الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الطهارة/باب الغسل
وأصله تعميم البدن بالغسل يجب يخروج المني بشهوة ولو بتفكر وقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة كأحاديث الماء من الماء وأحاديث في المني الغسل وصدق اسم الجنابة على من كان كذلك ، وقد قال الله تعالى : وإن كنتم جنباً فاطهروا والاطهار استيعاب جميع البدن ، فالغسل كذا في المسوى ، ولا اعلم في ذلك خلافاً ، وانما وقع الخلاف المشهور بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكذلك بين من بعدهم هل يجب الغسل بالتقاء الختانين من دون خروج مني أم لا يجب إلا بخروج المني ؟ والحق الأول لحديث اذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما رحمهم الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرج نحوه مسلم وأحمد والترمذي رحمهم الله تعالى وصححه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فهذان الحديثان وما ورد في معناهما ناسخان لما كان في أول الإسلام من أن الغسل إنما يجب بخروج المني . ويدل على ذلك حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال : أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رخص بها في أول الاسلام ثم أمرنا بالإغتسال بعدها وأخرج مسلم رحمه الله تعالى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل وعائشة رضي الله تعالى عنها جالسة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل . وقال في الحجة البالغة : اختلف أهل الرواية هل يحمل الإكسال أي الجماع من غير إنزال على الجماع الكامل في معنى قضاء الشهوة أعني ما يكون معه الإنزال ، والذي صح رواية وعليه جمهور الفقهاء هو أن من جهد فقد وجب عليهما الغسل وإن لم ينزل . واختلفوا في كيفية الجمع بين هذا الحديث وحديث إنما الماء من الماء فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : للاحتلام وفيه ما فيه لأنه يأباه سبب ورود الحديث كما أخرجه مسلم ، وقال أبي رضي الله تعالى عنه كانت رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها وقد روي عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأبي ابن كعب وأبي أيوب رضي الله تعالى عنهم فيمن جامع امرأته ولم يمن قالوا : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ورفع ذلك إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولا يبعد عندي أن يحمل ذلك على المباشرة الفاحشة ، فانه قد يطلق الجماع عليها . قلت : على هذا أكثر أهل العلم أن غسل الجنابة يجب بأحد الأمرين : إما بإدخال الحشفة في الفرج ، أو بخروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة .
بالتقاء الختانين وعلى هذا أكثر أهل العلم أن من جامع امرأته فغيب الحشفة وجب الغسل عليهما وان لم ينزل . والختان موضع القطع من ذكر الغلام ونواة الجارية .
وبانقطاع الحيض والنفاس ولا خلاف في ذلك . وقد دل عليه نص القرآن ومتواتر السنة وكذلك وقع الإجماع على وجوبه بانقطاع النفاس
و كذلك وقع الإجماع على وجوبه بالإحتلام إلا ما يحكى عن النخعي رحمه الله تعالى ولكنه إنما يجب اذا وجد المحتلم بللاً .
مع وجود بلل كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً فقال : يغتسل ، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل فقال : لا غسل عليه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه رحمهم الله ورجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال خفيف . وأخرج نحوه أحمد والنسائي رحمهما الله من حديث خولة بنت حكيم رضي الله تعالى عنها وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما رحمهم الله تعالى من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن أم سليم رضي الله تعالى عنها قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت ؟ قال : نعم إذا رأت الماء وهذه الأحاديث ترد على من اعتبر أن يحصل للمحتلم شهوة ويتيقن ذلك . والمراد من البلل المني فإن رأى بللاً ولم يتيقن أنه مني لم يجب الغسل عند أكثر أهل العلم . قال في الحجة : أراد الحكم على البلل دون الرؤيا لأن الرؤيا تكون تارة حديث نفس ولا تأثير له ، وتارة تكون قضاء شهوة ولا تكون بغير بلل . فلا يصلح لإدارة الحكم إلا البلل . وأيضاً فإن البلل شئ ظاهر يصلح للإنضباط ، وأما الرؤيا فإنها كثيراً ما تنسى انتهى .
وبالموت المراد وجوب ذلك على الأحياء إذ لا وجوب بعد الموت من الواجبات المتعلقة بالبدن أي يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات ، وقد حكى المهدي في البحر والنووى رحمه الله الإجماع على وجوب غسل الميت ، وناقش في ذلك بعض المتأخرين مناقشة واهية ، وسيأتي الكلام على غسل الميت وصفته وتفاصيله إن شاء الله تعالى . وفي الحجة وأما غسل الميت فلأن الرشاش ينتشر في البدن ، وجلست عند محتضر فرأيت أن الملائكة الموكلة بالقبض لها نكاية عجيبة في المحتضرين ففهمت أنه لا بد من تغيير الحالة لتنبه النفس لمخالفها .
وبالإسلام وجهه ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن حبان وابن خزيمة رحمهم الله عن قيس بن عاصم رض : أنه أسلم فأمره النبي (ﷺ) أن يغتسل بماء وسدر وصححه ابن السكن رحمه الله . وأخرج أحمد وعبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان رحمهم الله من حديث أبي هريرة رض : أن ثمامة رضي الله تعالى عنه أسلم فقال النبي صلى الله وسلم عليه اذهبوا به الى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالإغتسال بل فيهما أنه اغتسل . قال في الحجة : قال لآخر : ألق عنك شعر الكفر . وسره إن يتمثل عنده الخروج من شئ أصرح ما يكون والله تعالى أعلم انتهى . وقد ذهب الى الوجوب أحمد بن حنبل وأتباعه رحمهم الله ، وذهب الشافعي رحمه الله الى عدم الوجوب ، والحق الأول ، ويؤيده ما وقع منه (ﷺ) من الأمر بالغسل عند الإسلام لواثلة بن الأسقع وقتادة الرهاوي رض ، كما أخرجه الطبراني رحمه الله وأمره أيضاً لعقيل بن أبي طالب رض ، كما أخرجه الحاكم رحمه الله في تاريخ نيسابور وفي أسانيدها مقال .