محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثانية
كتاب النكاح
1821 - مسألة: وجائز للمسلم نكاح الكتابية، وهي اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، بالزواج. ولا يحل له وطء أمة غير مسلمة بملك اليمين، ولا نكاح كافرة غير كتابية أصلا.
قال علي: روينا، عن ابن عمر: تحريم نكاح نساء أهل الكتاب جملة.
وروينا من طريق البخاري، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، هو ابن سعد عن نافع: أن ابن عمر سئل عن نكاح اليهودية، والنصرانية فقال: إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة " ربها عيسى " وهو عبد من عباد الله عز وجل. وأباح أبو حنيفة، ومالك والشافعي: نكاح اليهودية، والنصرانية، ووطء الأمة اليهودية، والنصرانية بملك اليمين. وحرموا نكاح المجوسية جملة، ووطأها بملك اليمين، إلا أن مالكا حرم زواج الأمة اليهودية، والنصرانية. وأباح نكاح المجوسية بملك اليمين وأباح إجبارها على الإسلام.
قال أبو محمد: فوجب الرجوع إلى القرآن، والسنة، وجدنا الله تعالى يقول: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فلو لم تأت إلا هذه الآية لكان القول قول ابن عمر، لكن وجدنا الله تعالى يقول: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} فكان الواجب الطاعة لكلتا الآيتين، وأن لا تترك إحداهما للأخرى. ووجدنا من أخذ بقول ابن عمر قد خالف هذه الآية، وهذا لا يجوز، ولا سبيل إلى الطاعة لهما إلا بأن يستثنى الأقل من الأكثر، فوجب استثناء إباحة المحصنات من أهل الكتاب بالزواج من جملة تحريم المشركات، ويبقى سائر ذلك على التحريم بالآية الأخرى: لا يجوز غير هذا. ووجدنا تحريم مالك، والشافعي، نكاح الأمة الكتابية بالزواج للآية؛ لأنها من جملة المحصنات من الذين أوتوا الكتاب لأن الإحصان: الحرية، والإحصان: العفة، قال الله تعالى: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها} أي عفت فرجها. ولا يحل لأحد أن يخص بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} الحرائر دون العفائف من الإماء؛ لأنه يكون قائلا على الله تعالى ما لا علم له به، وشارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ومدعيا بلا برهان، وهذا لا يحل
قال الله تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.
وقال تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. فمن لا برهان له على صحة قوله فلا صحة لقوله. وقد قدمنا: أن تعلقهم بقوله تعالى: {من فتياتكم المؤمنات} إنما فيه إباحة نكاح الفتيات المؤمنات فقط، وليس فيه منع من نكاح الفتاة الكتابية، ولا إباحة لها، فوجب طلبه من غير تلك الآية، ولا بد. ووجدنا إباحتهم وطء الأمة الكتابية بملك اليمين إقحاما في الآية ما ليس فيها بآرائهم؛ لأنه إنما استثنى تعالى في الآية إباحة الكتابيات بالزواج خاصة بقوله تعالى: {إذا آتيتموهن أجورهن} وأبقى ما عدا ذلك على التحريم بنهيه تعالى عن نكاح المشركات حتى يؤمن، ولم يأت قط قرآن، ولا سنة من رسول الله ﷺ بإباحة كتابية بملك اليمين، فهم في هذه القضية مخرجون من هذه الآية ما فيها من إباحة زواج العفائف من الكتابيات جملة لم يخص حرة من أمة ويقحمون فيها ما ليس فيها، ولا في غيرها من إباحة وطء الأمة الكتابية بملك اليمين. وممن قال بقولنا في ذلك جماعة من السلف: منهم ابن عمر، كما روينا قبل عنه من تحريم الكوافر وغيرهن جملة، فخرج من قول ما أباحه القرآن بالزواج، وبقي سائر قوله على الصحة. وفيه تحريم الأمة بلا شك بملك اليمين.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن بكر بن ماعز عن الربيع بن خيثم أنه كان يكره أن يطأ الرجل المشركة حتى تسلم.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عون الله، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن بشار بندار، حدثنا محمد بن جعفر غندر، حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت سعيد بن جبير، ومرة الهمداني هو مرة الطبيب صاحب عبد الله بن مسعود: أصبت الأمة من السبي فقالا جميعا: لا تغشها حتى تغتسل وتصلي.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن قاسم بن محمد، حدثنا جدي قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، هو ابن عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاوية بن قرة، عن ابن مسعود قال: اثنتا عشرة مملوكة أكره غشيانهن: أمتك وأمها، وأمتك وأختها، وأمتك وطئها أبوك، وأمتك وطئها ابنك، وأمتك عمتك من الرضاعة، وأمة خالتك من الرضاعة، وأمتك وقد زنت، وأمتك وهي مشركة، وأمتك وهي حبلى من غيرك. حدثنا حمام، حدثنا ابن مفرج، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا الدبري، حدثنا عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي أخبرني يونس بن عبيد أنه سمع الحسن البصري يقول: كنا نغزو مع أصحاب رسول الله ﷺ فإذا أصاب الجارية أحدهم من الفيء فأراد أن يصيبها أمرها فغسلت ثيابها، ثم علمها الإسلام، وأمرها بالصلاة, واستبرأها بحيضة، ثم أصابها.
وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل اشترى جارية مشركة أن يطأها حتى تغتسل وتصلي وتحيض عنده حيضة.
فإن ذكروا ما رويناه من طريق مسلم، حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل غير أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقي عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكان ناس من أصحاب رسول الله ﷺ تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن المشركين، فأنزل الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. فهذا لا حجة لهم فيه لوجهين: أقطعهما أن سبي أوطاس كانوا وثنيين لا كتابيين، لا يختلف في ذلك اثنان، وهم لا يخالفوننا أن وطء الوثنية بملك اليمين لا يحل حتى تسلم فإنما في هذا الخبر لو صح إعلامهم أن عصمتهن من أزواجهن قد انقطعت إذا أسلمن وإن كان لم يذكر هاهنا الإسلام لكن ذكره تعالى في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وواجب أن يضم كلام الله تعالى بعضه إلى بعض. والوجه الثاني أننا
روينا هذا الخبر من طريق مسلم أيضا، فقال :، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى، وابن بشار، قالوا: أنا عبد الأعلى، هو ابن عبد الأعلى عن سعيد، هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي الخليل: أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله ﷺ بعث يوم حنين سرية بمعنى الحديث المذكور.
فصح أن أبا الخليل لم يسمعه من أبي علقمة فهو منقطع. وقالوا: لم نجد في النساء من يحل نكاحها، ولا يحل وطؤها بملك اليمين .
فقلنا: هبك كان كما تزعمون فكان ماذا، ولا وجدنا في الفرائض في الصلاة ثلاث ركعات غير المغرب ;، ولا وجدنا في الأموال شيئا يزكى من غيره إلا الإبل فلا أبرد من هذا الأحتجاج السخيف المعترض به على القرآن، والصحابة، رضي الله عنهم، فكيف والحرائر كلهن من المسلمات يحل وطؤهن بالزواج، ولا يحل وطؤهن بملك اليمين.
وقال بعضهم: قال الله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} فعم تعالى ولم يخص، فدخلت في ذلك الكتابية.
فقلنا: فأدخلوا بهذا العموم في الإباحة بملك اليمين وطء الحائض والأخت من الرضاع، والأم من الرضاع، وأم الزوجة؛ والتي وطئها الأب، والأختين بملك اليمين.
فإن قالوا: قد خص ذلك آيات أخر.
قلنا: وقد خص الكتابية آية أخرى. فإن ادعوا إجماعا أكذبهم قول طائفة من الصحابة، رضي الله عنهم، فمن بعدهم في الأختين بملك اليمين فظهر فساد قولهم بالله تعالى التوفيق. أما نكاح الكافرة غير الكتابية: فلا يخالفنا الحاضرون في أنه لا يحل وطؤهن بزواج، ولا بملك يمين.
وأما المجوسية فقد ذكرنا في " كتاب الجهاد " و " كتاب التذكية " من كتابنا هذا أن المجوس أهل كتاب، وإذا كانوا أهل كتاب فنكاح نسائهم بالزواج حلال. والحجة في أنهم أهل كتاب: قول الله عز وجل: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فلم يبح لنا ترك قتلهم إلا بأن يسلموا فقط.
وقال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فاستثنى الله عز وجل أهل الكتاب خاصة بإعفائهم من القتل بغرم الجزية مع الصغار من جملة سائر المشركين الذين لا يحل إعفاؤهم إلا أن يسلموا. وقد صح أن رسول الله ﷺ أخذ الجزية من مجوس هجر. ومن الباطل الممتنع أن يخالف رسول الله ﷺ أمر ربه إلا لو بين لنا أنهم غير أهل كتاب، فكنا ندري حينئذ أنه فعل ذلك بوحي. فإن احتجوا بما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي قال: كتب رسول الله ﷺ إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة. فهذا مرسل، ولا حجة في مرسل. وثانية أنه ليس فيه: أن قوله لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة هو من كلام رسول الله ﷺ . وممن قال: إنهم أهل كتاب جماعة من السلف: حدثني أحمد بن عمر بن أنس العذري، حدثنا أبو ذر الهروي، حدثنا عبد بن أحمد الأنصاري، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، حدثنا إبراهيم بن خريم، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب بن عبد الله، حدثنا جعفر بن المغيرة عن إبراهيم بن أبزى قال: لما هزم الله تعالى أهل الأسفيذار انصرفوا فجاءهم يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجمعوا فقالوا: بأي شيء تجري في المجوس من الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا بمشركين من مشركي العرب فتجري فيهم الأحكام التي أجريت في أهل الكتاب أو المشركين، فقال علي بن أبي طالب: بل هم أهل كتاب وذكر الخبر بطوله.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن قاسم بن محمد، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج قال: سمعت معبدا الجهني يحدث الحسن أن امرأة حذيفة كانت مجوسية، فجعل الحسن يقول: مهلا، فقال: أنا والله دخلت عليها حتى كلمتها، فقال لها: شابر دخت، قال: فحدث به الحسن بعد ذلك جده عبد الله بن ربيع التميمي، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله الداناج، وأبي حرة، قال عبد الله الداناج عن معبد الجهني، وقال أبو حرة: عن الحسن، قالا جميعا: كانت امرأة حذيفة مجوسية. حدثنا حمام، حدثنا ابن مفرج، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا الدبري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه، قال: يعرض عليها الإسلام، فإن أبت، فليصبها إن شاء وإن كانت مجوسية ولكن يكرهها على الغسل من الجنابة.
وبه إلى عبد الرزاق عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال: لا بأس أن يطأ الرجل جاريته المجوسية.
قال أبو محمد: وقد ذكرنا في " كتاب التذكية " إباحة سعيد بن المسيب أكل ما ذبحه المجوسي ونحن وإن كنا نخالف سعيدا، وطاووسا في وطء الأمة المجوسية بملك اليمين: فإنما أتينا بهما لأباحتهما نكاح المجوسيات. وممن أباح نكاح المجوسية أبو ثور.
قال أبو محمد: ومن أبين الخطأ أن يكون الله تعالى أمر أن لا تقبل جزية من مشرك إلا من أهل الكتاب، ولا أن تنكح مشركة إلا الكتابية وأن لا تؤكل ذبيحة مشرك إلا كتابي، ثم يفرق بين الأحكام المذكورة، فيمنع من بعضها ويبيح بعضها وبالله تعالى التوفيق.
1822 - مسألة: ولا يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصلا، ولا يحل لكافر أن يملك عبدا مسلما، ولا مسلمة أمة أصلا.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.
وقال عز وجل: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}.
قال أبو محمد: والرق أعظم السبيل وقد قطعها الله عز وجل جملة على العموم، ومن خالفنا في هذا ببيعهما إذا أسلما في ملك الكافر، فنقول لهم: أرأيتم طول مدة تعريضكم الأمة والعبد للبيع إذا أسلما عند الكافر، وقد تكون تلك المدة ساعة، وتكون سنة، أفي ملك الكافر هما أم ليس في ملكه، ولا سبيل إلى قسم ثالث: فإن كانا في ملكه، فلم تمنعونه من اتصال ملكه عليهما وقد أبحتموه مدة ما وما برهانكم على هذا الفرق الفاسد وإن قلتم: ليسا في ذلك، ولا في ملك غيره
قلنا: هذه صفة الحرية، ومن هذه صفته فلا يحل بيعه، ولا إحداث ملك عليه.
فإن قالوا: فإنا نسألكم عن الذي تبيعونه لضرر أضر به، أو في حق مال وجب عليه.
قلنا: هو في ملك الذي يباع عليه، وليس ملكه له حراما لأنه لو قطع ضرره عنه لم يبع عليه، ولو وجد له مال غير العبد أو الأمة لم يباعا عليه، وليس كذلك الكافر؛ لأنه ممنوع عندكم من تملك المسلم. وبالله تعالى التوفيق. وقد أعتق رسول الله ﷺ من خرج إليه مسلما من عبيد أهل الكفر فتخصيصكم بذلك من خرج إلينا منهم تحكم بلا دليل؛ لأن رسول الله ﷺ لم يقل: إنما أعتقكم لخروجكم، فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة والسلام ما لم يقل.
فإن قيل: قد اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا رضي الله عنه من كافر بعد إسلامه.
قلنا: كان ذلك بمكة في أول الإسلام قبل نزول الآية المذكورة كما أنكح عليه الصلاة والسلام بنته رضي الله عنها من أبي العاص بن الربيع وهو كافر ومن عقبة بن أبي لهب قبل نزول تحريم ذلك.
فصح أن العبد، والأمة إذا أسلما وهما في ملك كافر فإنهما حران في حين تمام إسلامهما وبالله تعالى التوفيق.
1823 - مسألة: وفرض على كل من تزوج أن يولم بما قل أو كثر.
برهان ذلك: ما روينا من طريق مسلم عن يحيى بن يحيى، وقتيبة، وأبي الربيع العتكي، كلهم عن حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا فقال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال له رسول الله ﷺ: أولم ولو بشاة.
ومن طريق مسلم، حدثنا أبو بكر بن شيبة، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك فذكر نكاح رسول الله ﷺ صفية أم المؤمنين، قال أنس: فجعل رسول الله ﷺ وليمتها التمر والأقط والسمن.
ومن طريق البخاري، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا سفيان عن منصور بن صفية عن أمة صفية بنت شيبة قالت: أولم رسول الله ﷺ على بعض نسائه بمدين من شعير.
وهو قول أبي سليمان، وأصحابنا.
1824 - مسألة: وفرض على كل من دعي إلى وليمة أو طعام أن يجيب إلا من عذر فإن كان مفطرا ففرض عليه أن يأكل، فإن كان صائما فليدع الله لهم، فإن كان هنالك حرير مبسوط، أو كانت الدار مغصوبة، أو كان الطعام مغصوبا، أو كان هناك خمر ظاهر: فليرجع، ولا يجلس:
كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج، حدثنا هارون بن عبد الله الأيلي، حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: " قال رسول الله ﷺ: أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها. وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغيره، وكان يأتيها وهو صائم.
ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبي ﷺ: إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه. ثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عون الله، حدثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني، حدثنا أبو يعقوب الدبري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن مجاهد قال: إن ابن عمر دعي يوما إلى طعام، فقال رجل من القوم: أما أنا فأعفني فقال له ابن عمر: لا عافية لك من هذا، فقم.
ومن طريق مسلم، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياث عن هشام، عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم. وصح عن أبي هريرة من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
فإن قيل: قد جاء في بعض الآثار: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب
قلنا: نعم، لكن الآثار التي أوردنا فيها زيادة غير العرس مع العرس، وزيادة العدل لا يحل تركها.
فإن قيل: فقد رويتم من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله ﷺ، أنه قال: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك.
قلنا: نعم، وأبو الزبير لم يذكر في هذا أنه سمعه من جابر، ولا هو من رواية الليث عنه.
وقد روينا عن الليث أنه وقف أبا الزبير على ما سمعه من جابر مما لم يسمعه منه، قال الليث: فأعلم لي على ما أخذته عنه وليس هذا الحديث مما أعلم له عليه، فبطل الأحتجاج به. ثم لو صح لكان الخبر الذي فيه إيجاب الأكل زائدا على هذا، وزيادة العدل لا يحل تركها وبالله تعالى التوفيق. وجمهور الصحابة، والتابعين على ما ذكرنا من إيجاب الدعوة.