مجلة الرسالة/العدد 89/أنشودة عبقر
مجلة الرسالة/العدد 89/أنشودة عبقر
لشاعر الشباب السوري أنور العطار
يا مزهري نغم أغاني الهوى ... القلب يعطي والهوى يسأل
أَأَنتِ مِنْ عَبْقَر أُنْشُودَةٌ ... أرْسَلَها منْ رُوحِهِ مُرْسَلُ
أمْ أنتِ دُنْيا حَفَلَتْ بالهوَى ... ياَ طِيبَ ما جاَءتْ بهِ تَحْفِلُ
أَهمُ في حُسِنكِ لا أرْعَوِي ... أنْقُلُ مِنْ نُعْمَاهُ ما أنقُلُ
أَغِيبُ في جَنَّاتِهِ ساَدِراً ... كغَيبْةِ النَّحْلِ إذا يَنْهَلُ
أنتِ نِدَائي في سُجُونِ الدُّجى ... ومَفْزَعِي في الرُّعْبِ وَالمَوْئِلُ
وَجْهُكِ هذا أمْ رُؤى حُلوَةٌ ... وثَغْركِ اللمَّاحُ أمْ سَلسَل
يَفْتِنُني منكِ صِبىً ناضِرٌ ... آذَارُ في أعطاَفِهِ يَرْفُلُ
مُزَوَّقُ الأَفْياءِ يَنْدَى مُنى ... كأنَّهُ منْ ضِحكهِ جَدوَلُ
تَضيعُ في أَمْوَاهِهِ حَسْرَتي ... وما يُعاني القَلْبُ أوْ يَحَمِلُ
تُلْهِمُني عَينَاكِ أنَّ الهوَى ... إذا طغَتْ أوْهَامُهُ يَقْتُلُ
إذاَ احْتَوَاكِ القلْبُ في حُلْمِهِ ... قُلْتُ أَقَلبي أَنْتَ أَمْ جُلْجُلُ
يَظَلُّ منْ لوْعَتِهِ رَاجِفاً ... كما انثَنى واضطربَ السُّنْبُلُ
لوْلاَكِ لم يُسْكِرْ فُؤَادي الأَسى ... ولم يُهَدْهِدْني الهوَى الأولُ
دُنْيايَ إِمَّا غِبْتِ عَنْ نَاظِرِي ... فَوْضى فلاَ سُؤالٌ ولا مَأْملُ
أُحِسُّها صحْرَاء عُرْياَنَةً ... مُوحشةً تُجْوَى وَتُستثقَلُ
لا الانْسُ ضَحَّاكٌ بِساَحاَتِهاَ ... وَليسَ فيها منْ حِمىً يَأهُلُ
أَرُدُّ عنها الطَّرْفَ مُغْرَوْرِقاً ... غَيَّانَ في حَيْرَتِهِ يوُغِل
عِيشي بِقَلبي فرَحاً شاَمِلاً ... وَأَلهِميني منْكِ ماَ يَجْمُلُ
وفَسَّرِي للرُّوحِ لغْزَ الهوَى ... تَكَشِفْ فجَاجاً سُبلُها تُجْهَل
ماَ ضَرَّني إنْ كُنتِ لي أنني ... يَكثُرُ حسَّادي والعُذَّلُ
إنْ جدَّ في شكوْىَ الهوىَ شاعرٌ ... ظَنُّوهُ منْ ضَلَّتِهمْ يَهْزِلُ
يَهُدُّني شَجوِي لكنما ... أظلُّ في غمرتهِ أجذلُ على فَمي قيثَارة تشتكي ... وفي ضُلوعي زَهرةٌ تذْبُلُ
اقتَات بالأوهاَمِ في وَحدةٍ ... الرُّعْبُ فيها شَبَحٌ يمثُلُ
تَطفَحُ بالأهوالِ أرجاؤها ... والفكرُ تيَّاهٌ بها مُجفِلُ
إن خَلَصَت رُوحي مِنْ مَجْهَلٍ ... هَبَّ يُعمَّي قصدَها مَجْهَلُ
تعْمُرُ بالجنَّةِ دَارَتُهُ ... والرَّيْبُ يطغى والسَّنا يأفِلُ
أسيرُ فيه لا الهُدى رائِدي ... وليس لي عنْ خوضِهِ مَزْحَل
أخبطُ في يَهْماَء منْ حَيرَتي ... والليلُ مَرْهُوبُ السُرى ألْيَل
أسمعُ منهُ نغماً مُحزناً ... تصرُّه في أذني الشّمْألُ
اَمامَ عيْنَيَّ دُجىً راعِب ... يَلفّني مِطرَفُهُ المُسَبَل
وَمَنزِلي ناءٍ وَبي مِحنةٌ ... فآه لوْ يَقترِبُ المَنزِلُ
ضججْتُ من مَحْبِسِ هذا الدُّجى ... فَهل يَبينُ النُّور أو يُقبل
أوَّاهُ من مُضطَرَبٍ جاهدٍ ... الغْيْبُ محجوبٌ بهِ مُقفَل
وَوَحشةٍ في القَلْبِ ماَ تمَّحي ... وَظُلمةٍ في النفَّسِ ما تنْصُل
هذي حياتي مِلْؤهاَ حسرةٌ ... وكاهِلي من عِبئها مُثقَل
كأنني في حقلها غَرْسَةٌ ... ذاويةٌ أخطأها المنجلُ
أفردها المقدارُ في عالمٍ ... نعيمهُ الخالِص مُستوْبَل
الرُّوحُ منَّي فقَدتْ تِرْبَها ... فاندَفَعت من همَّها تعْولُ
آناً تَرَاها سَكَنت لا تَعي ... كأنها في صَمتِهاَ الهْيكل
وتارةً كالنارِ جَياشةً ... كأنما يَغلي بها مِرْجَل
كذاكَ أَحيا مُوجعاً ساهِماً ... والموتُ من هذا الضَّنى أمثَل
ياَ طيفْها يرْهِقُ قلبي الأسى ... وأنتَ عني ذاهِلٌ تَغفَل
أحببتها مُغريةً كالدّنا ... لا سحرها يَفْنَى ولا يَبْطُل
تتركُ في النفْسِ أحاديثها ... أعذب مما يترُكُ البُلبُل
أشمُّ منها عالماً عاطراً ... يكادُ من فرْطِ الشَّذا يَثمَل
يا مِزْهَري نَغَّمْ أغاني الهوَى ... القلْبُ يُعطِي والهوى يسَألُ وأنْسِني الدُنيا وأشْجانها ... فمن عَناء العَيشْ ما يُذهِل
وأنت يا مَشْعَلي المُرتَجى ... أضئ لي الآفاق يا مشعَلُ
هذا السّنا الرفّافُ من خاطِري ... واللحْنُ من رُوحي مُسترسَل
دمشق
أنور العطار