معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/عداوات حول حكم الإسلام/عداوات المحترفين من رجال الدين
عداوات المحترفين من رجال الدين
لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة المحترفين من رجال الدين، المحترفين على اختلاف مللهم ونحلهم وفرقهم وطرائقهم. ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا في ظاهر الأشياء. إن هؤلاء جميعًا إنما يعرفون أن ليس في الإسلام «رجال دين» يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا آخر منه يأكلون.
إن الدين ليس حرفة في الإسلام؛ إلا أن يكون اشتغالا بتعليم الناس، شأنه شأن أية مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى. أو قضاء في أحوالهم المختلفة، شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال.
وإن هؤلاء جميعاً ليعرفون أن الإسلام يطارد الدجالين، الذين يجمعون حوله الترهات والخرافات، فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة، لا تعتمد على المعجزات والكرامات والشفاعات والدعوات. إنما تعتمد على العقيدة المستقيمة، والسلوك النظيف، والعمل الصالح، والجد والإنتاج.
ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد المتبطلين الذين لا يعملون شيئًا ويعيشون باسم الدين؛ والدجالين الذين يلبسون وضوح الإسلام بغموض الأساطير، ويستغفلون باسمه عقول الجماهير، والدراويش الذين لا يعرف لهم الإسلام مكانًا في ساحته، ولا عملا في دولته. وهم في مصر كثير جد كثير.
والمحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية والرأسمالية، وظيفة ترزقهم الدولة عليها، وتيسر لهم مزاولتها والكسب منها في المجتمع.. تلك هي وظيفة التخدير والتغرير بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة؛ فأما حين يحكم الإسلام، فيعطى هذه الجماهير حقها؛ ويكف المستغلين والمستبدين عنها؛ ويحدد الثراء الفاحش الذي يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين.. حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء المحترفين في المجتمع؟ وما مكانهم في الدولة؟ وما عملهم مع الجماهير؟
إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية المختلة؛ وقطعة أصيلة أجهزة الحكم فيها؛ فإذا صحت تلك الأوضاع، وسلمت تلك الأجهزة، فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة؛ لأن الدين ذاته يستحيل عملاً وسلوكاً، ونظاماً ومجتمعاً؛ ولا يظن أقوالاً وشعائر، وتمتمة وتراتيل.
وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفون بأفكارهم وعقولهم؛ فهم يدركونها بحسهم وفطرتهم، وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا الفريق من الناس؛ فإن في الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء والمهارة والبراعة، يستغلونها استغلال الحواة، ويستخدمونها استخدام السحرة، ولو عاشوا في ظل نظام صالح يستغل هذه الطاقة استغلالاً سليماً، فربما كسب المجتمع منها كسباً عظيماً! فأما الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال. وهم مستنفعون مستغلون بدورهم؛ وهم يدركون أخطار الحكم الإسلامي؛ وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم السلبية التي لا يعرفها الإسلام!