مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية
كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية
[عدل]وقال شيخ الإسلام قدس الله روحه:
تكلم أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية بكلام مردود، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف والأئمة، حيث غلا في ذكر الولاية، وما ذكره من خاتم الأولياء، وعصمة الأولياء ونحو ذلك مما هو مقدمة لضلال ابن عربي، وأمثاله، الذين تكلموا في هذا الباب بالباطل والعدوان، منها قوله:
فيقال لهذا المسكين: صف لنا منازل الأولياء إذا استفرغوا مجهود الصدق كم عدد منازلهم؟ وأين منازل أهل الفرية؟ وأين الذين جازوا العساكر؟ بأي شيء جازوا؟ وإلى أين منتهاهم؟ وأين مقام أهل المجالس والحديث؟ وكم عددهم؟ وبأي شيء استوجبوا هذا على ربهم؟ وما حديثهم ونجواهم؟ وبأي شيء يفتتحون المناجاة؟ وبأي شيء يختمونها؟ وماذا يخافون؟ وكيف يكون صفة سيرهم؟ ومن ذا الذي يستحق خاتم الولاية كما استحق محمد ﷺ خاتم النبوة؟ وبأي صفة يكون ذلك المستحق لذلك؟ وما سبب وكم مجالس هذه الأبدان حتى ترد إلى مالك الملك؟ إلى مسائل أخر كثيرة ذكرها من هذا النمط.
ومنها فيه: قال له قائل: فهل يجوز أن يكون في هذا الزمان من يوازي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال: إن كنت تعني في العمل فلا، وإن كنت تعني في الدرجات فغير مدفوع، وذلك أن الدرجات بوسائل القلوب، وتسمية ما في الدرجات بالأعمال فمن الذي حوّل رحمة الله عن أهل هذا الزمان حتى لا يكون فيهم سابق ولا مقرب ولا مجتبى، ولا مصطفى، أو ليس المهدي كائنًا في آخر الزمان؟ فهو في الفتنة يقوم بالعدل، فلا يعجز عنها. أو ليس كائنًا في آخر الزمان من له ختم الولاية؟ وهو حجة الله على جميع الأولياء يوم الموقف؟ فكما أن محمدا ﷺ آخر الأنبياء، فأعطى ختم النبوة وهو حجة الله على جميع الأنبياء، فكذلك هذا الولي آخر الأولياء في آخر الزمان.
قال له قائل: فأين حديث النبي ﷺ: «خرجت من باب الجنة، فأُتيت بالميزان فوضعت في كفة، وأمتي في كفة فرجحتُ بالأمة، ثم وضع أبو بكر مكاني فرجح بالأمة. ثم وضع عمر مكان أبي بكر فرجح بالأمة». فقال: هذا وزن الأعمال، لا وزن ما في القلوب، أين يذهب بكم يا عجم؟ ما هذا إلا من غباوة أفهامكم. ألا ترى أنه يقول: خرجت من باب الجنة، والجنة للأعمال، والدرجات للقلوب؛ والوزن للأعمال، لا لما في القلوب، إن الميزان لا يتسع لما في القلوب.
وقال فيه: ثم لما قبض الله نبيه صير فيهم أربعين صديقًا؛ بهم تقوم الأرض فهم أهل بيته، وهم آله، فكلما مات منهم رجل خلفه من يقوم مقامه؛ حتى إذا انقرض عددهم، وأتى وقت زوال الدنيا؛ بعث الله وليًا اصطفاه واجتباه وقربه وأدناه وأعطاه ما أعطى الأولياء وخصه بخاتم الولاية، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء. فيوجد عنده ذلك الختم صدق الولاية، على سبيل ما وجد عند محمد ﷺ صدق النبوة؛ لم ينله القدر، ولا وجدت النفس سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية، فإذا برز الأولياء يوم القيامة، وأقبضوا صدق الولاية والعبودية، وجد ألوفًا عند هذا الذي ختم الولاية تمامًا؛ فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم، وكان شفيعهم يوم القيامة، فهو سيدهم. ساد الأولياء كما ساد محمد ﷺ الأنبياء، فينصب له مقام الشفاعة، ويثنى على الله ثناء، ويحمده بمحامد يقر الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله، فلم يزل هذا الولي مذكورًا أولًا في البدء أولا في الذكر، وأولا في العلم، ثم الأول في المسألة، ثم الأول في الموازنة، ثم الأول في اللوح المحفوظ، ثم الأول في الميثاق، ثم الأول في الحشر، ثم الأول في الخطاب، ثم الأول في الوفادة، ثم الأول في الشفاعة، ثم الأول في الجواز وفي دخول الدار، ثم الأول في الزيارة، فهو في كل مكان أول الأولياء، كما كان محمد ﷺ أول الأنبياء، فهو من محمد ﷺ عند الأذن، والأولياء عند القفا.
فهذا عند مقامه بين يديه في ملك الله ونجواه، مثال في المجلس الأعظم، فهو في منصته، والأولياء من خلفه درجة درجة، ومنازل الأنبياء مثال بين عينيه، فهؤلاء الأربعون في كل وقت هم أهل بيته. ولست أعنى من النسب، إنما أهل بيت الذكر.
هامش