى وابن ماجه رحمه الله تعالى قالت : ذكر لرسول الله (ﷺ) أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال : أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة قلت : لو صح هذا لكان صالحاً للنسخ لأن النبي (ﷺ) فعله لقصد التشريع للأمة ولمخالفة من كان يكره الإستقبال ، ولكنه لم يصح فإن في إسناده خالد بن أبي الصلب . قال ابن حزم : هو مجهول . وقال الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن أبي الصلت أن هذا الحديث منكر، وقد استدل من خصص المنع من الإستقبال والإستدبار للقبلة بالفضاء بما أخرجه أبو داود رحمه الله تعالى والحاكم رحمه الله تعالى عن مروان الأصفر رضي الله عنه قال : رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن ذلك فقال : بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده ولكنه إنما يكون هذا دليلاً إذا كان قد سمع من النبي (ﷺ) ما يفيد تخصيص ذلك النهي السابق ، وأما إذا كان مستنده إنما هو مجرد فهمه من فعله (ﷺ) في بيت حفصة رضي الله عنها فلا يكون هذا الفهم حجة ومع الإحتمال لا ينتهض للإستدلال ، قال الشافعي رحمه الله : الإستقبال والإستدبار محرمان في الصحراء لا في البنيان ، ووجه الجمع عنده تنزيل النهي والإباحة على حالتين ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : مكروهان فيهما سواء ، ووجه الجمع عنده أن النهي للتنزيه والفعل لبيان الجواز في الجملة كذا في المسوى ، قال في سبل السلام : إختلف العلماء فيها على خمسة أقوال : أقربها يحرم في الصحاري دون العمران لأن أحاديث الإباحة وردت في الإباحة فحملت عليه وأحاديث النهي عامة ، وبعد تخصيص العمران بأحاديث فعله التي سلفت بقيت الصحراء على التحريم وقد قال ابن عمر : إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس ، رواه أبو داود وغيره وهذا القول ليس بالبعيد لبقاء أحاديث النهي على بابها وأحاديث الإباحة كذلك انتهى . وروي عن عائشة عند الترمذي أن النبي (ﷺ) لم يبل قائماً وروي عن عمر عند الترمذي أن النبي (ﷺ) نهاه أن يبول قائماً وروي الحاكم أن بوله (ﷺ) قائماً كان لمرض ، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي ، فلم يكن صالحاً لحمل بوله على حالة الضرورة فالأولى أن يقال : إن فعله (ﷺ) لبيان الجواز وأن البول من قيام مكروه فقط وفعله للمكروه لبيان حكم شرعي جائر ولا ريب أن البول من قيام من الجفاء والغلظة والمخالفة للهيئة المستحسنة مع كونه مظنة لانتضاح البول وترشرشه على البائل وثيابه ، فأقل أحوال النهي مع هذه الأمور أن يكون البول من قيام مكروهاً ، وهذا على فرض أن فعله (ﷺ) لقصد التشريع حتى يكون لبيان الجواز ويكون صارفاً للنهي ، فإن لم يكن كذلك فالنهي باق على حقيقته والبول من قيام من خصائصه ، ولكن بعد ثبوت النهي من طريق صحيحة أو حسنة ، وقد أوضح ذلك شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقى .
وعليه الإستجمار بثلاثة أحجار طاهرة أي مسحات لأنها لا تنقى غالباً بأقل من ثلاثة أحجار لما في صحيح مسلم وغيره من حديث سلمان : أن النبي (ﷺ) نهى عن الإستجمار بأقل من ثلاثة أحجار وعن الإستنجاء برجيع أو عظم وأخرج أحمد رحمه الله تعالى ، والنسائي رحمه الله تعالى ، وأبو داود رحمه الله تعالى ، وابن ماجه رحمه الله تعالى ، والدارقطني رحمه الله تعالى وقال إسناده صحيح حسن من حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله (ﷺ) قال : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزىء عنه وأخرج نحوه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة ، وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي رحمه الله تعالى وابن ماجه رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : أن النبي (ﷺ) كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروثة والرمة وأخرج ابن
خزيمة ، وابن حبان والدارمي ، وأبو عوانة في صحيحه ، والشافعي رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضاً بلفظ : وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار وفي الباب أحاديث غير ما ذكرناه
ثم إعلم أنه قال الشيخ أحمد ولي الله المحدث الدهلوي في المسوى شرح الموطأ قال الشافعي رحمه الله تعالى : الإستنجاء واجب والمراد ثلاث مسحات ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : سنة والمراد الإنقاء . وقال الشافعي : لا يجوز الإقتصار على أقل من ثلاثة أحجار وإن حصل الإنقاء بما دونها فإن لم يحصل فإن حصل بعدها بشفع يستحب أن يختم بالوتر ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : يسن الإنقاء ولا يستحب الإيتار وتأويل الحديث عنده أن المراد بالإيتار هو التثليث كني به عن الإنقاء ، ويستحب الإستنجاء بالماء من غير وجوب عن عمر بن الخطاب : يتوضأ بالماء لما تحت إزاره قلت : معنى الوضوء ههنا الغسل والتنظيف وعليه عامة أهل العلمي انتهى . وورد كيفية إستعمال الثلاث في حديث ابن عباس رضي الله عنه حجران للصفحتين وحجر للمسربة بسين مهملة وراء مضمومة أو مفتوحة مجرى للحدث من الدبر .
أو ما يقوم مقامها للضرورة أي إذا لم توجد الأحجار ما لم يكن ذلك الغير مما ورد النهي عنه كالروثة والرجيع والعظم فإنه لا يجوز ولا يجزىء . قال في الحجة : لأنه طعام الجن وكذا سائر ما ينتفع به ، ويستحب الجمع بين الحجر والماء .
وأقول : لا شك أن الإستنجاء بالماء أفضل من الإستنجاء بالحجارة من دون ماء لأنه أقطع للنجاسة فلا تبقى بعده عين للنجاسة فلا تبقى بعده عين للنجاسة ولا ريح بخلاف الإستنجاء بالحجارة وهو الإستجمار فإذا لم يبق جزء من عين النجاسة بقي أثر من آثارها ، وإذا لم يبق شئ من الآثار بقيت الريح ، ومع هذا فهو من السنن كما ثبت في الأحاديث الصحيحة مقروناً بما لا خلاف في شرعيته ، إنما الشأن في كونه يجب على من قضى الحاجة إذا أراد القيام إلى الصلاة أن يستنجي بالماء ولا يكفيه الإستجمار بالأحجار ثم يتوضأ وضوء الصلاة ثم يصلي . والإستدلال على الوجوب بحديث أهل قبا ، لا يخفى أن غاية ما فيه تخصيصهم بالأمر بذلك دون غيرهم ، فإن سائر الصحابة كانوا اذ ذاك لا يستنجون بالماء ، ولهذا خص الله أهل قبا بالثناء ، ثم لم يرد أنه (ﷺ) أمر غير أهل قبا بذلك ، وقد ذهب إلى أنه يكفي الأحجار ابن الزبير وسعد بن أبي وقاص والشافعية والحنفية ، كما حكي ذلك في البحر الزخار عنهم ، بل حكي أيضاً عن عطاء أن غسل الدبر محدث . وعن سعيد بن المسيب ما يفعله إلا النساء هكذا في البحر ، وروي عنه أنه كان يقول : إذن لا يزال في يدي نتن يعنى إذا غسل فرجه بالماء ، ويدل على عدم الوجوب في أحاديث الأمر بالإستجمار وما ورد من أن ثلاثة أحجار ينقين المؤمن لم يصح .
والحاصل : أنه لا نزاع في كون الماء أفضل إنما النزاع في أنه يتعين ولا يجزىء غيره ، وهذا كله على فرض ثبوت قوله في حديث أهل قباء ذلكموه فعليكموه ولكنه لم يثبت في شئ من كتب الحديث بل الذي في الجامع عن أنس أن النبي (ﷺ) قال لأهل قباء : إن الله قد أحسن الثناء عليكم فما ذاك ؟ قالوا : نجمع في الإستجمار بين الأحجار والماء . قال في الجامع ذكره رزين . وفي التلخيص عن البراز في مسنده قال : نبأنا عبد الله بن شبيب نبأنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال : وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن العباس قال : نزلت هذه الآية في أهل قبا فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين فسألهم رسول الله (ﷺ) قالوا : إنا نتبع الحجارة والماء قال البزار لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا عنه إلا إبنه انتهى . ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال : ليس له ولأخويه عمران وعبيد الله حديث مستقيم ، وعبد الله بن شبيب أيضاً ضعيف ، وأصل الحديث في سنن أبي داود والترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ، وليس في شئ هنا الجمع بين الأحجار والماء ، فمحل الإستدلال على وجوب الإستنجاء بالماء هو قوله لهم فعليكموه إغراء لهم على الفعل بمعنى الزموه لم يثبت حتى يثبت ما دل عليه . وأعلم أن الأدلة في هذه المسألة غير مقيدة بكون الأحجار المذكورة للفرج الأعلى أو الأسفل أو لهما جميعاً اذ يصدق قوله (ﷺ) وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار على من أراد أن يستنجي بعد البول فقط ، أو بعد الغائط فقط ، أو بعدهما . وكذلك قوله (ﷺ) وكان يأمرنا بثلاثة أحجار يصدق على كل ذاهب إلى الغائط سواء ذهب إلى البول فقط أو إلى الغائط فقط أو لهما . والمراد بالغائط في قوله (ﷺ) : إذا أتى أحدكم الغائط المكان المطمئن لا نفس الخارج كما صرح به أئمة اللغة ، وكذلك قوله : وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار شامل لكل قاض للحاجة سواء ذهب إلى البول فقط ، أو الغائط فقط ، أو ذهب إليهما جميعاً . كذلك قوله (ﷺ) : فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب بهن فإنها تجزي عنه يتناول من بال فقط كما يتناول من تغوط فقط ، وكذلك قوله (ﷺ) . فليستنج بثلاثة أحجار يصدق على كل قاض للحاجة كما عرفت . وكذلك حديث أمرنا رسول الله (ﷺ) أن لا نجتزي بأقل من ثلاثة أحجار وقوله : وأعدوا النبل . إذا تقرر هذا علمت أنه شرع الإستجمار لمن بال كما شرع لمن تغوط وأن يكون بثلاثة أحجار ، ولم يرد ما يخالف هذا من شرع ولا لغة ولا إشتقاق ، والإستنجاء هو غسل البدن عن الأذى بالماء ومسحه بالحجر كما صرح به صاحب النهاية وصاحب الصحاح والقاموس ، والإستجمار عندهم إستعمال الجمار والتمسح بالجمار وهي الأحجار الصغار وهو إستعمال من غير تقييد ، قال في القاموس : إستجمر إستنجي انتهى . وهو كما لا يخفى يصدق على من إستنجى بها للفرج الأعلى أو الأسفل أو لهما ، وكذلك تصدق الإستطابة على مسح الذكر والفرج ، قال في النهاية : الإستطابة والإطابة كناية عن الإستنجاء وسمي بها من الطيب لأنه يطيب جسده بإزالة ماعليه من الخبث بالإستنجاء أي يطهره ومثل ذلك في الصحاح والقاموس ، ثم قد وردت أحاديث فيها مجرد الأمر بثلاثة أحجار من غير ذكر إستنجاء ولا استطابة ولا إستجمار ولا نزاع في صدقها على الذاهب إلى البول كما تصدق على الذاهب إلى الغائط ، وحينئذ تعلم أنه شرع لمن بال أن يستجمر بالأحجار عقب البول كما شرع لمن تغوط أن يفعل ذلك ، ولا ينافي ذلك حديث : إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثاً كما أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث عيسى بن يزداذ عن أبيه وقد قال ابن معين : لا يعرف عيسى ولا أبوه ، وقال الثوري : إتفقوا على أنه ضعيف ، وقال أبو حاتم : حديثه مرسل لأن الحديث وإن كان مما لا تقوم به الحجة لكنه يمكن الجمع بينه وبين أحاديث الإستجمار إذ الإستجمار إنما هو المسح بالجمار لما تلوث بالبول أو الغائط من خارج الفرج أو الذكر لا لإستخراج ماكان داخلهما ، فالنثر والإستجمار مختلفان مفهوماً وصدقاً وزماناً ومكاناً وصفة ، فكيف يجعل أحدهما معارضاً للآخر لا سيما وحديث النثر بمكان من الضعف لا تقوم به الحجة على فرض إنفراده ، فكيف يؤخذ به وتترك أحاديث الإستجمار المتواترة تواتراً معنوياً عند من له أدنى ممارسة للفن ، وقد أوضحت ذلك في دليل الطالب على أرجح المطالب فليراجع .
وتندب الإستعاذة عند الشروع أي الدخول لأن الحشوش محتضرة يحضرها الشياطين لأنهم يحبون النجاسة ووجهه ما أخرجه الجماعة من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال . كان النبي (ﷺ) إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وقد روى سعيد بن منصور في سننه : إنه كان (ﷺ) يقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم .
والإستغفار والحمد بعد الفراغ لأنه وقت ترك ذكر الله تعالى ومخالطة الشياطين ، والدليل عليه ما أخرجه ابن ماجه رحمه الله تعالى بإسناد صالح من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان النبي (ﷺ) إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وأخرج نحوه النسائي رحمه الله تعالى وابن السني رحمه الله تعالى من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه ورمز السيوطي رحمه الله تعالى لصحته ، وأخرج أحمد رحمه الله تعالى ، وأبو داود رحمه الله تعالى ، والترمذي رحمه الله تعالى ، وابن ماجه رحمه الله تعالى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان النبي (ﷺ) إذا خرج من الخلاء قال غفرانك وصححه ابن حبان رحمه الله تعالى وابن خزيمة رحمه الله تعالى والحاكم رحمه الله تعالى