معالم السنن/الجزء الرابع/9
57/113-114م ومن باب المشورة
1396- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا شيبان عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: المستشار مؤتمن.
قال الشيخ: فيه دليل على أن الإشارة غير واجبه على المستشار إذا استشير.
وفيه دليل على أن عليه الاجتهاد في الصلاح وأنه لا غرامة عليه إذا وقعت الإشارة خطأ.
58/114-115م ومن باب الدال على الخير
1397- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان عن الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إني أبدع بي فأحملني قال لا أجد ما أحملك عليه ولكن ائت فلانا لعله يحملك فأتاه فحمله فأتى رسول الله ﷺ فأخبره فقال رسول الله ﷺ من دل على خير فله مثل أجر فاعله.
قال الشيخ: قوله ابدع بي معناه إنقطع بي ويقال أبدعت الركاب إذا كلت وانقطعت.
59/119-120م ومن باب في بر الوالدين
1398- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
قال الشيخ: قوله فيعتقه ليس معناه استئناف العتق فيه بعد الملك لأن العلماء قد أجمعوا على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال، وإنما وجهه أنه إذا اشتراه فدخل في ملكه عتق عليه فلما كان الشراء سببا لعتقه أضيف العتق إلى عقد الشراء إذا كان تولد منه ووقوعه به، وإنما صار هذا جزاء له وأداء لحقه لأن العتق أفضل ما ينعم به أحد على أحد لأنه يخلصه بذلك من الرق ويجبر منه النقص الذي فيه ويكمل فيه أحكام الأحرار في الأملاك والأنكحة وجواز الشهاده ونحوها من الأمور.
1399- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منع شجاعا أقرع.
قال الشيخ: الشجاع الحية والأقرع الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه.
60/120-121م ومن باب فضل من عال يتامى
1400- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي عن ابن حُدير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، قال، يَعني الذكور ادخله الله الجنة.
قال الشيخ: قوله لم يئدها معناه لم يدفنها حية وكانوا يدفنون البنات أحياء يقال منه وأد يئد وأدا ومنه قول الله سبحانه {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت}.
1401- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا النهاس حدثني شداد أبو عمار عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله ﷺ: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة يريد السبابة والوسطى.
قال الشيخ: السفعاء هي التي تغير لونها إلى الكمودة والسواد من طول الإيمة وكأنه مأخوذ من سفع النار وهو أن يصيب لفحها شيئا فيسود مكانه يريد بذلك أن هذه المرأة قد حبست نفسها على أولادها ولم تتزوج فتحتاج إلى أن تتزين وتصنع نفسها لزوجها.
61/123-124م ومن باب حق المملوك
1402- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، عن أبي مسعود الأنصاري قال كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا: اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو النبي ﷺ فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال أما لو لم تفعل للفعتك النار أو لمستك النار.
قال الشيخ: قوله لفعتك معناه شملتك من نواحيك، ومنه قولهم تلفع الرجل بالثوب إذا اشتمل به.
62/125-126م ومن باب من خبب مملوكا
1403- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن حباب عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من خبب زوجة امرىء أو مملوكه فليس منا.
قال الشيخ: قوله خبب يريد أفسد وخدع وأصله من الخب وهو الخداع ورجل خب ويقال فلان خب صب إذا كان فاسدا مفسدا.
73/126-127م ومن باب في الاستئذان
1404- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي ﷺ فقام إليه رسول الله ﷺ بمشقص أو مشاقص قال فكأنى انظر إلى رسول الله ﷺ يختله ليطعنه.
قال الشيخ: المشقص نصل عريض، وقوله يختله معناه يراوده ويطلبه من حيث لا يشعر.
1405- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل عن أبيه حدثنا أبو هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فقد هدرت عينه.
قال الشيخ: في هذا بيان إبطال القود واسقاط الدية عنه، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أهدرها وعن أبي هريرة مثل ذلك وإليه ذهب الشافعي وقال أبو حنيفة إذا فعل ذلك ضمن الجناية وذلك لأنه قد يمكنه أن يدفعه عن النظر والاطلاع عليه بالاحتجاب عنه وسد الخصاص والتقدم إليه بالكلام ونحوه فإذا لم يفعل ذلك وعمد إلى فقء عينه كان ضامنا لها وليس النظر بأكثر من الدخول عليه بنفسه وتأول الحديث على معنى التغليظ والوعيد.
وقد قال بعض من ذهب إلى الحديث إنما يكون له فقء عينه إذا كان قد زجره وتقدم إليه فلم ينصرف عنه، كاللص إنما يباح له قتاله ودفعه عن نفسه وإن أبى ذلك عليه إذا لم ينصرف عنه بدون ذلك.
1406- قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن عبيد الله بن صفوان أخبره عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله ﷺ بلبن وجداية وضغابيس وذكر حديثا.
قال الشيخ: الجداية الصغير من الظباء يقال الذكر والأنثى جداية أنشدني أبو عمرو قال أنشدنا أبو العباس:
يريح بعد النفس المحفوز... إراحة الجداية النفوز
والضغابيس صغار القثاء واحدها ضغبوس، ومنه قيل للرجل الضعيف ضغبوس تبشبيها له به.
64/127-128م ومن باب الرجل يستأذن بالدق
1407- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر أنه ذهب إلى النبي ﷺ في دين أبيه فدققت الباب فقال من هذا، قلت أنا قال أنا أنا كأنه كرهه.
قال الشيخ: قوله أنا ليس بجواب لقوله من هذا لأن الجواب هو ما كان بيانا للمسألة.
وإنما تكون المكاني جوابا وبيانا عند المشاهدة لا مع المغايبة، وإنما كان قوله من هذا هو ما كان استكشافا للابهام، فأجابه بقوله أنا فلم يزل الإبهام وكان وجه البيان أن يقول أنا جابر ليقع به التعريف ويزول معه الاشكال والابهام، وقد يكون ذلك من أجل تركه الاستئذان بالسلام والله أعلم.
1408- قال أبو داود: حدثنا عباس العنبري حدثنا أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما أنه أتى النبي ﷺ وهو في مشربة له فقال السلام عليك يا رسول الله أيدخل عمر.
قال الشيخ: قد جمع الاستئذان بالسلام والإبانة عن الاسم والتعريف وهو كمال الاستئذان، والمشربة كالخزانة تكون للإنسان مرتفعة عن وجه الأرض.
65/137-138م ومن باب السلام على أهل الذمة
1409- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز، يَعني ابن مسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقولوا وعليكم.
قال الشيخ: هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو، وكان سفيان بن عيينة يرويه عليكم بحذف الواو وهو الصواب، وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين، والسام فسروه الموت.
66/143-144م ومن باب القيام
1410- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي ﷺ فجاء على حمار أقمر فقال النبي ﷺ: قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم فجاء حتى قعد إلى رسول الله ﷺ.
قال الشيخ: فيه من العلم أن قول الرجل لصاحبه يا سيدي غير محظور إذا كان صاحبه خيرا فاضلا وإنما جاءت الكراهة في تسويد الرجل الفاجر.
وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل وللولي العادل، وقيام المتعلم للعالم مستحب غير مكروه، وإنما جاءت الكراهة فيمن كان بخلاف أهل هذه الصفات.
ومعنى ما روي من قوله من أحب أن تستجم له الرجال صفوفا هو أن يأمرهم بذلك ويلزمه إياهم على مذهب الكبر والنخوة.
وفيه دليل على أن من حكم رجلا في حكومة بينه وبين غيره فرضيا بحكمه كان ما حكم به ماضيا عليهما إذا وافق الحق.
67/148-149م ومن باب في قبلة الجسد
1411- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أنبأنا خالد عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بيننا يضحكهم فطعنه النبي ﷺ في خاصرته بعود فقال أصبرني فقال اصطبر، قال ان عليك قميصا وليس عليّ قميص فرفع النبي ﷺ عن قميصه فاحتضه وجعل يقبل كشحه وقال إنما أردت هذا يا رسول الله.
قال الشيخ: قوله اصبرني يريد اقدني من نفسك، وقوله اصطبر معناه استقد قال هدبة بن خشرم:
فإن يك في أموالنا لم نضق بها …ذرعا وإن صبرا فنصبر للدهر
يريد بالصبر القود وفيه حجة لمن رأى القصاص في الضربة بالسوط واللطمة بالكف ونحو ذلك مما لا يوقف له على حد معلوم ينتهى إليه.
وقد روي ذلك، عن أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب كرم الله وجوههم ورضي عنهم.
وممن ذهب إليه شريح والشعب وبه قال ابن شبرمة، وقال الحسن وقتادة لا قصاص في اللطمة ونحوها وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو قول مالك والشافعي.
68/151-152م ومن باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك
1412- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز عن معاوية قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار.
قال الشيخ: قوله يمثل معناه يقوم وينتصب بين يديه وقد ذكرنا وجهه في الباب الذي قبله.
69/159-160م ومن باب إماطة الأذى عن الطريق
1413- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر، عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال: يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة وذكر الحديث.
السلامي عظم فرس البعير ويجمع على السلاميات هذا أصله.
قال الشيخ: وليس المراد بهذا عظام الرجل خاصة ولكنه يراد به كل عظم ومفصل يعتمد في الحركة ويقع به القبض والبسط والله أعلم.
70/161-162م ومن باب قتل الحيات
1414- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحَبَل.
قال الشيخ: فسره أبو عبيدة وحكي عن الأصمعي قال الطفية خوصة المقل وجمعها طفى، قال وأراه شبه الخطين اللذين على ظهره بخوصتين من خوص المقل قال، وقال غيره الأبتر القصير الذنب من الحيات.
ومعنى قوله يلتمسان البصر قيل فيه وجهان: أحدهما أنهما يخطفان البصر ويطمسانه وذلك لخاصية في طباعهما إذا وقع بصرهما على بصر الإنسان وقيل معناه أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش.
وقد روي في هذا الحديث من رواية أبي أمامة فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء وهو يؤكد التفسير الأول.
71/163-164م ومن باب قتل الذر
1415- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد.
قال الشيخ: يقال إن النهي إنما جاء في قتل النمل في نوع منه خاص وهو الكبار منها ذوات الأرجل الطوال وذلك أنها قليلة الأذى والضرر ونهى عن قتل النحلة لما فيها من المنفعة، فأما الهدهد والصرد فنهيه في قتلهما يدل على تحريم لحومهما، وذلك أن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لحرمته ولا لضرر فيه كان ذلك لتحريم لحمه، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قد نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة، ويقال إن الهدهد منتن اللحم فصار في معنى الجلالة المنهي عنها، وأما الصرد فإن العرب تتشاءم به وتتطير بصوته وشخصه، ويقال إنهم إنما كرهوا من اسمه معنى التصريد أنشدني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري، عن أبي العباس: غراب وظبي أعضب القرن باديا …بصرم وصِردان العشي تصيح
72/166-167م ومن باب الختان
1416- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا مروان، قال: حدثنا محمد بن حسان حدثنا عبد الوهاب الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي ﷺ: لا تُنْهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل.
قال الشيخ: قوله لا تنهكي معناه لا تبالغي في الخفض والنهك المبالغة في الضرب والقطع والشتم وغير ذلك، وقد نهكته الحمى إذا بلغت منه وأضرت به.
73/168-169م ومن باب الرجل يسب الدهر
1417- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: يقول الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
قال الشيخ: تأويل هذا الكلام أن العرب إنما كانوا يسبون الدهر على أنه هو الملم بهم في المصائب والمكاره ويضيفون الفعل فيما ينالهم منها إليه ثم يسبون فاعلها فيكون مرجع السب في ذلك إلى الله سبحانه إذ هو الفاعل لها فقيل على ذلك لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر، أي إن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي تضيفونها إلى الدهر.
وكان ابن داود ينكر رواية أصحاب الحديث هذا الحرف مضمومة ويقول لو كان كذلك لكان الدهر اسما معدودا من أسماء الله عز وجل، وكان يرويه وأنا الدهر أقلب الليل والنهار مفتوحة الراء على الظرف يقول أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار. والمعنى الأول هو وجه الحديث.
21 كتاب القضاء
1418- قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي أخبرنا فضيل بن سليمان حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين.
قال الشيخ: معناه التحذير من طلب القضاء والحرص عليه يقول من تصدى للقضاء فقد تعرض للذبح فليحذره وليتوقه.
وقوله بغير سكين يحتمل وجهين: أحدهما أن الذبح إنما يكون في ظاهر العرف بالسكين فعدل به عليه السلام عن غير ظاهر العرف وصرفه عن سنن العادة إلى غيرها ليعلم أن الذي أراده بهذا القول إنما هو ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه.
والوجه الآخر أن الذبح الوجيء الذي يقع به إزهاق الروح واراحة الذبيحة وخلاصها من طول الألم وشدته إنما يكون بالسكين لأنه يجهز عليه، وإذا ذبح بغير السكين كان ذبحه خنقا وتعذيبا فضرب المثل في ذلك ليكون أبلغ في الحذر والوقوع فيه.
1/2م ومن باب القاضي يخطىء
1419- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد العزيز يعنى ابن محمد أخبرني يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بُسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر فحدثت به أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثني أبوسلمة، عن أبي هريرة.
قال الشيخ: قوله إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر إنما يؤجر المخطىء على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط. وهذا فيمن كان من المجتهدين جامعا لآلة الاجتهاد عارفا بالأصول وبوجوه القياس. فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهومتكلف ولا يعذر بالخطأ في الحكم بل يخاف عليه أعظم الوزر بدليل حديث ابن بريدة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، أما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار.
وفيه من العلم ليس كل مجتهد مصيبا، ولو كان كل مجتهد مصيبا لم يكن لهذا التفسير معنى، وإنما يعطى هذا أن كل مجتهد معذور لا غير، وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل. فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردودا.
2/4م ومن باب كراهية الرشوة
1420- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي.
قال الشيخ: الراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، وإنما يلحقهما العقوبة معا إذا استويا في القصد والإرادة فرشا المعطي لينال به باطلا ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في هذا الوعيد.
وروي أن ابن مسعود أخذ في شيء وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله. وروي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء أنهم قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم.
وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه اما على حق يلزمه اداؤه فلا يفعل ذلك حتى يُرشا أو عمل باطل يجب عليه تركه فلا يتركه حتى يصانع ويرشا.
3/6م ومن باب كيف القضاء
1421- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا شريك عن سماك عن حنش عن علي عليه السلام قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء، قال فما زلت قاضيا أو ما أشككت في قضاء بعد.
قال الشيخ: فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب وذلك لأنه إذا منعه أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الآخر فقد دل على أنه في الغائب الذي لم يحضره ولم يسمع قوله أولى بالمنع، وذلك لإمكان أن يكون معه حجة تبطل دعوى الحاضر.
وممن ذهب إلى أن الحاكم لا يقضي على غائب شريح وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة وابن أبي ليلى.
وقال مالك والشافعي يجوز القضاء على الغائب إذا تبين للحاكم أن فراره واستخفاءه إنما هو فرار من الحق ومعاندة للخصم.
واحتج لهذه الطائفة بعضهم بخبر هند، وقوله عليه السلام لها خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ؛ وقال إذا كان الخصم حاضر زمانه لا يحكم على أحدهما قبل أن يسمع من صاحبه لجواز أن يكون مع خصمه حجة يدفع بها بينته، فإذا كان الخصم غائبا لم يجز أن يترك استماع قول خصمه الحاضر إلا أنه يكتب في القضية أن الغائب على حقه إذا حضر وأقام بينته أو جاء بحجته وهو إذا فعل ذلك فقد استعمل معنى الخبر في استماع قول الخصم الآخر كاستماعه قول الأول. ولو ترك الحكم على الغائب لكان ذلك ذريعة إلى إبطال الحقوق.
وقد حكم أصحاب الرأي على الغائب في مواضع. منها الحكم على الميت وعلى الطفل وقال في الرجل يودع الرجل وديعة ثم يغيب فإذا ادعت امرأته النفقة وقدمت المودَع إلى الحاكم قضى لها عليه بها. وقالوا إذا ادعى للشفيع على الغائب أنه باع عقاره وسلم واستوفى الثمن فإنه يقضى له بالشفعة وكل هذا حكم على الغائب.
4/7م ومن باب قضاء القاضي إذا أخطأ
1422- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله ﷺ: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار.
قال الشيخ: قوله ألحن بحجته أي أفطن لها، واللحن مفتوحة الحاء الفطنة ؛ يقال لحنت الشيء ألحن له لحَنا ولحن الرجل في كلامه لحنا بسكون الحاء.
وفيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر وأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وأنه متى أخطأ في حكمه فمضى كان ذلك في الظاهر فأما في الباطن وفي حكم الآخرة فإنه غير ماض.
وفيه أنه لا يجوز للمقضي له بالشيء أخذه إذا علم أنه لا يحل له فيما بينه وبين الله، ألا تراه يقول فلا يأخذ منه شيئا فإنما اقطع له قطعة من النار. وقد يدخل في هذا الأموال والدماء والفروج كان ذلك كله حق أخيه وقد حرم عليه أخذه.
وقد أجمع العلماء في هذا في الدماء والأموال وإنما الخلاف في أحكام الفروج فقال أبو حنيفة إذا ادعت المرأة على زوجها الطلاق وشهد لها شاهدان فقضى الحاكم بالتفرقة بينهما وقعت الفرقة فيما بينها وبين الله وإن كانا شاهدي زور، وجاز لكل واحد من الشاهدين أن ينكحها، وخالفه أصحابه في ذلك. قال وقد تعرض في هذا الباب أمور مما يختلف فيه اعتقاد القاضي وصاحب القضية المحكوم له بها كالرجل يذهب إلى أن الطلاق قبل النكاح لازم فيتزوج المرأة فيحكم له الحاكم بجواز النكاح فلا يسعه فيما بينه وبين الله المقام عليه ويلزمه نصف المهر بالعقد إذا حكم به الحاكم عليه. ولو أن رجلا مات ابن أبيه وخلف أخاه لأبيه وأمه وخلف مالا فقدم إلى قاض يقول بقول أبي بكر في توريث الجد والجد يرى رأي زيد لم يسعه أن يستبد بالمال دون الاخوة ولا يبيح له القاضي شيئا هو في علمه أنه حرام عليه. وكذلك هذا فيمن لا يرى توريث ذوي الأرحام في نحو هذا من الأمور.
1423- قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قالت أتى رسول الله ﷺ رجلان يختصمان في مواريث لهما لم تكن لهما بينة إلا دعواهما، فقال النبي ﷺ فذكر مثله فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لك، فقال لهما النبي ﷺ: أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استَهَما ثم تحالا.
قال الشيخ: قوله استهما معناه اقترعا والاستهام الاقتراع ومنه قوله تعالى {فساهم فكان من المدحضين} 1 وفيه دليل على أن الصلح لا يصح إلا في الشيء المعلوم ولذلك أمرهما بالتوخي في مقدار الحق ثم لم يقنع فيه بالتوخي حتى ضم إليه القرعة، وذلك أن التوخي إنما هو أكثر الرأي وغالب الظن والقرعة نوع من البينة فهي أقوى من التوخي ثم أمرهما بعد ذلك بالتحليل ليكون تصادرهما عن تعين براءة وافتراقهما عن طيب نفس ورضى.
وفيه دليل على أن التحليل إنما يصح فيما كان معلوم المقدار غير مجهول الكمية.
5/9م ومن باب القاضي يقضي وهو غضبان
1424- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه كتب إلى ابنه قال: قال رسول الله ﷺ: لا يقضي الحاكم بين اثنين وهو غضبان.
قال الشيخ: الغضب يغير العقل ويحيل الطباع عن الاعتدال فلذلك أمرالحاكم بالتوقف في الحكم ما دام به الغضب. فقياس ما كان في معناه من جوع مفرط وفزع مدهش ومرض موجع قياس الغضب في المنع من الحكم.
6/11م ومن باب اجتهاد الرأي في القضاء
1425- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر عن شعبة، عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال أقضي بكتاب الله، قال فإن لم تجد في كتاب الله، قال فبسنة رسول الله ﷺ، قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ﷺ ولا في كتاب الله، قال اجتهد برأيي ولا آلو فضرب رسول الله ﷺ صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله.
قال الشيخ: قوله اجتهد برأيي يريد الاجتهاد في رد القضية من طريق القياس إلى معنى الكتاب والسنة ولم يرد الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه أو يخطر بباله عن غير أصل من كتاب أو سنة. وفي هذا إثبات القياس وإيجاب الحكم به.
وفيه دليل على أنه ليس للحاكم أن يقلد غيره فيما يريد أن يحكم به وإن كان المقلد أعلم منه وافقه حتى يجتهد فيما يسمعه منه فإن وافق رأيه واجتهاده أمضاه وإلا توقف عنه لأن التقليد خارج من هذه الأقسام المذكورة في الحديث.
وقوله لا آلو معناه لا أقصر في الاجتهاد ولا أترك بلوغ الوسع فيه.
7/12م ومن باب في الصلح
1426- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال ( ح ) وحدثنا أحمد بن عبد الواحد الدمشقي حدثنا مروان، يَعني ابن محمد حدثنا سليمان بن بلال أو عبد العزيز بن محمد شك الشيخ عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: الصلح جائز بين المسلمين زاد أحمد إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما، زاد سليمان بن داود وقال رسول الله ﷺ: المسلمون على شروطهم.
قال الشيخ: الصلح يجري مجرى المعاوضات ولذلك لا يجوز إلا فيما أوجب المال ولا يجوز في دعوى القذف ولا على دعوى الزوجية وعلى مجهل ولا أن يصالحه من دين له على مال نسيه لأنه من باب الكال بالكال ولا يجوز الصلح في قول مالك على الأقرار، ولا يجوز في قول الشافعي على الإنكار. وجوزه أصحاب الرأي على الأقرار والإنكار معا. ونوع آخر من الصلح وهو أن يصالحه في مال على بعضه نقدا وهذا من باب الحظ والإبراء وإن كان يدعي صلحا.
وقوله المسلمون على شروطهم فهذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة وهذا من باب ما أمرالله تعالى من الوفاء بالعقود.
1427- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الله بن كعب أن كعب بن مالك أخبره أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله ﷺ في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله ﷺ وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله ﷺ حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال يا كعب، فقال لبيك يا رسول الله فأشار له بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب قد فعلت يا رسول الله قال النبي ﷺ: قم فاقضه.
قال الشيخ: فيه من الفقه أن للقاضي أن يصلح بين الخصمين وأن الصلح إذا كان على وجه الحط والوضع من الحق يجب نقدا. وفيه جواز ملازمة الغريم واقتضاء الحق منه في المسجد.
8/13م ومن باب في الشهادات
1428- قال أبو داود: حدثنا ابن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أن رسول الله ﷺ قال: ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يُسألها شك عبد الله بن أبي بكر ايتهما قال.
قال الشيخ: أما الشهادة في الحق يدعيه الرجل قبل صاحبه فيخبر بها الشاهد قبل أن يسألها فإنه لا قرار لها ولا يجب تنجيز الحكم بها حتى يستشهده صاحب الحق فيقيمها عند الحاكم، وإنما هذا في الشهادة تكون عند الرجل ولا يعلم بها صاحب الحق فيخبره بها ولا يكتمه إياها.
وقيل هذا في الأمانة والوديعة تكون لليتيم لا يعلم بمكانها غيره فيخبره بما يعلمه من ذلك، وقيل هذا مثل في سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد لا يمنعها ولا يؤخرها.
وأما قوله ﷺ: يأتي أقوام فيحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستنشهدون فإنما هو إذا كان على المعنى الأول. وقيل أراد بها الشهادات التي يقطع بها على المغيب فيقال فلان في الجنة وفلان في النار.
وفيه معنى التألي على الله تعالى ولذلك ذم وزجر عنه.
9/14م ومن باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها
1429- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد قال جلسنا لعبد الله بن عمر فخرج إلينا فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال.
قال الشيخ: الردغة الوحل الشديد، ويقال ارتدغ الرجل إذا ارتطم في الوحل. وجاء في تفسير ردغة الخبال أنها عصارة أهل النار.
هامش
- ↑ [الصافات: 411]