مرآة الحسناء (1872)/قافية القاف
المظهر
قافية القاف
وقال
اما والذي قد زيَّن المرءَ بالنطقِ
لقد قلَّ من في الناسِ ينطق بالحقِ
فما اشرفَ الانسانَ ان كان صادقًا
فلا شرفٌ يعلو على شرف الصدقِ
لسانُ الفتى في فيهِ أصغرُهُ فان
وفى حقَّهُ اضحی بهِ اكبرَ الخلقِ
وما الكبرُ في هزّ الخصور تبخترًا
بل الكبرُ في هزّ اليراع على الرقِّ
فَذَلَّ دنيٌّ بالتكبُّر يرتقي
وعَزَّ شريفٌ بالتواضع قد رُقي
وليتَ دخانَ الارض لم يصعدِ العلا
ولم يهبطِ الجريالُ طوعًا الى العمقِ
يصغرُ قدرَ المرءِ تعظيمُ نفسهِ
فذا خُلُقٌ يأباهُ كلُّ اخي حذقِ
الم ترَ أنَّ البدرَ يصغرُ كلَّما
ترقى العلى وهو الكبيرُ على الأُفقِ
فعالُ الفتى تعلو بهِ او تحطُّهُ
فكم بينَ فعل الخيرِ والشرّ من فرقِ
اذا لم يبنْ فضلٌ فلم يشدُ مادحٌ
وهل لعلعت يومًا رعودٌ بلا برق
وكلُّ اخي فضلٍ يجودُ بفضلهِ
بلا طلبٍ فالسحبُ من طبعها تسقي
حوادث
ما لاح برقُ الغور في الآفاق
الَّا وهام القلبُ بالاشواقِ
والورقُ ما صدحت على افنانها
الَّا وسالَ دمي من الآماق
ابكي على زمنٍ نعمتُ به فقد
ولّى وجرّعني امرّ فراقِ
ومن المحالِ دوامُ حالٍ للفتى
فاليومَ بينٌ والغداةُ تلاقِ
بَعُدَ الحبيبُ فلا رقادٌ بعدَهُ
انَّ السهادَ دلالةُ العشّاقِ
بالله يا ذاتَ الدلالِ الى متى
هذا النوى عطفًا على المشتاقِ
تركتني البرحاءُ بعدَكِ رافلاً
بجنونِ قيسَ وحرقةِ البرّاقِ
لم يطفِ ما في القلبِ من حرَقٍ سوى
رشفِ اللمى وتوسُّدٍ وعناقِ
وبغير وصلك لا تطيبُ جوارحي
والوصلُ للعشاقِ كالدرياقِ
لكِ طلعةٌ تُسبي النهى وتبسُّمٌ
يزري وميضَ البارقِ الأَلّاقِ
فبنور وجهكِ قد هُديتُ الى الهوى
وبنار خدّكِ رحتُ في احراقِ
ولقد سكرتُ بمقلتيكِ وطالما
كان الهوى خمرًا وطرفُكِ ساقي
فاذا نظرتِ اليَّ همتُ صبابةً
والحبُّ مصدرُهُ من الاحداقِ
واذا انثنيتِ تمزَّقت كبدي فمن
خطِّيِّ ذاكَ القدِّ اين الواقي
قد بعتُ في سوقِ الهوى عقلي وما
عاينتُ عقلا بيعَ في الاسواقِ
ولقد مددتُ يدي اليكِ بذلةٍ
ارجو النوالَ ولستُ ذا املاقِ
فتعطَّفي يا نورَ عيني واذكري
عهدَ الولاءِ وذمةَ الميثاقِ
وقال ملغزًا بثلاثة الغاز
قالت وقد اطلتُ قبض يدها
خلِّ يدًا ابكيتها كالحَدَقِ
فقلتُ ما هذي يدٌ بل زنبقٌ
وها انا اشقُّ عطر الزنبقِ
قالت دعِ الهزوَ فان رقّيتهُ
اغفلتني قلتُ اذا لم تعشقي
فان للمعشوقِ عينًا طُبقت
وكلَّ عينِ عاشقٍ لم تُطبَقِ
وقال
قصّرْ نواك فقد اودي البراحُ بنا
واسعفْ معاشرَ كادَ الشوقُ يمحَقهُم
انزلت صاعقةَ البينِ الملمِّ بهم
كمثل انيةِ الفخار تسحقهم
وقال موشح
ايها الظبيُ المفدَّى
انتَ للبدر شقيقْ
لك عيسُ الحبِّ تُحدَى
وعلى قلبي الطريق
دور
خدُّك القاني اراني
ماءَ وردٍ في لهيبْ
ومُحيَّاكَ سباني
بسنى الحسن العجيبْ
انتَ ما بين الحسانِ
بدرُ تمٍ لا يغيبْ
وغزالٌ راحَ عمدًا
لدم الأُسْدِ يريق
ثغرك الباسمُ ابدى
لؤْلؤًا بين عقيق
دور
بالذي انشا قوامك
فتنةً بينَ الاراك
زُرْ اخا الشوقِ غلامك
لا تَخَفْ عينًا تراك
حمل الصبح امامك
وحمى الليلُ وراك
وغدا العنبرُ عبدًا
لك والمسكُ رفيق
والمُعَنّى لك مدَّا
يَدَ ميثاقِِ وثيق
دور
ليّنَ الاعطاف رفقا
لمتى عنّي تميلْ
اتلف الأَحشاءَ رشقا
طرفك الرامي الكحيلْ
وسبى القلبَ واشقى
ناعمُ الخدِّ الأَسيلْ
فجرىَ دمعي وجدا
من لظى العشق المحيقْ
من لصبٍّ قد تصدَّى
لغريـــقٍ وحريق
دور
لستُ لا واللهِ اسلو
عن هوىً فيَّ استقر
فالهوى يندو ويحلو
كُلَّما جفَّ ومر
ورخيصُ السعر يغلو
فيهِ والغالي استمر
بئس من لم يهوَ قدًّا
لَدِنَ العطفِ رشيق
فهو غاوٍ ليس يُهْدَى
ونُؤُومٌ لا يفيق
غواية الدعوى
قليلٌ بذا الدهرِ الكلامُ المحقَّقُ
ومذ كثر الكذَّابُ قلَّ المُصَدِّقُ
يقولُ اردُّ الأُسْدَ من يدَّعى القوى
ولكن اذا ما شاهدَ الغابَ يخفقُ
وكم من كليلٍ يدَّعى خوضَ ابحُرٍ
وان خاضَ في ماءِ الجداول يغرقُ
وفي السُلْم سيفُ الجبن قولٌ وفي الوغى
فرارٌ وعندَ الخبرِ كلٌ يُحقِّقُ
ومن لا يسدُّ الاذنَ عمَّا يقولهُ
اخو حمقٍ فدمٌ فذلك احمقُ
ارى الجهلَ داءً يقبلُ الزودَ كُلَّما
يُداوَى فانّ التركَ أحرى واليقُ
اذا كان داءً لستَ تدري دواءَهُ
فَدَعْهُ لتدبير الطبيعةِ أوفقُ
بذا الدَّهرِ سوقُ الفضلِ والعقل كاسدٌ
ولكنَّ سوقَ اللؤمِ والجهل ينفقُ
وما لجميع الناس بالعقل اسوةٌ
لكلّ امرءٍ فصلٌ عن الغير يَفرُقُ
فهل ميَّزَ الحَيوانَ الَّا فصولهُ
فذا نابحٌ يعوي وذلك ينطقُ
وذو العقل لم يحكم على الشيءِ قبل ما
يُردّدُهُ في ذهنهِ ويُدَقّقُ
وغمرٍ راى بي مذ صفوتُ صفاتِه
ولو كان يدري ما رأَي راح يصفقُ
قويٌّ ولكن تحتَ سقف جدارهِ
شُجَاعٌ ولكن بالحقيقةِ يُرهَقُ
وليس يليقُ الكرُّ في الحرب للنسا
ولا بالرجال المكثُ في الخدر يلبقُ
دعوهُ فقد اغواهُ فرطُ ادّعائِه
وبابُ الهُدَى دونَ النوابةِ يُغْلَقُ
ايدرِكُ ما فرقُ الصوابِ عن الخطا
ولم يدرِ شمسَ الافقِ من اين تُشرقُ
وشنَّ عليَّ غارةَ الذمّ والهجا
فقابلهُ من فضل حلمي فيلقُ
انا ذلك السيفُ الصقيل فرندُهُ
وما هوَ الَّا عندَ ذي الخبر برجقُ
كليلٌ يجاريني واني لاعبُ
ضعيفٌ يقاويني وانيَ ارفقُ
وهل يفعلُ المحتاجُ فعل اخي الفتى
ولا سعةٌ في العيش والرزقُ ضيّقُ
ومن لا يردُّ النفسَ عن شهواتها
فذاك بأغلال القبائح يوثقُ
عجبتُ لذي ذلٍ يحاولُ عزّةً
وهل بذليلٍ نعمةُ العزّ تلحقُ
اتى بدَّعي سبقَ الحيادِ ورجلُهٌ
بها قزلٌ تبًّا له كيف يصدقُ
وما هزَّهُ للقولِ غيرُ تكبُّرٍ
دليلُ الفتى خلقٌ وفعلٌ ومنطقُ
وإني ارى العلياءِ يصعبُ نيلُها
على كلِّ مَنْ بالكبريا يتخلّقُ
يُري الناسَ طبعًا ذا صفًا وسلامةٍ
وباطنهُ فيهِ الردى متعتّقُ
وقد يلبسُ الاعداءُ ثوبَ أصادقٍ
وهيهاتُ من اين الصديقُ المحقّقُ
وها اليومَ هذا الخلُّ جاءَ مبرقعًا
بحبٍّ ولكن بالشتيمةِ يَرشقُ
احبَّ فتاةً غادرتهُ مشتتًا
وابقت حشاهُ بالهوى يتعلَّقُ
بغرَّةَ اضحى ملغزًا لي وعزَّةٍ
فتلك انتفت عنهُ وذي فيه تلصقُ
والغزتُ في سعدى فصادف قشعرِ
ففالٌ فمنهُ اقشعرُّ وازهقُ
ومن يفقدِ الحسَّ استوى الكلُّ عندهُ
فلا البردُ يضنيهِ ولا الحرُّ يُحرقُ
بروحي جميلُ الخُلقِ والخلقِ اهيف
بطلعتهِ يزري البدورَ فتمحقُ
غزالٌ غزا القلبَ الشجيَّ بمقلةٍ
على الدَّعَجِ الفتَّانِ والدَلّ ُتطبقُ
يصونُ عن الاقمار والشمس حسنهُ
ومن صانَ حرصًا مالهُ ليس يُسرَقُ
له وجنةٌ حمراءُ عن شفقٍ بدت
بها قد سبي قلبي فيا ليتَ يشفقُ
على خدِّهِ قد لاحَ خالٌ كعنبرٍ
بدا في رياضِ الوردِ والآس يعبقُ
قد اختلستْ مني الرقادَ جفونهُ
فنمنَ وباتت مقلتي تنأَرَّقُ
احاولُ اخفاءَ الغرام وطالما
اباحَ بهِ الدمعُ السخينُ المرقرقُ
فيا زمرةَ العشّاقِ لستُ بمعلنٍ
لكم ذلك الظبيَ الذي اتعشقُ
وقال
نزّه لحاظَكَ في حدائقَ بالسما
سَحَرًا وسبحْ حكمةَ الخلاقِ
فالافقُ روضٌ والمجرَّةُ جدولٌ
والبدرُ كاسٌ والثريَّا السَّاقي
وقال
عشقتُ ظبيًا يحاكي خدُّهُ الشفقا
مهفهفًا رام تعذيبي وما شفقـا
مذ حلَّ قلبي هواهُ والهوى قََدَرٌ
جعلتُ ارجو الى مرضاتهِ طرقا
الرشدُ فارقَ عقلي في محبتهِ
وطارقُ السهد بالاجفانِ قد طرقا
نفقتُ في حبّهِ روحي ومصطبري
ترى ايُعطي وصولاً لي بما نُفقا
ارخى اللثامَ ضحوكًا وانثنى فبدا
بدرٌ تبسَّمَ نورًا فوق غصن نقا
إنَّ الظباءَ خجلنَ عندَ لفتتهِ
والبدرُ عند اسفرار الوجهِ قد مُحقا
يا مَنْ اراقِ دمي هجرًا وغادرني
سهرانَ عُدْ مدنفًا لولاك ما أَرقا
يا طالما باتتِ الآماقُ سائلةً
سيلَ العقيقِ وبات القلبُ محترقا
هجرتُ نومي وواصلتُ السهادَ دجيً
والصبُّ من شانهِ لا يهجعَ الغَسَقَا
لم يبقَ لي في الهوى جلدٌ ولا جَلَدٌ
وفلكٌ صبري ببحرِ الدمعِ قد غرقا
وقال
نامت عيونُ النجوم في الأُفقِ
ومقلتي لم تزل على أَرَقِ
قدَّمتُ في هيكل الهوى كبدي
ضحيَّةً للخدودِ والحدَقِ
حبُّ الدُّمى قد اعادَ فوديَ في
شيبٍ وابقى الفؤَادَ في حرقِ
افدي بروحي مليحةً خُلقَتْ
من اللطافاتِ لامن العلقِ
لمياءُ فتانةُ العيونِ لها
خدٌّ بدت فيهِ حمرةُ الشنقِ
تهتزُّ كالسمهريِّ قامتُها
فلم تدعْ للمحبّْ من رمقِ
ابدت من الفرع غرّةً فبدت
زجاجةُ الصبح في يدِ الغسقِ
قبلتها فانجلى بوجنتها
وردُ الحيا تحت لؤْلؤِ العرقِ
تغزّلي راقَ للحزوم بها
لكنَّما للحسودِ لم يرُقِ
في حبّها قد عشقتُ شيبيَ مذ
حاكى بياضًا بذلك العُنُقِ
وما هويتُ البياضَ في عنقٍ
لو لم يكن مثلَ قلبِ هندَ نقي
وقال الى احد اصدقائِه تاريخًا لمولودٍ لهُ
زال عنكم ليلُ الاسى وتبدَّى
سَحَرُ الانسِ فابشروا بالشروقِ
بهلالٍ ولدتموهُ اصيلاً
ينجلي بالسعودِ والتوفيقِ
فاخبروا يا مؤَرخون اباهُ
فَرَجُ اللهِ قد اتى بعدَ ضيقِ
سنة ١٨٥٩
الفراقُ
هوىً مذ تمَّ اورثني المحاقا
وشوقٌ حلَّ من صبري الوثاقا
وقلبٌ في شراكِ الحبِّ اضحى
يضجُّ جوىً ولا يرجو انطلاقا
هو الحبُّ الظلومُ وكلُّ نفسٍ
تقاسي في جَهَنّمِه احتراقا
فأَنَّى ملتُ شمتُ هوىً وشوفًا
كأَنَّ عليَّ من عشقٍ نطاقا
الفتُ ضنًا والفيتُ التصابي
وصارعتُ الاسى عَضُدًا وساقا
وكيف يطيبُ لي في الحيِّ عيشُ
اذا كان الحبيبُ بغي افتراقا
احبائي اراقَ دمي نواكم
فهل يدري لايِّ دمٍ اراقـا
ضرمتم في الحشى نارَ الاثا في
فيا ويلاهُ كم أُصلي اشتياقا
اطيلوا باللقا بلوى حسودي
إِطالتكم ضنا قلبي فرَاقـا
وليل بتُّ فيهِ وفرطُ شوقي
يُعاطي مُهجتي كاسًا دهاقا
أُردِّدُ ذكرَ من اضحى وامسى
هواها لي اصطباحًا وإغتباقا
أَشمسَ الحسنِ انيَ بدرُ حبٍّ
بقربيَ منكِ لاقيتُ المحاقا