معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/عداوات حول حكم الإسلام/عداوات المستهترين والمنتحلين
عداوات المستهترين والمنحلين
لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض، بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق، والناشئة كذلك التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين؛ والحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع، وتجرف معها الاستهتار والانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر والموت، الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرًا تدفع إليه دوافع الفطرة والضرورة.
وأيًّا ما كانت الأسباب، فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة، ويطفو على سطحه الاستهتار، ويبدو الانحلال في كل جوانبه. سواء ما يتعلق بالجنس، وما يتعلق بالمخدرات، وما يتعلق بالذمة والضمير والخلق في العمل والسلوك.
هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال والنساء، يهولها – من غير شك – أن تسمع شيئًا عن حدود الإسلام، التي تفزع الفاحشين والفاحشات؛ بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس، وتزجر الجناة، وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار.
وندخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال، تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها القارغات من النسوة والفتيات، على سنة الفراغ والتبطل الموحي بكل تافه من الأفكار والأعمال.
ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة، تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف والكرامة. ولكن هذه الأوكار التي أعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها؛ وأن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام المرأة، لا تسع ذلك اللون من النشاط!
هذه الجموع من الرجال والنساء، ومن الشبان والفتيات؛ هذه الجموع التي لا نجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات، كفاية لنشاطها .. تفزع من حكم الإسلام، بحاسة الخوف على الذات، وحب السلامة، والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة، بما فيها من انحلال واختلال. فهي إذن بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه لها أمان!
وتملك هذه الجموع نوادي وصحفًا، كما تملك نفوذًا في جهاز الحكم ومرافق المجتمع؛ بل إن نفوذها ليفوق كل نفوذ آخر في هذه البلاد! إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد، وإلى المال، و إلى الحكم، ويستخدم كل هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من هذه الفوضى، وذلك الفساد.
وما زلت أذكر منذ سنوات كلة أحد الوزراء في ذلك العهد، في رواق من أروقة مجلس النواب، وقد خرج في أثناء مناقشة حادة حول « إلغاء بيوت الدعارة العلنية ومكافحة بيوتها السرية ... » قال – لا بارك الله له في بدن ولا عافية! – « ونحن إذن أين نذهب ؟ » وأتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول والأذناب!
مثل هذا الوزير كثيرون في مصر ... وكثيرات! يسمون هذه الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية؛ و يسميها بعضهم تقدمًا وحضارة؛ ويباهي بالحديث فيها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات. وبعضهم يسميها طلاقة فنية؛ لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة؛ وكان الفن لا يعمر روح « إنسان »!
وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف، كالتي صاغتها أقلام السادة الأجلاء من كبار العلماء! ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتي كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة؛ وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها، بل بتطهير التربة التي تنبت فيها.
والذي أريد التنبيه إليه هنا أن نصيبًا عظيمًا من الضجة القائمة ضد حكم الإسلام، إنما ينبعث من المواخير والأوكار والجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح. المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص والسكارى والنخاسون والرقيق الأبيض فحسب، بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في هذا البلد، و بيوتات فوق مستوى الشبهات!
فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام، ورأوا احتفالا بمثير بها الأقزام ، فليعرفوا أن الزفة ليست للقوم الذي يلبس الريش؛ ولكن المستنقع الذي تخشى دیدانه من المطهر الفتاك!