انتقل إلى المحتوى

نساء الخلفاء (دار المعارف، 1950)/عنان بنت عبد الله جارية الناطفي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: القاهرة: دار المعارف (1950)، الصفحات ٤٧–٥٣
 

٣ – عِنانُ[١] بنت عبد الله جارية النَّاطِفيّ

كانت شاعرة ظريفة، ولها أخبار مدوَّنة، ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني فقال : «كانت عِنانُ جاريةُ النَّطَّاف[٢] صَفراءَ مُولَّدة من مُوَلَّدات اليَمامَة وبها نشأَتْ وأُدِّبَتْ، واشتراها النطَّاف، وهَمَّ الرشيد بابتياعِها منه فمنعه منها اشتهارُها وما هجاها به الشعراء مع حبِّهِ لها وميله إليها، وإيثاره إياها. وقيل إنَّهُ أحضرها ليبتاعَها من سيدها فطلب ثَمَنَها مائة ألف درهم، فأحضرها الرشيد عنده ثم رَدَّها، فتصدَّق سيدها بثلاثين ألف درهم. (٤ و) فلما مات مولاها بِيعَت بمائتي ألف درهم. وكانت أوَّلَ مَن اشتهر بقول الشعر في الدولة العباسيّة وأَفْضَلَ مَنْ عُرِفَ مِن طبقتها. ولم يزل فحول الشعراء في ٤٨ عصرها يلقونها في منزل مولاها ، فَيُقارِضُونها الشعر وتنتصفُ . منهم. وأُعتقت بعد وفاة مولاها إما يعتق كان منه لها أو أنها ولدت منه ) . وروى الأصفهاني بإسناده إلى مروان (۳) بن أبي حفصة قال : « لَقِيَنِي الناطقى فدعانى إلى عنان . قال : فانطلقت معه فدخل إليها قبلى ، فقال لها : قد جئتك بأشعر الناس مروان بن أبي حفصة. وكانت عَليلة : ، ( ع ظ ) ) إنى عن مروان لفى شغل . فأهوى إليها بِسَوْطِهِ فَضَرَبَها به ، وقال لى : أدْخُل . فدخلت وهى تبكي ، فرأيتُ الدموع تَتَحَدَّرُ من عينيها فقلت : (۳) بَكَتْ عِنانُ مُسْبِلا دَمْعُها كالدُّرِّ إِذْ يَسْبِقُ مِنْ خَيْطِهِ ) فقالت مسرعةً : فَلَيْتَ مَنْ يَضْرِبُها ظالِماً تَيْبَسُ يُمْناهُ على سَوْطِهِ فقلتُ للنطاف : أَعْتَقَ مروان ما يملك إن كان في الإنس والجن أشعر منها . (۱) لا يتفق هذا القول وما نقله آنفاً من أنها بيعت بعد وفاة مولاها . (۲) هو أبو السمط وقيل أبو الهيذام مروان بن سلمان بن يحيى بن أبي حفصة من مشاهير الشعراء فى صدر الدولة العباسية . عاصر الخليفة أبا جعفر المنصور . والمهدى بن المنصور وابنه موسى الهادى والرشيد . وتوفى ببغداد سنة • " ه ۱۸۱ ، أو سنة ( ۱۸۲ ) . و الأغانى ج ۱۰ ص ۷۱ ومواضع أخرى من الأغانى ووفيات الأعيان لابن خلكان ( ج ٢ ص ٢٠٦ طبعة بلاد العجم ) . والشعر والشعراء ص ٢٩٥ ، طبعة مصطفى محمد بمصر » . ومعجم الشعراء للمرزبانى ( ص ٣٦٥ ، ٣٩٦، وشعره مستفيض فى كتب الأدب والتاريخ لمعالجته الشعر السياسي (۳) في المحاسن والأضداد : . إن عنانًا أرسلت دمعها كالدرّ إذ ينسل من سمطه ٤٩ وحَدَّثَ عن الجوهرى قال حدثنا عمر بن شبة عن أحمد بن معاوية قال قال رجل : تصنَعْتُ كتباً فوجدتُ فيها بيتاً جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ من يُجيزه فلم أجد ، فقال لى صديق : عليك بمنان جارية الناطق . فاتيتها فانشدتها : ست وما زال يشكو الحب حتى رأيتُهُ تَنفَس من أَحشائِهِ وَتَكَلَّما قال : فما لبثت أن قالت : ويبكي فأبكى رحمة لبكائه إذا ما بكي دمعاً بكَيْتُ له دما سعد عن وأخبر عن أحمد بن عبيد الله بن عمار عن عبد الله بن أبي مسعود بن عيسى قال أخبرنى موسى بن عبد الله التميمي قال : دخل نواس على الناطفى، وعنان جاريته تبكي ، وخَدُّها على رَزَّةٍ في مصراع الباب وقد كان الناطق ضربها . فأوما إلى أبي نواس أن يُحركها بشي.. - فقال أبو نواس : عنان لو جدت لي فأتى من تمري بما آمَن الرَّسُولُ بما a يعني : في آخر عمره ، لأنَّ «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » آخر آية في سُورَة البَقَرَة ) . فَرَدَّتْ عليه عِنانُ : (۱) سورة البقرة ( الآية ۲۸٥ ، وبعدها آيتان ، فليست آخر آية في هذه السورة . (هو) (bo) (٤) (1) فإِنْ تَمَادَى) - ولا تماديت - في قَطْعِكَ حَبْلَى أَكُنْ كَمَنْ خَتَمَا فرد عليها : عَلِقْتُ مَنْ لَوْ أَلَى على أَنْفُسِ الماضين والغابرين (۲) ما ندما فردت عليه : لَو نَظَرَتْ عينه إلى حَجَرٍ وَلَّد فِيهِ فُتُورُها سَقَما وحدث (۳) عن جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العباس بن رستم قال . دخلت أنا وأبان (4) اللاحق على عنان جارية الناطقى في يوم من (ε) (1) أصله و تتمادی و مضارع ( تمادیت ، فحذفت التاء المزيدة للتخفيف وبقيت تاء المضارعة ، والفعل مجزوم بإن الشرطية . وحوفظ على الألف في آخر الفعل لضرورة الشعر ، فإن حذفها للجزم يؤدى إلى كسر البيت . (۲) أراد بالغابرين ( الباقين ) بدلالة مقابلة ( الماضين » به وهذا هو الوجه الفصيح في استعمال ( الغابر ) وهو الوارد في القرآن الكريم . وأما استعمال الغابر ) بمعنى الماضى وكونه من الأضداد ( كتاب الأضداد لابن الأنيارى ص ۱۱۱ ) فناشيء من رأينا في تصحيف ( العابر » بالعين المهملة ، قال الجوهرى في الصحاح : « وعبر القوم أى ماتوا ، قال الشاعر : فإن تعبر فإن لنا لمات وإن تغير فنحن على تذور يقول : إن متنا فلنا أقران وإن بقينا فنحن ننتظر ما لا بد منه كأن لنا في إتيانه نذراً ، . اهـ . (۳) روى أبو الفرج هذا الخبر في الأغانى ( ۲۰ : ٧٦ ، وأبو بكر الصولى في كتابه الأوراق ( ج ۱ ص ۲۳ ) طبعة المستشرق هيورث دن بمصر (٤) أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن غفر مولى بني رقاش شاعر بصری مطبوع انتقل إلى بغداد واختص بالبرامكة ، ونظم كليلة ودمنة في أربعة عشر ألف بيت وقدمه إلى يحيى بن خالد بن برمك فأعطاه مائة ألف درهم وعمل له كتاب= ° (٦و) الصيف وهي جالسة في الخيش (۱) فقال لها أبان : فقالت

(1) لدة عيش الصَّيْف في الخيش) فقلت : كل يوم بأقحوان فقالت : لا في لقاء الجيش بالجيش جدید تضحك الأرض عن بكاء السماء فهى كالوشى من ثياب يمان جَلَبتها التجارُ مِنْ صَنعاء (۲) فقال (٣) لَها مُعرِّضا بها : ما أَحْسَنَ ما قال جرير : المنطق بشعر أيضاً وأدب ابن المقفع ، وهو من أعيان الشعراء التعليميتين وأسبقهم إلى الشعر التعليمى ( أوراق الصولى ١ : ١ - ٥٢ » ، والأغانى « ۲۰ : ۷۳ » ، وفهرست ابن النديم ( ١٦٣ » ، وطبقات الشعراء المنسوب إلى ابن المعتز « ٢٠٢ ، ٢٠٤ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ( طبعة دار المعارف بمصر ، والبيان والتبيين للجاحظ ( ١ : ٥٠ » طبعة لجنة التأليف والترجمة ، والحيوان له ١ ٤ : ٤٤٧ . ٤٥١ » و « ٥ : ٢٤١ » طبعة مصطفى البابي الحلبى بمصر ، والعمدة لابن رشيق ( ج ١ ص ٦٤ ) طبعة مطبعة السعادة بمصر (۱) الخيش ثياب في نسجها رقة وخيوطها غلاظ من مشاقة الكتان أو من أغلظ العصب جمعه أخياش وخيوش ( القاموس ) وهو معروف اليوم بمصر وعدة أقطار عربية . = (۲) في الأصل وفكرت طويلاً حتى قالت » وهو مخالف لسياق الخبر فصيرناه إلى ما ترى. وهذه التتمة نقلناها من ترجمة ( بدعة الكبري » الآتى ذكرها . لأن الناسخ أقحمها في الورقة ( ۱۱ ) وهى من ترجمة بدعة . • ظلِلْتُ أُراعِي صاحِي تَجَلدًا وقد عَلِقَتْني مِن هَواكِ عَلُوق (۱) فقالت غير متوقفة : (11) إذا عقل الخوف اللسان تكلمت بأسراره عين عليه نَطوق وعن جعفر بن قدامة وجَحْظة قالا : أنشدنا هبة الله بن إبراهيم بن المهدى قال أنشدني أبي لعنان جارية الناطقى : نفسي على حسراتها موقوفة فَوَدِدْتُ لو خَرَجَتْ مَعَ الحسرات لو فى يَدَيَّ سياق (۳) أيامى إذا خَطرَفتُهُنَّ ) تعجلا لوفاتي لا خير بعدكَ فى الحياة وإنما أبكي مخافة أن تطول حياتي قال أبو الفرج : وهذه الأبيات رثت بها مَوْلاها النطاف . (۱) ورد هذا البيت فى ديوان جرير ( ص ۳۹۷ طبعة الصاوى بمصر ، من قصيدة قافية ، يمدح بها الحجاج ، على هذه الصورة : بت - أراني صاحي تجلدا وقد علقتى من هواك علوق

(۲) فى الأصل ( سباب ) . والسياق هو الموافق للسياق . . (۳) قال الجوهرى فى الصحاح : ( خطرف البعير في سيره لغة في خذرف إذا أسرع ووسع الخظو بالظاء المعجمة ) ( كذا ولا نرى وجها إلا لاخاء المعجمة وجاء في المقاييس لابن فارس فى المنحوت من باب الخاء : « ومن ذلك تخطرف الشيء : إذا جاوزه وهى منحوتة من كلمتين : خطر وخطف لأنه يثب كأنه يختطف شيئاً . . . . . ولم يذكر الجوهرى فى ( خذرف ، ما يؤيد أن « خطرف ) لغة فيه . وفى القاموس « خطرف : أسرع في مشيته أو جعل خطوتين خطوة في وساعته كتخطرف فيهما ، وقال في الخذروف : « وخذرف : أسرع ) وروى أبو الميناء عن الجماز وغيره أن أبا نواس ألقى على عنان جارية النطاف بَيْتاً وهو[٣]:

ذكر أبو الفرج أن عنان خرجت إلى مصر وماتت هناك في سنة ست وعشرين ومائتين.


  1. الأغاني « ج ١٠ ص ٩٦ و ج ٢٠ ص ٧٦ طبعة محمد ساسی »، والمحاسن والأضداد المنسوب غلطًا إلى الجاحظ « ص ١٤٨ طبعة مطبعة المعاهد بمصر » ، والوزراء والكتاب للجهشياري « ص ١٥٩ طبعة عبد الحميد حنفى بمصر، وفهرست ديوان أبي نواس ، و بدائع البدائه « ص ٤٨ » ، وطبقات الشعراء المحدثين لابن المعتز « ص ٤٢١ » ، والعقد الفريد « ٦ : ٥٧ » وديوان العباس بن الأحنف « ص ١٠٧ » ، وكتاب الورقة لابن الجراح « ص ۳۹ وغيرها » والجزء الثالث والعشرون من الأغاني من نسخة خزانة فيض الله بالآستانة المصورة بدار الكتب المصرية برقم ۱۹۰۱۸ ز .
  2. النَطّاف والناطفى : بائع الناطف وهو نوع من الحلوى اسمه «القُبيَّطْ» أيضاً، ولا يزال معروفاً بهذا الاسم – أغنى الناطف – في ماردين وما حولها، وهذه الحلوى إذا باتت فقدت لذتها ونفاستها.
  3. من هنا يتصل الخبر بأخبار « بدعة الكبرى » والأصل « بيتًا وهو هذه الأبيات . . . » والاختلال ظاهر عليه فقطعنا الخبر. ويظهر أن الكتاب ناقص لأننا لم نجد البيت الذي ألقاه عليها أبو نواس ولا جوابها عنه.