انتقل إلى المحتوى

البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة


استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر، ومنعه من الاجتماع بالناس، ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري، والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها، سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب، ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك بن شنشنكير، ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري.

وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الأخبار بأن علي باشا كسر جيشه، وقيل إنه قتل.

ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشي كثير من النساء والرجال، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على كل حال.

وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد، وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي، وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان، فاستقضى الأول على الحنفية كما سيأتي، واستوزر الثاني وأمّر الثالث.

وفي يوم عاشوراء أحضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي، وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الأقصرائي شيخ الشيوخ، وشهاب الدين الأصبهاني، فادّعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك، فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته، ومنع من الكلام على الناس، وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان.

وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة.

وفي ربيع الأول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما.

وفي منتصف ربيع الآخر أمر الأمير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه، وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله، وله مقاصد حسنة صالحة، وهو في نفسه رجل جيد.

وفيه: أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الآخر ولزم بيته.

وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الآخرة أقيمت الجمعة في جامعين بمصر، أحدهما أنشأه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري، ومات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله، والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع.

وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس، وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي.

وفيه: خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر، وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الأبار بالحسبة بالقاهرة، مع ما بيده من نظر الأوقاف وغيره.

وفيه: أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس.

وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس، وفيهم علاء الدين، فاجتمع به أهل العلم وهو من أفاضل الحنفية، وله مصنفات في الحديث وغيره.

وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق، وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرّس الحمصية، وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ، وعماد الدين بن الشيرازي، ونجم الدين الطرسوسي، وجمال الدين المرداوي، وصاحبه شمس الدين بن مفلح، والصدر المالكي والشرف بن القيسراني، والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم، وجمال الدين بن الشهاب محمود.

وفي ذي القعدة وصلت الأخبار بأن الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع، وحصل لهم خير كثير ولله الحمد، وفرح المسلمون بذلك.

وفيه: كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه.

وفيها: نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه، وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص، ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

من الأعيان:

الشيخ علاء الدين بن غانم

أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل، وكثرة الأدب والأشعار والمروءة التامة، مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، وسمع الحديث الكثير، وحفظ القرآن و(التنبيه)، وباشر الجهات، وقصده الناس في الأمور المهمات وكان كثير الإحسان إلى الخاص والعام.

توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم، ودفن هناك رحمه الله، ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان، وكان أصغر منه سنا بسنة، وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة.

الشرف محمود الحريري

المؤذن بالجامع الأموي، بنى حماما بالنيرب، ومات في آخر المحرم.

الشيخ الصالح العابد ناصر الدين محمد

بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري، ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر، وسمع صحيح مسلم وغيره، وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره، كان فيه صلاح وعبادة، توفي في الرابع والعشرين من المحرم، ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر.

الشيخ شهاب الدين عبد الحق الحنفي

أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي الحنفيين ويعرف بابن عبد الحق الحنفي، شيخ المذهب ومدرّس الحنفية وغيرها، وكان بارعا فاضلا دينا، توفي في ربيع الأول.

الشيخ عماد الدين إبراهيم بن

علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الإمام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة، توفي في ربيع الأول.

الشيخ الإمام العابد الناسك محب الدين عبد الله

بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي، سمع الكثير وقرأ بنفسه، وكتب الطباق وانتفع الناس به، وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الأموي وغيره، وله صوت طيب بالقراءة جدا، وعليه روح وسكينة ووقار.

وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس، وكان شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية يحبه ويحب قراءته، توفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول، وكانت جنازته حافلة، ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير، رحمه الله تعالى، وبلغ خمسا وخسمين سنة.

المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد

ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه، الخوارزمي الأصل، سمع الكثير وقرأ بنفسه، وكان سريع القراءة، وقرأ الكتب الكبار والصغار، وجمع وخرج شيئا كثيرا، وكان بارعا في هذا الشأن، رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الأول، ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله.

شيخنا الإمام العالم العابد شمس الدين

أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي، إمام مسجد الحنابلة بها، ولد سنة سبع وأربعين وستمائة.

وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت، عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت، قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد، وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم، والمشهورين بالخير والصلاح، توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الآخر ودفن هناك رحمه الله.

الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد

إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد، يقصده الناس للزيارة، ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا، ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس، والله أعلم بحاله. وأصله من قرية دهروط، وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها، ويقال إنه قرأ (التنبيه) في الفقه، ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات، وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس، ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته، وصلّي عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها.

الأمير أسد الدين عبد القادر

بن المغيث عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل، ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة، وسمع الكثير وأسمع، وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث، ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه، توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله.

الشيخ الصالح الفاضل حسن بن إبراهيم

بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجد هناك، ومذكّر الناس في كل جمعة، ولديه فضائل، وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال، ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767