مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الغرائب/الباب التاسع
( الباب التاسع في بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد )
قال الله تعالى ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾ فالنعمة الظاهرة سلامة البدن والنعمة الباطنة الإيمان فأول نعمة الله عز وجل على العبد أن خلقه حيوانًا متميزًا على الجمادات دراكًا للّذات حساسًا للطيبات ومنها العقل الذي يعرف به الخير من الشر والحق من الباطل والكفر من الإيمان فيا لها نعمة ما أعظمها فمن شك فيها فلينظر في حالة المجنون يأخذ من أسفله ويضع في فيه ولا يشعر ومنها نعمة الإيمان وما أعظمها فإن الانسان به ينال عز الدين والدنيا وسعادة الآخرة فانظر إلى الكافرين وخزيهم وتفكر في مصارع المتهمين الملحدين في الدنيا ثم انظر في حال مراتبهم بالكفر يكون أذل من اليهود فترى اليهودي آمنا ولا يأمن المتهم بالإيمان والحق هو الإيمان وما سواه فكفر وطغيان ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ولولا فضلي ونعمتي خصصتكم بالإيمان لكنتم مع فرعون وهامان ومنها أن يحفظ عليك الإيمان ويحفظك عن الكفر والشرك وإلا شددت الزنار في وسطك ومنها أن وكل على كل مؤمن مائة وثمانين ملكًا يحفظونه من الماء والنار والجن والإنس ولولا ذلك لاختطفته الجن وقال رسول الله ﷺ إن الله قدر على كل مؤمن ومؤمنة خمسة من الملائكة واحد عن يمينه يكتب الحسنات وواحد عن يساره يكتب السيئات وواحدًا بين يديه يدله على الخيرات ويقوده إليها وواحدًا من ورائه يصونه عن الآفات وواحدًا يبلغني صلاته علي لأستغفر له ومنها أن خلقك رجلًا لا امرأة لأنه تعالى خلق ألف صنف من الحيوان ليسوا من الجن والإنس فيجب على الرجل ألف شكر أن خلقه رجلًا ولم يخلقه امرأة ويجب على المرأة ألف شكر أن خلقها أنثى ولم يخلقها خنثى ومنها أنه جعله من أمة محمد ﷺ لأن دينه خير الأديان وأن أمته خيار الأمم وبنو اسرائيل شدد عليهم في أشياء ولم يشدد على هذه الأمة ومنها أن خلقه سنيًا لا مبتدعًا فأن السني له فضل على المبتدع ومنها العافية التي انتهت آمال الناس إليها والعافية وثلاثة أشياء دين سليم عن اللغات وقوت حلال عن الشبهات وأمن كامل وقال الشبلي رحمه الله العافية أربعة أشياء دين قوي واعتقاد صحيح وبدن قانع من الحرص وقلب طاهر من غش المسلمين ومنها ستر العيوب فإنه لا يكشف عورات عباده لدى الذنوب فما علم الرب من عبده لو أظهره لخلقه لتبرأ الأب من ابنه والزوج من زوجته ومنها النوم الذي هو راحة البدن والقلب قال الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ولولا ذلك لاختلت القوى ومنها الحواس الخمس ونعمة العين مشكورة وقوام الآدمي بها قيل من أراد أن يعرف قدر نعمة الله عليه فليغمض عينه ساعة ومنها اللسان الذي يعبر به الآدمي عن الألم واللذة والفرح والغم وسائر الحيوانات لا يقدرون على ذلك ومنها الأمن الذي استفيد به الإسلام حتى قذف الرعب في قلوب الكافر فلا يقصدون الإسلام مع أنه بعدد كل مسلم ألف كافر معجزة للنبي ﷺ نصرت بالرعب ومنها أنه أغناك عن الناس وأحوج الناس إليك حتى كنت تتصدر في بيتك ويجيء الناس إليك قال الله تعالى من أغنيته عن طبيب يشفيه وعن سلطان يستعين به عما في يد أخيه فقد أتممت نعمتي عليه ومنها الحرف والصنعة حتى يكتسبون بها ويعمرون الدنيا وحبب إليهم الدراهم والدنانير عمارة الدنيا ومنها تسخير الأنعام للآدمي فينقاد الجمل العظيم للصبي الضعيف ولو استصعبت البهائم من كان يطيقها ومنها أنه جعل الماء مركبًا للآدمي فيحمل عليه الآلاف من الحديد والحجر ويقضي بها حاجاته.