مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي/كتاب معاني العقل
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة في معانى العقل للمعلم الثاني الفارابي
اسم العقل يقال على أشياء كثيرة.. الأول الشيء الذى به يقول الجمهور في الانسان أنه عاقل .. الثاني العقل الذي يردده المتكلمون على ألستهم فيقولون هذا مما يوجبه العقل وينفيه العقل .. والثالث العقل الذي يذكره ارسطو طاليس في كتاب البرهان .. والرابع العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق.. والخامس العقل الذي يذكره في كتاب النفس.. والسادس العقل الذي يذكره في كتاب ما بعد الطبيعة
(١) أما العقل الذي يقول به الجمهور في الانسان أنه عاقل فان مرجع ما يعنون به هو الى التعقل وذلك انهم ربما قالوا في مثل معونة أنه كان عاقلا وربما امتنعوا أن يسموه عاقلا ويقولون أن العاقل محتاج الى دين والدين عندهم هو الذي يظنون أنه هو الفضيلة وهؤلاء انما يعنون بالعاقل من كان فاضلا جيد الروية في استنباط ما ينبغي أن يؤثر من خير أو يجتنب من شر ويمتنعون أن يوقعوا هذا الاسم على من كان جيد الروية في استنباط ما هو شر بل يسمونه ما كرا أو داهياً واشباه هذه الاسماء .. وجودة الروية في استنباط ماهو في الحقيقة خير ٤٦ مقالة في معانى العقل ليفعل وفي استنباط ما هو شر ليجتنب هو تعقل فهؤلاء انما يعنون بالعقل المعنى الكلي ما يعنيه ارسطاطاليس بالتعقل وأما من سمى معونة عاقلا فانه أراد به جودة الروية في استنباط ما ينبغي أن يؤثر أو يجتنب على الاطلاق وهؤلاء متى وقفوا في أمر معونة أو امثاله بأن يراجعوا فيمن هو عاقل عندهم هل يسمون بهذا الاسم من كان شريراً وكان يستعمل جودة رويته فيما هو عندهم شر توقفوا وامتنعوا من تسميته عاقلا فاذا سئلوا عمن يستعمل جودة رويته في فعل الشر هل يسمى داهياً أو ما كراً أو ما أشبه هذه الاسماء لم يمنعوه هذا الاسم فمن قول هؤلاء يلزم أيضاً أن يكون العاقل انما يكون عاقلا مع جودة رويته اذا كان فاضلا يستعمل جودة رويته في الافعال الفضيلة لتفعل وفى الافعال الرذيلة لتجتنب وهذا هو المتعقل فالجمهور لما كانوا فيما يعنونه بهذا الاسم طائفتين .. طائفة تعطي من قبل نفسها أن العاقل ليس يكون عاقلا مالم يكن له دين وان الشرير وان بلغ في جودة الروية في استنباط الشرور ما بلغ لم يسموه عاقلاء . والطائفة الاخرى التي تسى الانسان لجودة رويته فيما ينبغي أن يفعل بالجملة عاقلا فانها متى روجعت فيمن هو شرير ولهم جودة روية فيما ينبغي أن يفعل من شر هل يسمونه عاقلا توقفوا وامتنعوا صار مرجع الجمهور بأسرهم فما يعنونه بالعاقل الى معني المتعقل ومعنى التعقل عند ارسطو طاليس هو جودة الروية في استنباط ما ينبغي أن يفعل من أفعال الفضيلة في حين ما يفعل وعارضه واذا كان مع ذلك فاضلا الشيء مقالة في معاني العقل {V (۲) وأما العقل الذي يردده المتكلمون على ألستهم فيقولون في هذا مما يوجبه العقل أو ينفيه العقل أو يقبله العقل أو لا يقبله العقل فانما يعنون به المشهور في بادي الرأي عند الجميع فان بادي الرأي المشترك عند الجميع أو الأكثر يسمونه العقل وأنت تبين ذلك متى استقريت شيئاً شيئاً مما يتخاطبون فيه وبه أو مما يكتبونه في كتبهم ويستعملون فيه هذه اللفظة (۳) وأما العقل الذي يذكره ارسطو طاليس في كتاب البرهان فانه انما یعنی به قوة النفس التي بها يحصل للانسان اليقين بالمقدمات الكلية الصادقة الضرورية لا عن قياس أصلا ولا عن فكر بل بالفطرة والطبع أو من صباه ومن حيث لا يشعر من أين حصلت وكيف حصلت فان هذه القوة جزء ما من النفس يحصل لها المعرفة الأولى لا بفكر ولا بتأمل أصلا واليقين بالمقدمات التي صفتها الصفة التي ذكرناها وتلك المقدمات هي مبادئ العلوم النظرية (٤) وأما العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق قانه پرید به جزء النفس الذي يحصل بالمواظبة على اعتياد شيء مما هو في جنس جنس من الأمور وعلى طول تجربة شيء شيء مما هو في جنس من الامور على طول الزمان اليقين بقضايا ومقدمات في الأمور الارادية التى شأنها أن تؤثر أو تجتنب فان ذلك الجزء من النفس سماه العقل في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق والقضايا التي تحصل للانسان بهذا الوجه وفي ذلك الجزء من أجزاء النفس هي مقالة في معاني العقل مبادي المتعقل والداهي فيما سبيله أن يستنبط من الامور الارادية التي من شأنها أن تؤثر أو تجتنب .. ونسبة هذه القضايا الى ما يستنبط بالتعقل كنسبة تلك القضايا الأول التي هي مذكورة في كتاب البرهان الى ما يستنبط بها وكما أن تلك المبادي لاصحاب العلوم النظرية يستنبطون بها ما شأنه من الامور النظرية أن يعلم ولا يغفل كذلك هذه المبادى للمتعقل والداعي فيما شأنه ان يستنبط من الأمور الارادية العملية.. وهذا العقل المذكور في المقالة السادسة من كتاب الاخلاق بتزايد مع الانسان طول عمره فتتمكن فيه تلك القضايا وينضاف اليها في كل زمان قضايا لم تكن عنده فيما تقدم قبل ويتفاضل الناس في هذا الجزء من النفس الذي سماه عقلا تفاضلا متفاوتاً .. ومن تكاملت فيه هذه القضايا في جنس ما من الامور صار ذا رأي في ذلك الجنس ومعنى ذي الرأي هو الذي اذا أشار بشيء ما قبل رأيه ذلك من غير أن يطالب بالبرهان عليه ولا يراجع وتكون مشوراته مقبولة وان لم يقم على شيء منها برهاناً ولذلك قلما يصير الانسان بهذه الصفة الا اذا شاخ لاجل حاجة هذا الجزء من النفس الى طول التجارب الذي ليس يكون الا في طول الزمان ولان يتمكن فيه من تلك القضايا ... والمتكلمون يظنون بالعقل الذي يرددونه فيما بينهم انه هو العقل الذي ذكره ارسطو طاليس في كتاب البرهان ونحو هذا يؤمون ولكنك إذا استقريت ما يستعملونه من المقدمات الأول تجدها كلها مقدمات مأخوذة من بادي الرأى المشترك فلذلك صاروا يؤمون شيئاً 1 ٤٩ مقالة في معاني العقل ويستعملون غيره (٥) أما العقل الذي يذكره ارسطو طاليس في كتاب النفس فانه جعله على أربعة انحاء عقل بالقوة وعقل بالفعل وعقل مستفاد وعقل فعال .. فالعقل الذي هو بالقوة هو نفس ما أو جزء نفس أوقوة من قوى النفس أو شي ما ذاته معدة أو مستعدة لأن تنتزع ماهيات الموجودات كلها وصورها دون موادها فتجعلها كلها صورة لها وتلك الصور المنتزعة عن المواد ليست منتزعة عن موادها التي فيها وجودها الا أن تصير صوراً فى هذه الذات وتلك الصور المنتزعة عن موادها الصائرة صوراً في هذه الذات هي المعقولات .. ويشتق لها هذا الاسـ من اسم تلك الذات التي انتزعت صور الموجودات فصارت صوراً لها وتلك الذات شبيهة بمادة تحصل فيها صور الا أنك اذا توهمت مادة ما جسمانية مثل شمعة ما فانتقش فيها نقش فصار ذلك النقش وتلك الصورة في سطحها وعمقها واحتوت تلك الصورة على المادة باسرها حتى صارت المادة بجملتها كما هي بأسرها هي تلك الصورة بأن شاعت فيها الصورة قرب وهمك من تفهم معنى حصول صور الاشياء في تلك الذات التى تشبه مادة وموضوعاً لتلك الصورة وتفارق سائر المواد الجسمانية بأن المواد الجسمانية انما تقبل الصور في سطوحها فقط دون أعماقها وهذه الذات ليست تبقى ذاتها متميزة عن صور المعقولات حتي تكون لها ماهية منحازة وللصور التي فيها ماهية منحازة بل هذه الذات نفسها تصير تلك الصور كما لو توهمت النقش والخلقة التي تخلق بها شمعة (6-2) ٥٠ مقالة في معانى العقل ما مكعبة أو مدورة فتغوص تلك الخلقة فيها وتشيع وتحتوي على طولها وعرضيا وعمقها بأسرها فحينئذ تكون تلك الشمعة قد صارت هي تلك الخلقة بعينها من غير أن يكون لها انحياز بماهيتها دون ماهية تلك الخلقة فعلى هذا المثال ينبغي أن تتفهم حصول صور الموجودات في تلك الذات التي سماها ارسطو طاليس في كتاب النفس عقلا بالقوة فهي مادامت ليس فيها شي من صور الموجودات فهى عقل بالقوة فاذا حصلت فيها صور الموجودات على المثال الذي ذكرناه صارت تلك الذات عقلا بالفعل فهذا معنى العقل بالفعل .. فاذا حصلت فيه المعقولات التي انتزعها عن المواد صارت تلك المعقولات معقولات بالفعل وقد كانت من قبل أن تنتزع عن موادها معقولات بالقوة فهي اذا انتزعت حصلت معقولات بالفعل بأن حصلت صوراً لتلك الذات وتلك الذات انما صارت عقلا بالفعل بالتي هي بالفعل معقولات فانها معقولات بالفعل وانها عقل بالفعل شي واحد بعينه .. ومعى قولنا فيها انها عاقلة ليس هو عليه غير أن المعقولات صارت صوراً لها على أنها صارت هي بعينها تلك الصور فاذا معنى انها عاقلة بالفعل وعقل بالفعل ومعقول بالفعل على معنى واحد بعينه والمعقولات التي كانت بالقوة معقولات فهي من قبل أن تصير معقولات بالفعل هي صور في مواد هي من حارج النفس واذا حصلت معقولات بالفعل فليس وجودها من حيث هي معقولات بالفعل هو وجودها من حيث هي صور في مواد فوجودها في نفسها ليس وجودها مقالة في معاني العقل من حيث هي معقولات بالفعل ووجودها في نفسها هو تابع لسائر ما يقترن بها فهي مرة أين ومرة متى ومرة ذات وضع واحيانا هي كم واحيانا هي مكيفة بكيفيات جسمانيــة واحياناً تفعل واحياناً تنفعل واذا حصلت معقولات بالفعل ارتفع عنها كثير من تلك المقولات الأخر فصار وجودها وجوداً آخر ليس ذلك الوجود اذ صارت هذه المقولات أو كثير منها يفهم معانيها فيها على انحاء غير تلك الأنحاء مثال ذلك الاين المفهوم فيها فانك اذا تأملت م الأين فيها أما أن لا تجد فيها شيئاً من معاني الأين أصلا واما أن تجعل اسم الا يفهمك فيها معنى آخر وذلك المعنى على نحو آخر معنی فاذا حصلت المعقولات بالفضل صارت حينئذ أحد موجودات العالم وعدت من حيث هي معقولات في جملة الموجودات .. وشأن الموجودات كلها أن تعقل وتحصل صوراً لتلك الذات فاذا كان كذلك لم يمتنع أن تكون المعقولات من حيث هي معقولات بالفعل وهي عقل بالفعل أن تعقل أيضاً فيكون الذي يعقل حينئذ ليس هو شيئاً غير الذي هو بالفعل عقل لكن الذي هو بالفعل عقل لاجل أن معقولا ما قد صار صورة له وقد يكون عقلا بالفعل بالاضافة الى تلك الصورة فقط و بالقوة بالاضافة الى معقول آخر لم يحصل له بعد بالفعل فاذا حصل له المعقول الثاني صار عقلا بالفعل بالمعقول الأول وبالمعقول الثاني.. .. اما اذا حصل عقلا بالفعل بالاضافة الى المعقولات كلها وصار أحد الموجودات بأن صار هو المعقولات بالفعل فانه متى عقل الموجود الذي هو عقل بالفعل لم يعقل موجوداً خارجاً عن ذاته بل انما يعقل ذاته وبين انه اذا عقل ذاته من حيث ذاته عقل بالفعل لم يحصل له بما عقل من ذاته شي موجود وجوده في ذاته غير وجوده وهو معقول بالفعل بل يكون قد عقل من ذاته موجوداً ما وجوده وهو معقول هو وجوده في ذاته فاذا تصير هذه الذات معقولة بالفعل وان لم تكن فيما قبل أن تعقل معقولة بالقوة بل كانت معقولة بالفعل الا انها عقلت بالفعل على أن وجودها في نفسها عقل بالفعل ومعقول بالفعل على خلاف ما عقلت هذه الاشياء بأعيانها أولا فانها عقلت أولا على انها انتزعت عن موادها التي كان فيها وجودها وعلى أنها كانت معقولات بالقوة و عقلت ثانياً ووجودها ليس ذلك الوجود المتقدم بل وجودها مفارق لموادها على أنها صور لا فى موادها وعلى أنها معقولات بالفعل .. فالعقل بالفعل متى عقل المعقولات التي هي صور له من حيث هي معقولة بالفعل صار العقل الذي كنا نقول أولا انه العقل بالفعل هو الآن العقل المستفاد فاذا كانت ههنا موجودات هي صور لا في مواد ولم تكن قط صوراً في مواد فان تلك اذا عقلت صارت موجودة وهي مفعولة الوجود الذي كان لها من قبل أن تعقل فان قولنا أن يعقل الشيء أولا هو أن تنتزع الصور التي في المواد عن موادها وتصير لها وجود آخر غير وجودها الأول
فاذا كانت ههنا أشياء هي صور لا مواد لها لم تحتج تلك الذات إلى أن تنتزعها عن مواد أصلا بل تصادفها منتزعة فتعقلها على مثال ما مقالة في معانى العقل ٥٣ تصادف ذاته من حيث هو عقل بالفعل معقولات لافي موادها فتعقلها فيصير وجودها من حيث هي معقولة عقلا ثانياً هو وجودها الذي كان لها من قبل أن تعقل بهذا العقل وهذا بعينه ينبغي أن يفهم في التي هي صور لا في موادها اذا عقلت كان وجودها في أنفسها هو وجودها وهي معقولة لنا فالقول في الذي هو منا بالفعل عقل والذي هو فينا بالفعل عقل هو القول بعينه في تلك الصور التي ليست في موادها ولا كانت فيها أصلا فان الوجه الذي به نقول فيما هو فينا بالفعل عقل انه فينا فعلى ذلك المثال ينبغي أن يقال في تلك الصور أنها في العالم .. وتلك الصور انما يمكن أن تعقل على التمام بعد أن تحصل المعقولات كلها معقولات بالفعل أو جلها ويحصل العقل المستفاد فحينئذ تحصل تلك الصور معقولة فتصير كلها صوراً للعقل من حيث هو عقل مستفاد والعقل المستفاد شبيه بموضوع لتلك ويكون العقل المستفاد شبيهاً بالصورة للعقل الذي بالفعل والعقل الذي بالفعل شبيه بموضوع ومادة للعقل المستفاد والعقل الذي بالفعل صورة لتلك الذات فتلك الذات شبيه .. فعند ذلك تبتدئ الصور في الانحطاط الى الصور الجسمانية الهيولانية ومن قبل ذلك كانت تترقي قليلا قليلا الى أن تفارق المواد شيئاً شيئاً وقليلا قليلا بأنحاء من المفارقة متفاضلة. فان كانت الصور التي لا في مادة أصلا ولم تكن ولا تكون في مادة أصلا متفاضلة في الكمال والمفارقة ، كان لها ترتيب ما في الوجود وان ما كان أكملها على هذا الطريق صورة لما هو أنقص الى أن تنتهي الى ماهو أنقص وهو العقل المستفاد مادة ٥٤ مقالة في معاني العقل ؟ ثم لا تزال تنحط حتى تبلغ الى تلك الذات والى مادونها من القوى النفسانية ثم من بعد ذلك الى الطبيعة ثم لا تزال تنحط الى أن تبلغ الاسطقسات التي هي أخس الصور في الوجود وموضوعها أخس الموضوعات وهي المادة الأولى فاذا ارتقت من المادة الأولى الى صور رتبة رتبة فانما ترتقي الى الطبيعة التي هي صور جسمانية في مواد هيولانية الى أن ترتقي الى تلك الذات ثم الى ما فوق ذلك حتى اذا انتهى الى العقل المستفاد انتهى الى ما هو شبيه بالنجوم والحد الذي اليه تنتهي الاشياء التي تنسب الى الهيولى والمادة واذا ارتقى منه وانما يرتقى الى أول رتبة الموجودات المفارقة وأول رتبته رتبة العقل الفعال (٦) وأما العقل الفعال الذي ذكره ارسطو طاليس في المقالة الثالثة من كتاب النفس هو صورة مفارقة لم تكن في مادة ولا تكون أصلا وهو بنوع ما عقل بالفعل قريب الشبه من العقل المستفاد. وهو الذي جعل تلك الذات التي كانت عقلا بالقوة وجعل المعقولات التي كانت معقولات بالقوة معقولات بالفعل ونسبة العقل الفعال الى العقل الذي بالقوة كنسبة الشمس الى العين التي هي بصر بالقوة ما دامت في الظلمة ومعنى الظلمة هو الاشفاف بالقوة وعدم الاشفاف بالفعل ومعنى الاشفاف هو الاستنارة عن محاذاة منير فاذا حصل الضوء في البصر وفي الهواء وما جانسه صار البصر بما حصل فيه من الضوء بصيراً بالفعل وصارت الألوان مرئية بالفعل بل نقول إن البصر ليس انما صار بصيراً بالفعل بأن حصل فيه الضوء والإنتفاف بالفعل، بل لأنه اذا التي مقالة في معاني العقل حصل له الاشفاف بالفعل حصلت فيه صور المرئيات وبحصول صور المرئيات في البصر صار بصبراً بالفعل. ولانه توصل قبل ذلك بشعاع الشمس أو غيره إلى أن صار مشفاً بالفعل وصار الهواء الماس له أيضاً مشفا بالفعل صار حينئذ ما هو مرئي بالقوة مرئياً بالفعل، فالمبدأ الذي به صار البصر بصيراً بالفعل بعد أن كان بصيراً بالقوة وصارت المبصرات التي كانت مبصرات بالقوة مبصرات بالفعل الاشفاف الذي حصل في البصر عن الشمس .. فعلى هذا المثال يحصل في تلك الذات التي هي عقل بالقوة شي ما منزلته منه منزلة الاشفاف بالفعل من البصر وذلك الشيء يعطيه اياه العقل الفعال فيصير مبدأ به تصير المعقولات كانت بالقوة معقولات له بالفعل وكما أن الشمس هي التي تجعل العين بصيراً بالفعل والمبصرات مبصرات بالفعل بما تعطيها من الضياء كذلك العقل الفعال هو الذي جعل العقل الذي بالقوة عقلا بالفعل بما أعطاه من ذلك المبدأ و بذلك بعينه صارت المعقولات معقولات بالفعل .. والعقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد وصور الموجودات هي فيه لم تزل ولا تزال الا أن وجودها فيه على ترتيب غير الترتيب الذى هي موجودة عليه في العقل الذي هو بالفعل وذلك أن الأخس في العقل الذي بالفعل كثيراً ما يترتب فيكون أقدم من الاشرف من قبل أن ترقينا نحن الى الاشياء التي هي أكمل وجوداً وكثيراً ما يكون من الاشياء التي هي أنقص وجوداً على ما تبين في كتاب البرهان اذ كنا انما نترقى عن الأعرف عندنا الى ماهو مجهول وما هو أ كمل 07 مقالة في معاني العقل وجوداً في نفسه هو أجمل عندنا أعنى أن جهلنا به أشد فلذلك نضمار الى أن يكون ترتيب الموجودات في العقل الذي بالفعل على عكس ما عليه الأمر في العقل الفعال والعقل الفعال يعقل أولا من الموجودات الأكمل فالأكمل فان الصور التي هي اليوم في مواد هي في العفل الفعال صور منتزعة لا انها كانت موجودة فى مواد فانتزعت بل لم تزل تلك الصور فيه وانما أتحدت فى أمر المادة الأولى وسائر المواد بأن أعطيت الصور التي في العقل الفعال والموجودات التي قصد إيجادها قصداً أولا فيما لدينا وهي تلك الصور غير أنها لما لم يكن إيجادها هنا الا في المواد كونت هذه المواد وهذه الصور في العقل الفعال غير منقسمة وهي في المادة منقسمة وليس يستنكر أن يكون العقل الفعال هو غير منقسم أو يكون ذاته أشياء غير منقسمة يعطى المادة اشباه مافي جوهره فلا تقبله المادة الا منقسما وهذا قد بينه أرسطو طاليس في كتاب النفس أيضاً .. تمت المقالة والحمد لواهب الخير والعاصم عن الضلالة تم مقالة العقل .. ويليها الرسالة الرابعة فيما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم