انتقل إلى المحتوى

نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/ربيعة بن مكدم الكناني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


بعض مشاهير شجعان الجاهلية

كان فارسَ العرب قاطبة وأشجعهم في الجاهلية ربيعةُ بن مُكَدَّم وهو من بني فراس بن غَنْم بن مالك بن كِنانة1 وكان يُعقر على قبره في الجاهلية ولم يعقر على قبر أحد غيره، قال حسان بن ثابت وقد مرَّ على قبره فنفرت ناقته:

لا يَبْعَدَنَّ رَبيعة بْنُ مَكدَّمٍ
وسقى الغَوادى قبْرَهُ بِذَنوبِ
نفرَت قَلوصى من حجارة حرَّةٍ
بُنيتْ على طلق اليدين وَهوب2
لا تنفري يا ناقُ منه فإنه
شِرِّيبُ خمر مِسْعَرٌ لحروب
لولا السِّفار وطولُ قَفرٍ مَهْمَهٍ
لتركتها تَحْبو على العُرقوبِ3

وكان بنو فِراس رهطه أنجدَ العرب، الرجُل منهم يَعْدِل عشرة من غيرهم وفيهم يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأهل الكوفة: من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب أبدلكم الله بي مَن هو شرٌّ لكم وأبدلني بكم من هو خيرٌ منكم ودِدت والله أن لي بجميعكم وأنتم مائة ألف ثلاثمائة من بني فراس بن غنْم.

قال أبو عبيدة: خرج دُريْدُ بن الصِّمة في فوارس من بني جُشَم يريدون الغارة على بني كِنانة حتى إذا وصلوا واديًا لهم، وجدوا رجلًا في ناحية الوادي معه ظعينة لما نظره دُريد قال لفارس من أصحابه: صِحْ به خَلِّ عن الظعينة وأنج بنفسك فانتهى إليه الفارس وصاح به وألحَّ عليه فألقى زمام الناقة وقال للظعينة:

سيرى على رِسلك سيرَ الآمن
سير رَدَاح ذاتِ جاش ساكنِ4
إن التأنّي دون قِرنى شائني
ابلي بلائي واخْبُرِي وعَايِنِي

ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه فأعطاه الظعينة فبعث دُرَيْد فارسًا آخر لينظر ما صنع الأول فلما انتهى إليه ورأى ما صنع صاح به فتصامم عنه كأن لم يسمع فظن أنه لم يسمع فغشيه فألقى زمام الراحلة إلى الظعينة ثم أقبل إليه وهو يقول:

خَلِّ سبيل الحرَّة المنيعهْ
إنك لاقٍ دونها ربيعهْ
في كفه خَطِّيَّةٌ مُطيعهْ
أَوْلا فخذها طعنةً سريعَهْ5
والطعن منى في الوغى شريعة

ثم حمل عليه فصرعه فلما أبطأ على دُرَيْد بعث فارسًا لينظر ما صنعا فوجدهما صريعين ونظر إليه يقود ظعينته ويجرُّ رمحه فقال للظعينة: اقصدي نحو البيوت ثم أقبل عليه فقال:

ماذا تريد من شَتٍيمٍ عابس
ألم تر الفارسَ بعد الفارس6
أرداهما عاملُ رُمْحٍ يابس

ثم حمل عليه وصرعه وانكسر رمحه وارتاب دريد فظن أنهم قد أخذوا الظعينة وقتلوا الرجل فلحق دريد ربيعة وقدَدنا من الحي ووجد أصحابه مقتولين، فقال له: أيها الفارس، إن مثلك لا يقتل، ولا أرى معك رمحًا والخيل ثائرة بأصحابك فدونك هذا الرمح؛ فإني منصرف إلى أصحابي ومثبِّطهم عنك فانصرف إلى أصحابه، وقال: إن فارس الظعينة قد حماها وقتل أصحابكم وانتزع رمحي ولا مطمع لكم فيه فانصرف القوم فقال دريد في ذلك:

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
حامي الظعينة فارسًا لم يقتل
أرْدَى فوارس لم يكونوا نَهْزهُ
ثم استمر كأنه لم يفعل7
متهللا تبدو أسِرَّةُ وجْهِهِ
مثل الحسام جلَتْهُ كفّ الصَّيقل8
وترى الفوارس من مهابة رمحه
مثل البُغَاثِ خَشِينَ وقْع الأجدَل9
يزُجِي ظعينتَه ويسحب رمحه
متوجِّهًا يمناه نحو المنزل
يا ليت شعري من أبوه وأمه
يا صاح من يك مثلَه لا يجهل

  1. قتله أهبان بن غادية الخزاعي.
  2. القلوص: من الإبل الشابة، الحَرَّة: أرض ذات حجارة نخرة سوداء.
  3. المهمه: المفازة البعيدة والبلد المقفر
  4. رداح: ثقيلة الأوراك.
  5. خطية: رمح مشهور بالجودة.
  6. شتيم: أسد عابس.
  7. نهزه: قدره.
  8. الصيقل: الذي يتعهد السيوف بالشحذ والجلاء.
  9. الأجدل: الصقر.