البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها، وناظر الجامع عز الدين بن المنجا، والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم.
وفي مستهل المحرم يوم الخميس درّس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش، وعاد إلى أهله في عز وعافية.
وفيه: أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه، وعمارة جامع مصر العتيق.
وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين بن الأثير كاتب سر بها عوضا عن ابن الشهاب محمود.
ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق.
وفي ربيع الأول مسك الأمير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين، وصودر وبيعت خيوله وحواصله، وتولاه بعده سيف الدين تمر مملوك بكتمر الحاجب، وهو مشد الزكاة.
وفيه: كملت عمارة حمام الأمير شمس الدين حمزة الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار، ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه، وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه، وسائر جسده، ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها، وعزل الأمير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك، وراح إليها طيغال وقدم نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالإقامة في سلخد، فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة وأخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة، ثم نقل إلى صفد ثم إلى الإسكندرية ثم كان آخر العهد به.
وفي جمادى الأولى احتيط على دار الأمير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة، ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا، وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الآخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك النجيبي شد الأوقاف عوضا عن ابن بكتاش، اعتقل، وخلع على المتولي وهنأه الناس.
وفي منتصف هذا الشهر علّق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني، وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف، غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة، وعمل في مدة سنة ونصف.
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي، وقاضيه شهاب الدين الظاهري.
وفيه: رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان، وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس، وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا، ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان، ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل، يوم عيد الفطر فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيه: وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة، وأملاك وأوقاف، وهلكت أموال لا تحصر، وكذلك احترق أكثر مدينة إنطاكية، فتألم المسلمون لذلك.
وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية، عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة، وبني غربيه مسجد حسن أحسن وأنفع من الأول.
وتوفي فيها من الأعيان:
الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني، ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وسمع الحديث، وروى، وكان حسن الصوت والشكل، محببا إلى العوام، توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير، وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد، وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله.
الكاتب المطبق المجود المحرر بهاء الدين محمود
ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، واعتنى بهذه الصناعة فبرع فيها، وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام، وكان حسن الشكل طيب الأخلاق، طيب الصوت حسن التودد، توفي في سلخ ربيع الأول، ودفن بتربة الشيخ أبي عمر رحمه الله.
علاء الدين السنجاري
واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الأموي بدمشق، علي بن إسماعيل بن محمود كان أحد التجار الصدق الأخيار، ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات، توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة، ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري.
العدل نجم الدين التاجر
عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة، وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارّة، وصدقات هناك، وكان من أخيار أبناء جنسه، عدل مرضى عند جميع الحكام، وترك أولادا وأموالا جمة، ودارا هائلة، وبساتين بالمزة، وكان وفاته يوم الأربعاء سابع عشرين جمادى الآخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله.
الشيخ الإمام الحافظ قطب الدين
أبو محمد عبد الكريم بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصمد بن عبد النور الحلبي الأصل ثم المصري، أحد مشاهير المحدثين بها، والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه، ولد سنة أربع وستين وستمائة بحلب، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية، وبرع في فن الحديث.
وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري، وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما، وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متباينة الإسناد.
وكان حسن الأخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال، إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب، ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي، وخلف تسعة أولاد رحمه الله.
القاضي الإمام زين الدين أبو محمد
عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي، قاضي المحلة، ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي، سمع من ابن الأنماطي وابن خطيب المزة، وحدث وتوفي تاسع شعبان، وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي، ودفنت بالقرافة، وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي، وكذلك ابنتها محمدية، وقد توفيت قبلها.
تاج الدين علي بن إبراهيم
ابن عبد الكريم المصري، ويعرف بكاتب قطلبك، وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرّسهم في عدة مدارس، ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان، وصلّي عليه من الغد بالجامع، ودفن بباب الصغير.
الشيخ الصالح عبد الكافي
ويعرف بعبيد بن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني، ويعرف بابن أبي الأزرق، مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك، ثم أقام بقرية منين، وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين.
الشيخ محمد بن عبد الحق
ابن شعبان بن علي الأنصاري، المعروف بالسياح، له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي، مشهورة به، كان قد بلغ التسعين، وسمع الحديث وأسمعه، كانت له معرفة بالأمور وعنده بعض مكاشفة، وهو رجل حسن، توفي أواخر شوال من هذه السنة.
الأمير سلطان العرب حسام الدين
مهنا بن عيسى بن مهنا، أمير العرب بالشام، وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، من ذرية الولد الذي جاء من العباسة أخت الرشيد فالله أعلم.
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم، بالشام ومصر والعراق، وكان دينا خيرا متحيزا للحق، وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة، وقد بلغ سنا عالية.
وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا، هو وذريته وعربه، وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام، يسمعون قوله ويمتثلونه، وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض، وعرفهم أن ذلك حرام، وله في ذلك مصنف جليل.
وكانت وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة، ودفن هناك رحمه الله.
الشيخ الزاهد فضل العلجوني
فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحنبلي المقيم بالمسمارية، أصله من بلاد حبراحي، كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة، وهي بأرخص الأثمان، وكان يعرف تعبير الرؤيا ويُقصد لذلك، وكان لا يقبل من أحد شيئا، وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها، بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى أن توفي في ذي الحجة، وله نحو تسعين سنة، ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله، وكانت جنازته حافلة جدا.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |