مجلة المقتبس/العدد 12/شاه إيران
مجلة المقتبس/العدد 12/شاه إيران
فقدت بلاد فارس صاحبها الحكيم ومدبرها العظيم وأباها البر الرحيم الطيب الذكر مظفر الدين شاه. توفاه الله في الشهر الماضي عقيب مرض طالت به برحاؤه واشتدت عليه بلواؤه. داء النقرس والكليتين. فشق نعيه على كل من عرف ما لاقته أمته في عهده من صلاح الحال وحسن المآل.
ولد في 14 جمادى الثانية سنة 1269 وأمه أميرة من الأسرة المالكة ولما شب أخذ في تلقينه العلوم الابتدائية ثم نصب وهو يافع ولياً للعهد وجعل والياً على أذربيجان وأقام في قاعدتها مدينة تبريز معهد أولياء العهد في الحكومة الفارسية وهناك أخذ يتلقى اللغات والعلوم فاحكم منها الفارسية والعربية والتركية والفرنسية وحذق الرياضيات والعقليات والتاريخ والجغرافيا وفن المدفعية وبقي يمارس أعمال الإدارة تسعاً وثلاثين سنة كان في خلالها مظهر العطف والرأفة ومثال العدل والحكمة حتى يروى أنه كان يقول لا وليت ملكا أبناؤه فيه عبيد.
تولى عرش السلطة في 23 ذي القعدة سنة 1313 وإبان فيها عن دراية واسعة ولقد حاول لأول أمره أن يدخل إلى بلاده من الإصلاحات ما تأمن به عوادي الأغيار ويعيش أهلها في نعيم وغبطة لكنه حاذر من نفوذ رجال الدين والإشراف في مملكته وتعصبهم الذي يمازحه جهل بالحديث وجمود على القديم فعزم أن يمهد لذلك بأن يرحل إلى أوربا ويصحب معه زمرة من رجال قصره وأكابر دولته ليروا بأعينهم ما في الغرب من حضارة رافعة وانتظام شامل فيعودوا وقد تشبعوا بفكر الإصلاح ويكونون يده اليمنى في العون عليه ولكن لم يجد منهم في رحلاته الثلاث ما كان يتوقعه وانصرف هناك معظمهم إلى شهواتهم وما خصوا للنظر فيما يقصد إليه مولاهم ولا نزراً من أوقاتهم ولا أعاروه نظرة من التفاتهم.
حتى إذا كانت هذه السنة نزع جماعة من الأمة في طهران إلى الثورة ولجأ قسم منهم إلى السفارة الإنكليزية وهاجر قسم إلى الأماكن الطاهرة في العراق أو يدخل الشاه الإصلاح المطلوب وعندها وجد وسيلة إلى منح الأمة ما كان يجول في صدره منذ سنين فمنحها الدستور وشرع لها قاعدة الشورى الإسلامية ولقد خاف أن يدركه الأجل ولم تستحكم من مجلس الأمة قواعده ولما اشتد عليه المرض دعا إليه ولي عهده وأمره بأن يوقع على ورقة كان ألقاها إليه فوقع عليها بدون أن يراها تأدباً وقال له هذا هو الدستور الذي منحناه للأمة.
ولما بلغه وهو على فراش الموت أن ولي عهده غير راض عن الدستور سأله عن معنى ذلك فقال له والعبرات تتساقط من مآقيه: أيجدر بالمملوك أن يخالف أمر مولاه.
ومن جملة ما قام به من أعمال الإصلاح أنه تنازل عن راتبه الملوكي وكان خمسة ملايين فرنك فأنزله إلى 75 ألفاً بما له من الثروة العظيمة الخاصة وألغى كثيراً من المكوس والضرائب وأسس في عاصمته مدرستين على الطراز الحديث ليعلم أولاد الفقراء مجاناً وحبس لهما ما يكفيهما من ماله وحث قومه على إنشاء المدارس فنشئت في طهران عشرات من المدارس على الأصول الجديدة وكذلك في معظم المدن الفارسية ما خلا مدارس الحكومة وكان طاب ثراه متديناً غيوراً مفكراً جداً يقرب العلماء والشعراء ويغدق عليهم من جوائزه وعطاياه وهو ثاني ملك شرقي منح أمته الدستور عن طيب خاطر ومات وهو حريص على تنفيذه محاذر أن ينقض ما أبرمه ويهدم ما أقامه. ولذلك كان خطبه جسيماً والأسف عليه عميماً.
أما خلفه الشاه محمد علي فقد ولد في 14 ربيع الثاني سنة 1289 وأقيم ولياً للعهد وحاكماً على أذربيجان يوم وفاة جده ناصر الدين شاه وتولي والده منصة العرش الفارسي وقد تعلم حد الكفاية من العلوم واللغات وهو يعرف العربية والإنكليزية والروسية والفرنسية مولع بالضرب على بعض أدوات الطرب موصوف بالنباهة قوي البنية تغلب عليه حدة الشباب في الأحايين ولعل بلاد الأكاسرة تلاقي منه خير نصير في إتمام ما بدأ به والده من الإصلاحات النافعة في عمران ذلك الملك وارتفاع شأنه.