مجلة المقتبس/العدد 85/أخبار وأفكار
مجلة المقتبس/العدد 85/أخبار وأفكار
الصناعة المصرية
أصدرت إدارة التعليم الفني والصناعي والتجاري في مصر نشرة تخص فيها على إحياء فنون الصناعة المصرية قالت فيها: من أجمل مظاهر هذا العصر في مصر هو ما يزدان به من المصنوعات اليدوية على اختلافها. فما صناعة النسيج والصياغة والحفر على الخشب وعمل الأثاث (موبيليات المنازل) وصناعة المعادن والزخرف والتطريز إلا قليل من كثير من الصنائع المهمة المنتشرة في أمهات المدن بالقطر المصري فيسهل على من يحترف بهذه الفنون الصناعية وكثير ما هم في أنحاء البلاد أن يجد مجالا للعمل في معظم القرى ولئن كانت المصنوعات التي يعملونها جميلة جدا في كثير من الأحوال إلا أن القيام بإتمامها على درجة من الإتقان والكمال ربما كان في غالب الأحيان بحالة لا يستحسنها الذوق فضلا عن أن تدرجها في مراقي النجاح سائر سيرا بطيئا يصعب معه وجود المنافسة والمزاحمة بينها وبين المصنوعات الأوربية. ويظهر أن أنواع الصور والأشكال التي تستعمل في كثير من الفنون الصناعية قاصر على أشكال خاصة بتكرر وضعها طبقا للنماذج دون ابتكار أي تغيير فيها أتحسين.
على أن نتائج الأشغال التي يقوم بها الصانع الجاهل بفن الرسم لا أثر لها سوى الانحطاط التدريجي الذي يذهب برونق الأشكال وجمالها وهذا هو السبب الحقيقي في قصور التنسيق المشاهد في أنحاء القطر المصري ورداءته.
ولقد أنشئ بمدرسة الفنون والصنائع الخديوية ببولاق قسم الصناعية والزخرف منذ أربع سنوات وذلك رجاء الحصول على الغرض المقصود وهو تحسين الصناعات الوطنية وترقيتها والغرض من هذا القسم تعليم الطالب تعليما عاما في الرسم والتلوين والتصميم ليحصل على المعلومات العملية الكافية لتعلمه صناعة يدوية خاصة ليتسنى له الوقوف على دقائقها وما شاكل ذلك فيستطيع ابتكار الأشكال الأصلية اللازمة إليها، لذلك يتلقى الطلبة فيه طرائق حسن الاستنباط بحالة أفضل وصورة أسرع ولا يستعان بالآلات الأوربية إلا حينما تدعو الضرورة فضلا عن توجيه العناية إلى تعليمهم طرق الأشغال المحلية مع الالتفات إلى جعل أساس التعليم في الرسم التطبيقي قائما عل نقل ومحاكاة صور الزخارف العربية والفارسية التي بالمساجد ودور الآثار.
ويسوغ لكل طالب حائز للشهادة الدراسية الابتدائية الالتحاق بهذا القسم. أما المصروفات المدرسية فهي ثمانية جنيهات مصرية في السنة عن التلميذ الخارجي و16 عن التلميذ الداخلي.
وتشتمل الدراسة التحضيرية على تعليم الأشغال اليدوية في فنون التجارة وعمل الأثاث والحفر على الخشب وأشغال التطعيم وأشغال صياغة المعادن وترصيعها بالجواهر وزخرفة المنازل والنسيج والصياغة.
ومدة التعليم سنتان يتخصص الطالب بعدهما لإتقان فن من تلك الفنون الصناعية مدة سنتين أخريين قبل دخول الامتحان لنل الدبلوم.
ولكي يحصل الطالب على المعارف العملية التي تستلزمها الحرفة التي يتخذها لا بد له من أن يمضي سنة أخرى في احد المصانع خارجاً عن المدرسة لاكتساب تلك المعلومات وفاقاً لما تدعو إليه أحوال التجارة عادةً. ولا تمنح دبلوم المدرسة إلا للطالب الذي نجح في الامتحان النهائي وأمضى كذلك مدة سنة في التمرين بحالة تدل على الرضا عن عمله من قبل أصحاب المحل الذي اشتغل فيه.
وان الطلبة الذين يرغبون الدخول في معترك الحياة التجارية في أي نوع من أنواع الصناعات بالقطر المصري ليجدون في هذا القسم من مدرسة الفنون ووالصنائع الحيوية ميزة خاصة لتؤهلهم لإدخال التحسينات الصناعية واستنباط المبتكرات الجديدة في صنائعهم. هذا فضلاً عما يجدون في القسم المذكور من الفرصة التي تجعلهم على بصيرة من طرق الصناعة بحيث يتمكنون في النهار من فتح وإدارة مصانع خاصة بهم.
فالقطر المصري في حاجة شديدة إلى قادة في الصناعة والأمل وطيد في حرص الشبيبة المصرية على اغتنام الفرصة السانحة لهم بقسم الفنون الصناعية بمدرسة الصنائع ببولاق حيث يرتشفون مناهل التعليم فيه ليأخذوا على عاتقهم القيام بقسط وافر من جلائل الأعمال الشريفة التي ترتقي بها موارد الثروة في الديار المصرية ويعاونون على جعل مركزها الصناعي والمالي قائما على أساس متين.
نعم أن سعادة البلاد تتوقف في الوقت الحاضر على حالتها الزراعية ومن ثم كانت قيمة الواردات السنوية من المصنوعات الأوربية عظيمة جداً. على أنه ليس ثمة ما يمنع المصريين من القيام بصنع تلك المصنوعات تحت إشراف الماهرين من الصناع. فان النتاج الذي بدأ في الأعمال الصناعية القليلة التي كانت تصنع تحت رقابة المصريين فيما سبق من الزمان لدليل على أنهم جديرون بإخراج أحسن أنواع المصنوعات من الأثاث وشغال المعادن وعلى أنهم قادرون تماماً على مباراة المصنوعات الأوربية الواردة من الخارج ومنافستها ولذلك فليس هناك سبب يعوقهم عن بلوغ النجاح في الصناعات الأخرى كما نجحوا في غيرها.
دين مصر
نشر صندوق الدين العمومي في مصر تقريره عن عام1913ومنه يرى أن الباقي على مصر من القرض المضمون إلى أخر السنة الماضية يبلغ7. 102. 800 جنيه انكليزي وما استهلك منه في العام الماضي بواسطة شراء أوراقه 112. 500 جنيه انكليزي. والدين الموحد 55، 971. 960 جنيه انكليزي والجملة 94، 202، 540 جنيهاً انكليزياً. وقد هبط سعر الدين الموحد في السنة الماضية إلى أوطأ ما بلغه في الأربع عشرة سنة الماضية فكان اقل ما بيع به 96 جنيهاً وأعلى ما بلغ 110 وربع جنيه في عام 1902.
الأندية (1)
سادتي الأخوان
هذه أول مرة نحتفل فيها بافتتاح ناد من مثل هذا النوع في قاعدة الشام فشكراً للقائمين به ولا سيما رئيسه المستر ديفي قنصل انكلترا واني لأتوسم الخير والبقاء لنادينا الجديد لان رأسه من امة هي اعرق الأمم معرفة بالمنتديات وما ينبغي لها فقد حدثنا تاريخ هذه المعاهد أنهم كانوا اسبق العلمين إلى تأسيس الأندية منذ زمن طويل ولا تزال كلمة كلوب انكليزية نقلتها أكثر أمم الحضارة إلى لغاتها ويقابلها بالافرنسية على سبيل التجوز سيركل وعربها العرب بالنادي فالكلوب أو النادي هو مجمع من الطراز الأول يختلف إليه أناس متماثلون في طبقاتهم ويكونون في الغالب في سيرتهم كما يكون سراة الناس أدبا ولطف ومعاملة والكلمة المقابلة في اللغة الانكليزية هي جنتلمين ومن الصعب ترجمتها بالفرنسية ويعنى بها من بلغوا غاية الكمال في التربية والتهذيب يجتمعون للعب والتسلية وتلاوة الصحف والتحدث وغير ذلك من الأغراض.
كانت الندية عند منشئها بادئ بدء مجتمعات أصحاب متعارفين تضم شملهم ليأكلوا فيها ويشربوا في أوقات مخصوصة ولم تكن أماكنها خاصة بمن يجتمع فيها فانتظمت مع الزمن وانقلبت قصوراً فخمة محترمة ولم يكن النساء يدخلنها لأول أمرها وكان لأعضاء النادي فندق خاص بهم يحتوي على غرفة مائدة ومكتبة ومحل للتدخين وحجر للنوم بحيث يكون المرء في ناديه كأنه في بيته الذي يؤويه ثم استخدمت الأندية للأحزاب السياسية ثم انقسمت أقساماً بحسب مقاصدها لان الغرب كما تعلمون بلاد الأخصاء والتخصص ولا سيما التي هي في مقدمة الأمم في التناغي بطبقاتها لا يستطيع فيها أهل طبقة معينة أن يختلطوا بغير طبقتهم.
تعددت الأندية بتعدد المقاصد فمنها السياسي والعلمي ومنها أندية الرياضات البدنية والحمامات والصيد وأندية اللعب والشرب وأندية العزاب والممتنعين عن التدخين والشراب وهناك نواد خاصة بأبناء حرفة معينة وطبقة معينة وفكر معين حتى صارت الأندية بالمئات في بريطانيا العظمى بل في كل الممالك التي دخلت في طور المدينة وكل يوم نسمع بأندية تؤسس عندهم فمما أسسوه في الولايات المتحدة نادي الأمهات يجتمع فيه ربات البيوت ليتداولن في تربية أولادهن وانشئوا في نيويورك مؤخراًنادياًللسجناء يأوي إليه من خرج من الحبس حديثاًفيتوسل له النادي بإيجاد عمل ينصرف إليه بعد سجنه. واغرب الأندية نادي المعمرين الذي أنشئ حديثاًفي طوكيو عاصمة اليابان فان أعضاءه اثنا عشر عضواً فقط بلغ كل منهم مئة وعشر سنين من عمره ومع هذا لم يزهد احدهم في الاجتماع مع أقرانه.
ولقد كان من اخترعوا هذا النوع من المجالس في الجزائر البريطانية أكثر الأمم استمتاعا بثمرات الاجتماع مع أن المشهور من أخلاق الانكليز كما قال إميل بوتمي أنهم أكثر الناس عزوفاً عن الاختلاط بغيرهم أو كما قال اميرسون فيلسوف الأميركان: انك تحسب الانكليزي إذا اجتمع مع الأجانب اخرس فهو لا يصافحك ولا يتركك تنظر ما في عينيه في الفندق ويلفظ اسمه بحيث لا يسمع فكل واحد من هؤلاء الجزائريين جزيرة برأسها فمن ثمرات الأندية عند البريطانيين أن أهل كل حرفة وطبقة يعرفون في أنديتهم اقدر الرجال فيهم فإذا جاء وقت انتخاب مجلس النواب يكونون لمبرزيهم اعرف الدعاة لهم فيختارونهم للنيابة عن الأمة أي أن أعضاء نادي الإشراف وأعضاء نادي الحوذيين والسواقين والسكافيين والطباعين والوراقين والبزالين والفحامين بل وكل ما يخطر ببالك من أرباب الصناعات المختلفة يستعينون بالأندية على اختبار مدارك إخوانهم فينيبون عنهم أخطبهم وأعقلهم وأمنهم وأعملهم وهكذا كانت الأندية نافعة في الغرب كما نفعت في الإسلام الجوامع والمدارس فكانت أندية يتفاوض فيها أهله في شؤونهم السياسية والاجتماعية أيضا.
ومن غرائب الأندية في لندن اليوم نادي السكوت وهو للصم والبكم ليس فيه كلام يسمع ولا جرس يقرع ومن يدخل النادي من المشتركين فيه يكبس زراً كهربائياً ينير قطعة من المكان فيفتح له وغير الكهربائية أيضا اصطلحوا على إشارات للتفاهم بينهم ويدخله الرجال والنساء يلعبون بالبلياردو أو يتحادثون أحاديث صم ويغنون غناء الصم. وفي لندن ناد للمعتزلين عن الناس يدخله من ضاقت صدورهم من الوحدة والعزلة ولا يقبل فيه النساء إلا بعد سن الخامسة والعشرين وهو دولي عام ولا يؤدي المشترك فيه شيئاً وهو غريب في بابه لأنه يضم أناسا من أهل الأرض بأسرها ومن جميع الطبقات الراقية وفيه كثير من أرباب المكانة والشهرة.
وهناك ناد اسمه نادي العجل الذهبي ونادي القط الأسود ونادينا وهو نادي أعاظم الأدباء ونادي 101 ونادي الست ساعات وهو ناد أعضاؤه ستة يدخلون إليه كل يوم الساعة السادسة ويخرجون الساعة الثانية عشرة ومع كل واحد منهم كتاب. والنادي الدائم وعدد أعضائه مئة يقسمون أن لا يبرحوا منازلهم مهما كلفهم الأمر من المخاطر حتى انه حدث يوماً حريق قرب ناديهم فلم يخرجوا منه إلا بقوة رجال الشرطة. وقد أسس بعض أبناء الأسر في ايرلندا سنة 1766 ناديا لهم ليختطفوا البنات ويتزوجوا بهن قسرا فانحل هذا النادي سنة 1802 عقيب حوادث أفاض فيها مجلس النواب الانكليزي. وفي ايرلندا أندية قلما تقبل النساء وفيها أندية للنساء العازفات عن الزواج. وسيفتح الآن ناد غريب اسمه نادي اللوبياء السوداء على مثال نادي نيويورك وهو مؤلف من أربعين عزباً يجتمعون مرة في السنة ويضع رئيسه في صندوق أربعين حبة لوبياء بيضاء ومنها سوداء ويسحب كل عضو حبة فمن سقطت السوداء في يده حكم عليه قانون النادي بان يتزوج والنادي يقوم بنفقة تزويجه كما يبتاع له أثاث بيته ونفقة سفره ثلاثة أسابيع مدة شهر العسل.
وعندهم أندية لطالبات الزواج على مثال نادي اليابان الذي يتم بواسطته كل أسبوع مئتا قران وأكثر المقترنين يتزوجون بالنظر إلى صور خطيباتهم الشمسية. وكان في لندرا نادي التقبيل ولكن حدثت منه غوائل لم تفض إلا بمعرفة المحاكم.
وفي لندرا ناد للمنتحرين شعاره بالموت شفاء الأسقام كلها ولا يقبل فيه للنساء ولا للعزاب. ولها ناد للأرواح يدخله علماء ومحامون وجراحون وباحثون ممن يهتمون بكشف الأسرار عن مخاطبة الأرواح. ولها ناد لمن لا أنوف لهم ورئيسه مصري انفه أقنى للغاية يكاد لا يظهر. ونادي مشوهي الخلقة. ونادي السوداويين يجتمعون كل أسبوع وهم عبارة عن حوذيين وسواقيين وملاحيين ليتسابوا ويشاتموا ويظهروا أفضل قرائحهم في علم الطعن والقذف ومن قصر من الأعضاء أو أبدى لطفاً في وحركاته يغرم في المرة الأولى وفي الثانية يطرد من حظيرة أقرانه. وفيها نادي العبوسين يدخله من ساءت أخلاقهم يلتزمون السكوت فيجلس الواحد منهم إلى ناحية يدخن غليونه بدون أن يتكلم. وعندهم نادي الفلس أربعة أقسام أي نادي البخلاء المقترين وفيه أناس من كبار أرباب الأملاك وأعاظم الماليين ونادي قتلة البشر وهم يؤثرون القتل على ثلم الشرف ورئيسهم قتل 25 شخصاً في البراز.
ولا اعرف فيما اطلعت عليه من كتب العرب في التاريخ والشعر والخطب والمحاضرات أنه عهد لبغداد وقرطبة والقاهرة ودمشق والقيروان أيام عزها معهد يماثل هذه الأندية الحديثة وغاية ما تبين أن المتماثلين كانوا يجتمعون في بيوتهم وحلقاتهم الخاصة فمنهم من يجتمع للمباحثة في العلم كاجتماع إخوان الصفا ومن يروي عنهم التوحيدي في مقابساته كانوا من نحل مختلفة لم تمنعهم مذاهبهم في تلك العصور من الاجتماع على مقصد واحد وكان الشراب الذي يتعاطونه في الأكثر نبيذ التمر وهو أشبه بالصليبية عندنا أو الشيرا يجتمعون لتعاطيه كما يجتمع المحدثون على القهوة والشاي وغيرهما من المشروبات فيغذون باجتماعهم أرواحهم كما يفكهون بما يتعاطونه أجسادهم وما كانت الطبقة العالية من أهل الشرف والعلم والفقه ترى من الغضاضة أن ترفع أصواتها بالغناء أو تأخذ بالعزف والإيقاع في مجالسها وأنديتها لأنهم علموا قبل أهل المدينة الحديثة أن المرء قد يستغني عن القراءة والكتابة ولا يستغني عن رفع صوته ليتغنى فيطرب نفسه وجلاسه وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني مملوء بأخبار أهل هذه الطبقة.
حكا صاحب اليتيمة انه كان في جملة القضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على التبسط في القصف واللهو ابن قريعة وابن معروف والقاضي التنوخي وغيرهم وما منهم إلا أبيض الحية طويلها وكذلك كان الوزير المهلبي. فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولذ السماع واخذ الطرب منهم مأخذه وضع في يد كل واحد منهم كاس ذهب من ألف مثقال إلى ما دونها مملوءاً شرابا قطربلياً أو عكبرياً فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تتشرب أكثره ويرش بها بعضهم غلى بعض ويرقصون اجمعهم (كذا) وعليهم المصبغات ومخانق البرم والمنثور ويقولون كلما يكثر شربهم هرهر (والهر هر صوت جري الماء).
قال: فإذا أصلحوا عادوا لعادتهم في الرمث والوقر والتحفظ بأبهة القضاة وحشمة المشايخ الكبراء. والرمث في اللغة الإصلاح والمسح باليد أي ما يعرف اليوم بالتولت وهذه القصة وان كان فيها نظر لما فيها من التبذل المذموم فإنها تدل على شيء من الدعابة والظرف.
وبعد فان أسفار امتنا طافحة بأحاديث المترفين وأرباب القصف واللهو والإنشاد مما ينم عن ذوقهم ومدينتهم وتفننهم في مذاهب اللذائذ المشروعة في الغالب وتقلبهم في أعطاف الدعة والأنس وحسن العشرة وجمال العهد واختلاف كل قوم إلى أندية القوم الأخر. روى الصابئ في تاريخ الوزراء قال حدث أبو القاسم الزنجي قال: رسم أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات في وزارته الثانية أن يدعى أبو الحسن موسى بن خلف وأبو علي محمد بن علي بن مقلة وأبو الطيب محمد بن احمد الكلوذاني وأبو عبد الله محمد بن صالح وأبو عبد الله والدي وأبو بشر عبد الله بن الفرخان النصراني وأبو الحسن سعيد بن إبراهيم التستري النصراني وأبو منصور عبد الله بن جبير النصراني وأبو عمرو سعيد بن الفرخان النصراني في كل يوم إلى إطعامه فكانوا يحضرون مجلسه في وقته ويقعدون من جانبيه وبين يديه ويقدم كل واحد منهم طبق فيه أصناف الفاكهة الموجودة في الوقت من خير شيء ثم يجعل في الوسط طبق كبير يشتمل على جميع الأصناف طبق فيه سكين يقطع بها صاحبه ما يحتاج إلى قطعه من سفرجل وخوخ وكمثرى ومعه طست زجاج يرمي فيه الثفل فإذا بلغوا من ذلك حاجتهم واستوفوا كفايتهم شيلت الأطباق وقدمت الطست والأباريق فغسلوا أيديهم وأحضرت المائدة مغشاة بدبيقي فوق مكبة خيارز ومن تحتها سفرة ادم فاضلة غليها وحواليها مناديل الغمر من الثياب المقصور فإذا وضعت رفعت المكبة والأغشية واخذ القوم في الأكل وأبو الحسن بن الفرات يحدثهم ويباسطهم ويؤنسهم فلا يزال على ذلك والألوان توضع وترفع أكثر من ساعتين ثم ينهضون إلى مجلس في جانب المجلس الذي كانوا فيه ويغسلون أيديهم والفراشون قيام يصبون الماء عليهم والخدم وقوف على أيديهم المناديل الدبيقة ورطليات ماء الورد لمسح أيديهم وصبه على وجوههم فمن كانت له من الكتاب حاجة قام إليه وخاطبه فيها وسأله إياها ومن أراد اطلاعه على سر يجب الانفراد معه فيه فعل مثل ذلك.
ونتم ترون بهذا الوصف أن القوم لم يكونوا دون أهل هذا العصر في مجالسهم ورفاهيتهم ومسلياتهم وتسامحهم فان أرقى قصر من قصور الملوك والأمراء في الشرق والغرب لعهدنا ليس فيه من الاستعداد والتأنق في العيش والنظام في الطعام أكثر مما كان لابن الفرات وجماعته.
فعسانا نقتدي بالنافع من مظاهر أجدادنا في أوقات العمل والفراغ كما نأخذ عن الغرب كل ما ينفعنا في خلوتنا وجلوتنا وترقية اجتماعنا وشعورنا وشممنا وعقولنا وهذا لا يقوم إلا إذا راعينا النظير في الداخلين فقربنا كل سري عرف بحسن السيرة والسريرة ونبذنا كل معربد طائش لم يبلغ بتهذيبه مستوى أقرانه وان كان يحمل ذهباً كثيراً.
نعم نبعد السكيرين والمقامرين ليكون النادي لائقا بان يغشاه النبلاء لا حانة يضم جدرانها السفهاء وبذلك يصبح أحسن واسطة لتعارف الشرقي بالغربي فكما أن أهل المذاهب المختلفة لا تقوم لهم وطنية بدون تعارفهم وتعاطفهم هكذا المدينة لا تقوم على أصولها إلا بمناصرة الشرقي للغربي والغربي للشرقي. مدينة القرن العشرين تقوم بتبادل المنافع والأفكار أكثر من قيامها بالتقاطع والشجار فالله اسأل إن يعلمنا من مدينة الغرب ومدينة العرب ما تنبسط له النفس ويطيب له القلب فان سرعة ائتلاف قلوب الأبرار_كما قال احد الحكماء_كسرعة اختلاط قطر المطر بماء الأنهار وبعد قلوب الفجار من الائتلاف كبعد البهائم من التعاطف نكون على حد قول الشاعر:
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كان به عن كل فاحشة وقراً سليم دواعي الصدر لا باسطاً أذى ... ولا مانعاً خيراًولا ناطقاً هجراً
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... ففك أنت محتالاً لزلته عذراً
المرأة في القديم والحديث
خطبت الآنسة مي في حفلة النادي في القاهرة مساء 23 ابريل 1914 ومما قالته:
طافت المدينة أنحاء العالم ولكن ما حالنا بها؟ لقد ظهرت معجزاتها في اكتشافات البشر وعلومهم وفنونهم وأساليبهم وكيفية معيشتهم إلا أن الشقاء مازال شقاء! مازلنا نشاهد حولنا الحرب والفقر والمرض والقتل والانحطاط النفسي والعاهات الأخلاقية على تعدد أنواعها وما برحت الشعوب تشكو حكوماتها والأوطان تشقى بأبنائها والعائلات تتعذب بأفرادها والأفراد تتوجع بميولها وتشقى بغرائزها المتناسخة عن وراثات بعيدة وقريبة! كلا! إن المدينة لم تأت بتمام واجبها بعدو لم تصلح من الأحوال إلا البعض اليسير أو المتوسط. وانتم أيها السادة والسيدات تعلمون سبب ذلك النقص وتعرفون موضع الضعف من مدينة القرون المنصرمة. ذلك الضعف التائن والنقص الهائل ليس إلا تقهقر نصف الإنسانية هو جهل المرأة!
قال هوجو: ليس الرجل وحده الإنسان ولا هو المرأة وحدها بل هما الإنسان والإنسان هما كل جنس دون أخيه نصف فقط ولا يصير عدداًكاملاً إلا إذا أضيف إليه النصف الأخر لا صحة للمرء إلا بسلامة دماغه وقلبه ولا سعادة للرجل إلا بسعادة المرأة.
سل عنها الدهور المتدحرجة في هاوية الزمان لو كان للدهور لسان لأنبأتك بما يدمي الفؤاد المرأة! لقد جعلتها الهمجية حيواناً بيتياً وحسبها الجهل متاعاً ممتلكاً للرجل يستعمله كيفما شاء ويهجره إذا أراد ويحطمه إذا خطر له في تحطيمه خاطر. كانت بعد ذلك عبدة شقية وأسيرة ذليلة ثم ارتقت مع مرور الأجيال إلى درجة طفلة قاصرة إلى لعبة يلهو بها السيد في ساعات الفراغ إلى تمثال بهرجة تتراكم عليه الأثواب والجواهر الثمينة ومن منا يدري بما كانت تستر الأثواب الحريرية والجواهر الثمينة من قرح القلب الدامية التي لم يضمدها بشر؟
تاريخ المرأة استشهاد طويل أليم ومن أغرب الغرائب أنها لم تجد لها في القدم صديقاً ولا نصيراً. كانت عامة الشعب تكرهها وتحتقرها وليس ذلك بكثير على قوم جاهلين تحجرت منهم القلوب وصمت الإفهام فهم لا يدركون شيئا مما يتجاوز دائرة شخصهم الصغير لكني أرى الأمر عجباً بل فظيعا من رجال نحسبهم نوابغ زمانهم وقادة أفكار العالم. لم يذكر شعراء اللاتين من المرأة إلا جمال جسدها وليس في قصائدهم ما يدل على تلمس آثار النفس وراء ظواهر الجسد وجميعهم متفق على تسميتها الشيطان الجميل أو ينبوع المسرات السامة وشعراء اليونان اسخيلوس واوربيدس وغيرهما يسمونها - ببساطة كلية! - بلية العالم. أما الفلاسفة فاكتفي بان اذكر هنا أفلاطون، أفلاطون الإلهي الذي يعتبره تاريخ الفكر امة بأسرها أفلاطون ذا الأحلام الغامضة والمبادئ السامية الذي لم يترك موضوع إصلاحي سياسي أو أدبي إلا عالجه رغبة في إسعاد العالم - أفلاطون لم يفكر قط في تحسين حالة المرأة ولم يهتم في درس أخلاقها واستكشاف درجتها العقلية والاستعدادية. ماذا قال! إن أفلاطون هذا قضى حياته آسفا لأنه ابن امرأة وكان يصرح بذلك تصريحاً بازدرائه بأمه ويعتقد أن من كان جبان من الرجال في هذا العالم فمنذ ولادته في عالم أخر تتقمص روحه في جسد حيوان أو في جسد امرأة.
وما علم أفلاطون أن امرأة ستتعلم فلسفته في (مدرسة الإسكندرية) وان تلك المرأة لا يمنعها شبابها الغض وجمالها الرائع أن تكون اعلم علماء عصرها. تلك هي الفتاة هيباثيا ابنة ثيونوس الرياضي الشهير التي قتلت رجماً في شوارع الإسكندرية في أوائل القرن الرابع فذهبت شهيدة علمها وإخلاصها ورغبتها في إشهار التعاليم الأفلاطونية.
أول من عطف على المرأة واسمعها كلمات الإشفاق والغفران هو يسوع الناصري. وهو أول من سوى بينها وبين الرجل إذ جعل لهما خطة واحدة تفضي إلى ثواب واحد وإلا فللضالين عقاب واحد. على أن النصرانية حرمتها من وظائف الكهنوت وما برح طائفة اللاهوتيين يعتبرونها قارورة الخطايا والآثام!
ثم جاء نبي الإسلام فرفع شانها أي رفعة في بلاد العرب إذ حرم واد الفتيات وسواها بالرجل في جميع الحقوق والواجبات إلا في الشهادة والميراث فان امرأتين اثنتين تساويان رجلاً - وفي ما عدا ذلك فهي والرجل سواء في جميع الحقوق المدنية ويقول العارفون أن لها الحقوق السياسية أيضاً. والمسلمات لهن إن يكن فقيهات وكانت أول فقيهة منهن عائشة زوجة صاحب الشريعة الإسلامية الذي قال لقومه: خذوا دينكم عنها!.
وعلي أن اذكر هنا اسمي بلوتارك ودانتي وهما أول من تلمس نفس المرأة من طغمة الشعراء والمفكرين. لقد جعلا لقصائدهما عرائس شعر تتجلى فيهن ملكات الجمال الأدبي: وهما اللذان ترنما للمرة الأولى بذكر المرأة ذات النفس السامية والذكاء الوقاد ومقدمة عثرات الجنس القوي. من منا لا يعرف لورا وبياتريس؟ إن هذين الاسمين لا يفترقان عن اسمي بلوتارك ودانتي وسيكونان أبداً المثل الجميل الذي مر في مخيلة دانتي فصوره في شعره الساحر قد اخترق ظلمات القرون الوسطى كبرق ساطع ثم جاء كبير شعراء العالم شكسبير فجعل أبطال أكثر رواياته من النساء الجميلات ذوات النفوس الكبيرة تتلامس في قلوبهن بلطف يشبه تموجات النور في الهواء أقوى وأعذب شعائر المحبة بأسمى وأوجع عواطف التضحية وكذلك كانت النساء في روايات كورنايل وكلكم ذاكر بلا ريب بولين وكاميل وشيمان. . . ألا تذكرون؟
لم يكن مفكري القرون الوسطى من رأي شكسبير وكورنايل بل كان معظمهم مبغضاً للمرأة ساخراً بها لم يكن طاعناً فيها. ولقد اختصر بوسيه أسقف مو وأفكار معاصريه وأوردها في جملة واحدة. قال بجديته الحبرية المشهورة: المرأة خلقت من ضلع زائد في جنب الرجل فلهذا السبب هي عقيمة لا ذكاء في عقلها ولا إدراك في نفسها. رحمة الله عليك يا بوسيه! انك لم تكن نبيهاً! أما كون المرأة مخلوقة من ضلع الرجل فهذا أمر لا رأي لي فيه - غير أني أفضل أن تكون مخلوقة من عصير قلبه وعواطفه بدلاً من أن تكون - كوتلياً - مصورة! وأما كون الضلع زائدة فهذه مسالة فيها نظر وعلى كل حال فاني لا اخذ على نفسي إثبات هذه الحقيقة التشريحية. . . أو اللاتشريحية.
أيها السادة! لننس هذه الأقوال العتيقة ولننظر إلى أحوال الحاضر. إن النهضة النسائية تمتد يوميا في أقاصي المسكون. إنها لنهضة عجيبة تبشر بخير عظيم وتنبئ بان مدينة الأمس العرجاء التي لم تتكئ إلا على ذراع جنس من الجنسين هي غير مدينة الغد الممتعة بتحقيق أجمل الأماني الجائلة في قلب الإنسان. ليست مدينة الغد مدينة الرجل وحده بل هي مدينة الإنسانية لان المرأة آخذة بالصعود إلى مركزها الحقيقي بقرب الرجل. إن موجة النور نور الارتقاء النسائي تزداد ارتفاعاً واتساعاً مع الأيام. في فرنسا وانكلترا وأميركا وألمانيا وايطاليا تجاهد المرأة جهاد الأبطال في سبيل ترقية جنسها وترقية النوع البشري معها.
ولقد نالت جميع حقوقها في اسوج ونروج وفنلندا وزيلاندا الجديدة وفي بعض الولايات المتحدة فهي الآن والرجل سواء أدبياً ومدنياً وسياسياً أيضاً. وفي كل من هذه البلاد كان تأثيرها نافعاً جميلاً وحيث تقلدت المرأة الوظائف العمومية قد قلت الجرائم وخفت وطأة السكر وظهر تحسن محسوس يكاد يكون ملموساً في مستوى أخلاق الأمة وفي حالتها الصحية جميعاً.
هذه هي المرأة الجديدة ومستودع آمال المستقبل.
كم قالوا فيها أنها لا تصلح إلا للخدمة البيتية والزينة الجسدية وها هي مصلحة كبيرة ومفكرة عاملة! وكم قالوا أنها حيوان جميل وشيطان لطيف وها هي ملك كريم يحاول إفهام الرجل أن في الحياة عنصراً سامياً هو كل الحياة! وكم قالوا أنها كاذبة خبيثة وان الصدق والإخلاص بعيدان عنها بعد الشمال عن الجنوب وها هي آخذة في تهذيب نفسها وملا شاة العاهات التي شوهتها في أزمنة العبودية! وكم قالوا أنها مترددة حائرة ذليلة لا تقوى على توليد فكر ولا تتحمل المسؤولية وها هي عزيزة النفس شديدة الحرص على الاستقلال منحنية بحرقة على الحياة العميقة! وكم قال فولتر أن فكرها سريع العطب وانه يتحطم تحطيماً إذا حاول استفهام ناموس علمي غريب أن يقول فولتر هذا القول لأنه لم يفهم كتابات نيوتن إلا بواسطة امرأة هي صديقته مدام شاتليه ومعربة كتاب نيوتن في ناموس الجاذبية ثم اذكروا مدموازل لابلاس وماري كوالسكي ومدام كوري وملايين من النساء المشتغلات في العلوم الطبيعية والعلو المجردة والفنون والصنائع والحرف المختلفة. في فرنسا خمسة ملايين من النساء تشتغلن حاملات في قلوبهن التبعة العائلية والهموم الكثيرة. يخترقن سبل الحياة المحفوفة بالكوارث والأوجاع داميات القلب ولكن شريفات النفس شريفات المقاصد. ومثل ذلك في انكلترا والولايات المتحدة حيث عدد المعلمات فقط يكاد يبلغ الأربع مائة ألف. . . ويقول الأحصائيون أن في مصر نحو مليون ونصف من السيدات المتعاطيات الأشغال العمومية.
وكم قالوا إن المعارف لم تخلق للمرأة وان العلم يذهب بجمالها وتواضعها ولطفها وانه يجعلها متكبرة جافة ومحتقرة العائلة هازئة بالرجل وها نحن نراها إذا تعلمت زادت جمالاً وحناناً أكيداً واحتراماً للعائلة ووإجلالاً للرجل. أنها الآن تفهم معاني الحياة وتريد بكل قواها ترقية نفسها وإعلاء مداركها وتربية شخصيتها الجميلة واستخدام ملكاتها في بث الخير والسعادة حولها وعلى كل ما يحيط بها. المرأة الراقية وحدها تعرف إن لها فخراً رئيساً واحداً وهو أن تكون (أماً) وهي وحدها تعرف أنها كانت إلى اليوم أم الجسد فقط وتحاول أن تصبح أم الروح أيضاً أم العواطف وأم الأفكار وأم الميول والمهذبة الكبرى والصديقة العظمى!
وكم قالوا أنها لا عقل لها وان حياتها سلسلة أهواء متتابعة وتقلبات صبيانية تافهة وها أننا نراها بعيدة النظر ثابتة المقاصد مفرقة منفعتها الشخصية في بحر المنفعة العامة! انظروا إلى روسيا حيث النساء تتألم تألم الرجال وأكثر. روسيا حيث الثورة الفكرية تهيئ حتماً الثورة السياسية كم من فتاة حسناء قد ضمت خطيبها ومستقبلها وهناءها حباً بمصلحة وطنها واشتركت في جمعيات تظن أن في تأييدها خيراً للبلاد.
المتهكمون على المرأة كثيرون في العصر الفوضوي ولكن أنصارها أكثر وهم من ذوي النفوس الكبيرة والرؤوس المفكرة بل هم أسمى واشرف رجال زماننا. أنهم يحترمون جهادها ويعترفون بحقوقها ويقرون بما تأتيه من الإصلاحات الباهرة ويعجبون بإقدامها وثباتها ويرون في نهضتها أيدي جديدة عاملة لخير الإنسانية وتخفيف الويلات عنها. أليس فيكتور هوجو هو القائل أن تحرير المرأة يحل أكثر المشاكل المدنية وانه ينتظر منها وحدها إلغاء الحرب في العالم؟
وهو القائل أيضاً إن القرن العشرين هو عصر المرأة. ولقد صدق في نبؤته! في كل مكان تفتح المرأة عينها لنور الحياة حتى في أطراف الشرق الأقصى في الصين بأمرهن. وفي تركيا. وها أني أرى شرارة الحياة تشتعل في مصر، أيضاً حيث الرجال يساعدوننا بأقلامهم وبألسنتهم وبمثلهم وجل ما يتمنون هو أن تستحق النساء عنايتهم واهتمامهم بأمرهن. أجل في مصر تتكسر القيود الدهرية التي طالما عذبت فكر المرأة ونحن اليوم عند عتبة مستقبل باهر. في مصر تشتعل شرارة الحياة. . .
الآثار العربية في أسبانيا
عهدت حكومة أسبانيا إلى مدير مدرسة الهندسة العليا في مدريد بتجديد كنيسة قرطبة الكاتدرائية وكانت من قبل جامعاً على عهد العرب هناك فقام بأعمال الحفر في المكان الذي اعتقد انه كان في القديم قصر الزهراء وذلك للبحث عن هندسة جامع قرطبة على ما يجب إذ تبين أن هذا المعهد قد امتزجت فيه الهندسة الإسلامية الصرفة مع الهندسة الأسبانية المسيحية فقال على ما نقلت عنه مجلة العالم الإسلامي الفرنسية أن الهندسة الإسلامية لا تختلف فقط بين بلد وبلد وبين عصر وأخر بل يجب أن يلاحظ أن المهندسين المسلمين قد اقتبسوا أموراً جديدة من البلاد التي افتتحها قومهم وأضافوا إلى هندستهم. قال المهندس الأسباني أن من بحثوا في الهندسة الإسلامية لم ينظروا نظراً بليغاً إلى المؤثرات الأجنبية في هندستهم. فانك ترى مثلاً جامع ابن طولون في القاهرة وهو مما بني في سنة 265هـ - (879م) زيادات ترد أصل هندسة هذا المعهد المشهور إلى بين النهرين ومن جهة أخرى كأنه من هندسة المغرب والأندلس وذلك لان فتح الفاطميين لمصر وهم من القيروان قد اثر في الهندسة المصرية لعهدهم. واستند الباحث الأسباني على ما قاله صاحب تاريخ البيان من الأندلسيين فتبين بعبارته مساحة الجامع واستخرج منه عدة قطع من أحجار وكتابات واوان خزفية ساعدته على تأييد فكرة من أن الهندسة الإسلامية الأندلسية قد اقتبست أشياء كثيرة من غيرها واستنتج من بحثه في طرق نحت الأحجار وهي طريقة قديمة جداً استعملها الأشوريون واحتفظ بها المسلمون أن لا اختلاف بين ما يرى منها في الأندلس وما يرى في غيرها واستعمال الكلس والملاط للجمع بين الأحجار المرصوصة في البناء والبلاط والرخام الأبيض والأحمر النوع كل ذلك من أسلوب الهندسة القرطبية الأندلسية. وكانوا يستخدمون من النقوش أشكالا منها ما هو من أصل بيزنطي رومي ومنها ويزيغوتي ومنها طليطلي ويعدلونها على هواهم. ومن الغريب أن المسلمين في قرطبة وغرناطة وسائر المدن الأندلسية لم يكونوا يحجمون عن تمثيل المخلوقات الحية وهمية كانت أو حقيقية فترى في نقوشهم طيوراً ورؤوس اسود وتنانين.
وصف المؤلفون من العرب قصر الزهراء أحسن وصف وقصور الخلفاء هناك قال العالم الأسباني أن مسجد قرطبة وتلك القصور الزاهرة وما حوت من النقوش المرمر والذهب تفوق ببنائها كل ما يتصوره العقل ولم يبق من آثار تلك القصور سوى عمودين من الرخام وذلك لان قرطبة كانت ميداناً للفتن منذ عصور فذهبت في جملة ما ذهب من عادياتها كنوز خلفاء المغرب ونهبت خرائب قصورهم عدة مرات واستعملت أحجارها في إقامة بنايات جديدة. وقد أشار إلى ما وجده من الكؤوس والأواني من القيشاني المصور عليها بالحروف الكوفية نباتات أو صور إنسانية واستدل منه إن هذه الصناعة أي صناعة الخزف المزين بالمينا هو من عمل الأندلسيين.
تجارة المواني العثمانية
نشرت الصحف الايطالية للملق التجاري في سفارة الأستانة تقريراً مسهباً عن تجارة السلطنة العثمانية في سنة1911 - 1912 استنتج منه أن التجارة العثمانية لم تخسر بما فقدته السلطنة في الحروب الأخيرة من الأملاك في أوروبا وإفريقيا إلا 22 في المائة فقط. وهذه خلاصة التقرير:
الواردات: بلغت قيمة ما استوردته السلطنة من البلاد الخارجية في السنة المذكورة مبلغ37، 600، 000 ليرة دخل منها بطريق الأستانة (مع جمارك اسطنبول وغلطة حيدر باشا وأزمير وكملك ومودانيا وبندرمه والدردنيل وغليبوني ورودستو وزنجلداك) 34، 78 في المائة وبطريق بيروت (مع سائر المواني السورية) 13، 79 في المائة. وبطريق أزمير (مع جمارك أيولي ومدللي وصاقس ورودس وسائر جزر الأرخبيل) 12، 88 بالمائة. وبطريق سيلانيك (مع جمارك قوله واسكوب وبربوي والسونا والحدود اليونانية الصربية) 12، 85 في المائة. وبطريق طرابزون (مع جمارك قرة صند وسمسون واينة بولي وارضوم والحدود الروسية الإيرانية) 6، 14 في المائة. وبطريق بغداد 5، 20 في المائة. وبطريق الإسكندرية (مع جمارك مرسين واضالية والمواني المجاورة لهما) 3، 82 في المائة. وبطريق دده اغاج (مع جمارك جسر مصطفى باشا وادرنة وبورتولاغوس والحدود البلغارية والسواحل الأوربية على البحر الأسود) 3. 67 في المائة. وبطريق بروزة (مع جمارك الونية وسانتي كوارنتا وسلاهو فوودراج واشقودة وحدود الجبل الأسود) 2، 19 في المائة. وبطريق جدة 1. 82 في المائة. وبطريق مدينة طرابلس الغرب 1، 46 في المائة. وبطريق الحديدة 1. 30 في المائة.
أما الصادرات فقد بلغت قيمتها كلها 19، 414، 068 ليرة. وفقد اصدر منها بطريق أزمير 28، 73 في المائة. وبطريق الاستانة19، 38 في المائة. وبطريق سلانيك 12، 38 في المائة. وبطريق طرابزون 10، 42 في المائة. وبطريق بيروت 9، 29 في المائة.
وبطريق الإسكندرية 6، 39 في المائة. وبطريق بغداد 4، 14 في المائة. وبطريق دده اغاج 3، 53 في المائة. وبطريق بروزة 2، 27 في المائة. وبطريق طرابلس الغرب 1، 67 في المائة. وبطريق الحديدة 1، 61 في المائة. وبطريق جدة 0، 19 في المائة.
وإذا وزعنا مجموع الصادرات والواردات على الأملاك العثمانية في أسيا وأوربا وإفريقيا كان نصيب كل منها كما يلي:
الأستانة وداخلتيها: 34، 78 في المائة من الواردات و19، 38 في المائة من الصادرات. الولايات الأوربية: 18، 71 في المائة من الواردات و18، 18 في المائة من الصادرات. الولايات الأسيوية: 44، 95 في المائة من الواردات و60، 77 في المائة من الصادرات. الولايات الإفريقية: 1، 56 في المائة من الواردات و1، 67 في المائة من الصادرات.
شعر الشهر
تحت هذا العنوان ننشر في كل جزء ما نعثر عليه من شعر الشعراء في مصر والشام والعراق والجزيرة والحجاز واليمن ونجد وتونس وبرقة والجزائر ومراكش ليقف القارئ على أطيب ما قيل وعلى درجة رقي الأدب العربي وإنا نخص هذا الجزء بنموذج من شعر الحكمة والاجتماع قال إبراهيم منيب أفندي الباجه جي.
(مجلة لغة العرب البغدادية م3ص536)
يحصد الإنسان ما قد زرعا ... فازرع الخير وكن منتفعا
والى الشر فلا تركن وكن ... حذراً في فخه أن تقعا
كم وكم صانع للشر قد ... خطفته كف ما قد صنعا
وعظ الناس بما تدري وان ... كنت لا تدري فكن متبعا
تبق ما عشت وان مت على ... ألسن الأيام ذكراً أرفعا
وعلى الدنيا فلا تعتب إذا ... لم تجد من رزقها متسعا
إن في الدنيا اتساعاً للفتى ... في طلاب الرزق لو كان وعى
فاسع في دنياك إن رمت المنى ... سعي مقدام تجده طيعا
حصة العاجز حرمان وان ... ليس للإنسان إلا ما سعى
وقال محمد أفندي الهاشمي في ص 508 أيضاً: كم من شقي في الحياة ... يعد في أهل القبور
الجهل ريح عاصف ... ترمي الشعوب بكل بور
وتظل تعبث بالبلا ... د وبالعواصم والثغور
مهلا بني أمي فلس ... ت على التأخر بالصبور
فلقد نفرت على العرا ... ق وأهله كل النفور
فعثرت والأدبار قد ... يهدي إلى الجد العثور
لا تنذروني يا بني ... أمي بقاصمة الظهور
ما حدت عن قصد الطري ... ق ولا جنحت إلى نفور
وجاء في جريدة اللاذقية (عدد 288) قصيدة تحت عنوان خطرات يعرب بإمضاء (ع. ز) في المعرة منها:
أولاد يعرب أين همة جدكم ... وخلوصه والصدق في العزمات
أين الحمية والمرؤة أين من ... كشفوا ظلام الظلم بالصدمات
سكن الخراب دياركم وبلادكم ... والخزي طاف بكم بست جهات
ونساؤكم هدم التبرج خدرها ... وشبابكم عكفوا على اللذات
وشيوخكم ارسوا سفينة وهمهم ... في أبحر التضليل والترهات
ومدارس كانت مصادر حكمة ... ومساجد بنيت لفعل صلات
بدلت بحانات ودور فواحش ... ومقامر ومراسح القينات
ومنها: والحج يقصده الغبي وجاهل ... وتردد النغمات للجمعات
وارى المدرس كالمدلس ينثني ... متسرعا للخوض في الشبهات
جهل على جهل تركب فانزوى ... دين النبي وبات في غمرات
أيضيع شرع الله بين ظهوركم ... يا أمة خضعت لفتك طغاة
وقال احمد أفندي نسيم في المؤبد (7267) من قصيدة:
لو تعدل الأيام في أبنائها ... ما كان منهم مسعد وفقير
ساء الزمان فليس فيه منعم ... أو مطمئن الجانبين قرير
وإذا تفكر في الحياة اخو نهى ... كره الحياة رساءه التفكير ما زينة الدنيا وزخرف عيشها ... إلا متاع زائل وغرور
وكأن أحداث الزمان إذا طغت ... بحر وأمال النفوس جور
يمسي الجهول مقدراً أرزاقه ... ولدى الإله الرزق والتقدير
ويدبر الدنيا ليسبر غورها ... ولربه في أمره تدبير
وأحب من مثر يجمله الغني ... عاف لآلاء الإله شكور
وتجارة أدنى معارضها التقى ... لتجارة في الله ليس تبور
من يتخذ غير الإله وليجة ... بعدت طرائقه وساء مصير
وقال عبد الحليم أفندي حلمي في العدد نفسه من قصيدة:
من يطلب الخلد فليعمل لسيرته ... يفنى الوجود ولكن تخلد السير
عقائد الشعب أساس فان ضعفت ... هدت ذراه فأمسى وهو منعفر
والناس في العيش أنصاب محركة ... تظل معبودة من حسنها الصور
كأن أرواحهم طير محلقة ... على الرؤوس متى تسنح لهم زجروا
نظل نذكر موتانا بما صنعوا ... إن يذكر الحي موتاه فقد نشروا
وقال الشيخ مصطفى الغلاييني من قصيدة في الإصلاح:
ما يفعل الخلق الكريم تحوطه ... من لؤم أخلاق الملا آجام
بل ما يفيد العلم عند معاشر ... ما في رؤوس عظامهم أحلام
أو ما ينال اخو العلى في بيئة ... للجهل فيها النقض والإبرام؟
وأبو الفضائل روضة حفت بها ... جدر السفاء كأنها آكام
يا للرزيئة من بلاد ضيعت ... أشبالها فاستأسد الأغنام
لم ترع فيها ذمة لرجالها ... والمكرمون بهائم وسوام
ما يبتغي راعي العلى من امة ... للافن فيها حرمة وذمام؟
أسف على وطن اسود عرينه ... هلكت فحلت ربعه الأنعام
تكسى الحقائق فيه ثوب مهانة ... وتسود في أرجائه الأوهام
أبناؤه نبذوا الفضيلة جانباً ... فحياتهم ابد الزمان آثام
إن ينشدوا للمجد أو يتهيئوا ... لملمة فجاهدهم إلمام أو يعزموا أمراً نسوه في غد ... فكأن ما قصدوا له أحلام
أو يدعهم داعي مجانبة العلى ... هبوا إليه وطيشهم زحام
يتسابقون إلى السفاهة شرعاً ... ولهم من الرأي السقيم إمام