مجلة الرسالة/العدد 847/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 847/البَريدُ الأدَبيَ
برلمان الأمم العربية:
يرى الأستاذ السيد علي الشوربجي في العدد الأخير من الرسالة أن فكرة برلمان الأمم العربية خيالية ومستحيلة. أما أنا فلم أخترع الفكرة بل اقتبست نظرية موجودة الآن بالفعل. وما من عملية إلا كانت في الأصل نظرية.
ففكرة الحكم الجمهوري نشأت من قديم الزمان في ذهن الإنسان وتصورها أفلاطون وجربها اليونانيون ففشلت وما زالت تجرب حتى تحققت، وصار الآن معظم أمم العالم جمهوريات، ولا ينقضي قرن حتى يعم الحكم الجمهوري العالم كله بلا استثناء، وأخيراً يصبح كله جمهورية واحدة لأمم متحدة.
الولايات (المتحدة) الأمريكية لم تكن متحدة تحت الحكم البريطاني ولكن لما تحررت من هذا الحكم اتحدت في 13 ولاية والآن صارت 51 ولاية. وقس عليها سويسرا وكندا.
وما قول الأستاذ في برلمان إحدى عشر دولة أوربية انعقد في الشهر الماضي؟ - فهل يرى الآن أن ما استحال في نظره صار ممكناً - وهل يتعذر عليه تصوره كما يتعذر عليه تصور برلمان دولي عربي؟
أنا لم أقترح أتحاداً تاماً كاتحاد الولايات الأمريكية، وإنما اقترحت اتحاداً عسكرياً حربياً فقط لا نجاة بدونه للدول العربية من غارات إسرائيل التي يهددنا بها إسرائيل من اليوم. وكل آت قريب. وإذا كنت قد اقترحت أن يتولى هذا البرلمان سياسة الدولة العربية الخارجية فلأني أخاف من تدخل الدول الأجنبية الذي كان ولا يزال سبب هزيمتنا الفاضحة في حرب فلسطين
فإذا كانت سياستنا الخارجية يتعذر عليها الخضوع لهذا البرلمان في بادئ الأمر فلا بأس في أن تبقى كل دولة مستقلة فيها تحت شرط أن لا تسمح للدول الأجنبية أن تمد أحابيلها إلى هذا البرلمان وتفرتكه.
ثن إن الأستاذ لا يمكنه أن يتصور الدول العربية تنزل من سلطتها الدفاعية لبرلمان الجامعة. وأنا أقول له إن الدول العربية لا تقوم لها قائمة لدى الخطر الصهيوني المثبل إلا إذا تنازعت عن سلطتها الدفاعية لبرلمان يمثلها جميعاً، كما أن الولايات الأمريكية تنازلت عن سلطتها الدفاعية لوزارة الدفاع في واشنطون. لا تستطيع أن تتصور هذا التنازل لأنك مأخوذ بحكم الحاضر. ولكن حكم المستقبل يسهل لك هذا التصور. وإذا أمكنك أن تتصور الخطر الهائل الذي يهددنا به وزير إسرائيل بنغربون أمكنك أن تتصور ضرورة اتحاد الدول العربية في برلمان حربي دفاعي وإلا فاليهود ينفذون ما يقولون. ولا يردهم عن التنفيذ إلا قيام هذا البرلمان. وهم يقولون بصراحة إن ما يفعله العرب في عام نحن نفعله في يوم. فإذا لم نفعل نحن في يوم ما يفعله اليهود في عام تغدونا قبل أن نتعشاهم. فأرجو منك أن توسع دائرة تصورك حتى تشمل هذه الحقائق ولا تكن مثبطاً للعزائم.
ثم إن الأستاذ لا يمكنه أن يتخيل الدول العربية تستطيع أن تدفع من ميزانياتها ذلك المبلغ الضخم الذي لا يقل عن مائتي مليون جنيه (والمقتَرح هو مائة مليون أولا تزاد سنة بعد سنة حسب اللزوم). ولكن إذا لم تدفع الدول العربية هذا المبلغ فستدفعه رغم أنوفها وتدفع أضعافه يوم يستوي الأمر في دولة إسرائيل وتصبح سيدة العرب ومالكة رقابهم وبترولهم وووالخ
وإذا كانت مصر قد أنفقت في نصف سنة في حرب فلسطين أكثر من ستين أو سبعين مليون جنيه أفلا تستطيع الدول العربية كلها أن تجمع مائة مليون للدفاع عن استقلالها واتقاء عبوديتها لإسرائيل؟
تركيا تعد 14 مليوناً من النفوس وميزانية دفاعها تستغرق نصف ميزانيتها لأنها مجندة مليون جندي ولأنها رأت أنها إذا لم تفعل هكذا وقعت بين براثن روسيا وهي على مرمى حجر منها.
يا صاحبي لما وقعت الحرب الكبرى الأخيرة عبأت إنجلترا كل رجل وأمرأة للعمل للحرب ورصدت كل إيراد الشعب الإنجليزي للنفقة. ولولا هذا لوقعت تحت سنابك خيل الألمان. فهذا المبلغ المائة مليون أو المائتان الذي اقترحته ليس ضخماً يا عزيزي بل هي قطرة من بحر النفقات الحربية. فكانت إنجلترا تنفق في الحرب كل يوم 14 مليوناً من الجنيهات وأمريكا تنفق أكثر من ستين مليوناً منها.
إنها لمبالغ ضخمة حقاً كانت تذهب إلى دولة الشيطان. فلا تعجب يا عزيزي. ولعلك لم تر بعد عِبر هذا الدهر فلا تستطيع أن تتصور الآتي منها. وماذا تفعل والجنس البشري قد بطر بل جُنْ، فهو من باذخ مدنيته يقذف بنفسه إلى وادي الهلاك - المدنية تنتحر -
إن ما تراه يا سيدي مستحيلاً يجب أن يكون واقعاً. وإذا بقينا نتخيل الواجبات إلى أمامنا مستحيلات واليهود يتصورونها ممكنات فلا ريب أننا فاقدون استقلالنا وديننا وأخيراً حياتنا.
وأَخيراً أقول لك إذا لم تعمل الأمم العربية كلها لهذه الغاية وتنشئ هذا البرلمان وتسلمه كل السلطة الحربية وتزيل من أمامه كل الصعوبات الداخلية والأجنبية فلا حياة لها. فلتؤبن نفسها منذ اليوم وتبكي حظها.
لو ذكرت لي من أسباب استحالة هذا المشروع الخيانات العربية التي شهدناها في هذه الأيام وما نكبت به الجامعة العربية من خيانات وأشباه خيانات لصدقتك وقلت هذا المشروع مستحيل. نعم بهذه الخيانات يستحيل هذا المشروع. ولكن هل فقد الوجدان العربي قوة التقدير لإمكانيات المستقبل؟ هذا ما يحيرني. . . والسلام عليك.
2ش البورصة الجديدة القاهرة
نقولا الحداد
ابنة الله وعين الله:
في البريد الأدبي للعدد 843 من (الرسالة) كلمة من الأستاذ دسوقي ابراهيم حنفي يسألني فيها جلاء ما غمض عليه في العبارتين الواردتين في مقال لي في مناجاة الشمس وهما. (يا ابنة الله) و (يا عين الله).
إن للنجوى لغتها التي تختلف عن لغة الناس، وشررها الذي يتطاير من الوجد، وضبابها الذي هو سر قوتها وجمالها، وليس من السهل أن نهبط بها من سمائها إلى حيث نخضعها للمقاييس والموازين التي نعرفها ونضعها على مائدة التشريح نقطع ونحلل ما شاء التقطيع والتحليل، فنفقدها الكثير من قوتها ومعناها. إن لها رعشة لها صورها التي قد لا تجد لها إطاراً توحي بها أطياف وأطياف لا نعرف من أمرها إلا أنها مرت بنا وأملت ما شاء لها خيالها أن تملي. . .
كنت مأخوذاً بالشمس وسلطانها يوم ناجيتها، وأصبت بدوار الإعجاب، وتهافتت عليَّ الصور أشكالاً وألواناً، وبينها الصورتان اللتان حملهما إليَّ السائل مستوضحاً. . . فماذا أقول له؟ وكيف أوضح هذا الذي يراه غامضاً؟. . . كل ما لديَّ الآن للايضاح أن الكائنات - والشمس منها - تنبثق عن الخلق فهي مواليده. ولقد تخيل الله الخليقة قبل خلقها فكانت الشمس واحدة من بنات خياله. أما أن الشمس (عين الله)، فإن لله عيوناً والشموس منها ترعى الوجود. وهل الرعاية إلا الرفق والرحمة يتجليان في النور والشعاع. إن الله هو النور لا يرى غير النور، فكيف لا تكون الشمس عين الله؟!
راجي الراعي
اللغة في الإذاعة:
إن المذياع مفصاح فضاح يرسل على الأثير الصوت مبيناً نغماته ونبراته فكان لابد من الاتئاد قبل أن يئود اللسان الثقل، وتراوده الخطأة، فينزلق إلى المجهلة! ونحن لا نتجنى على أحد حينما نشير إلى عدم العناية بضبط الألفاظ، في إفرادها، وإغفال قواعد الإعراب، وبخاصة إذا تنكب الجادة فيها (الخاصة)! وما دامت مصر اللسان الناطق بالعربية الخالصة وجب أن تضرب المثل الأعلى في المحافظة على حفاظها!
وإنا ليعجبنا صنيع مذيعي الإذاعات العربية في الأقطار الشقيقة لشدة تمسكهم باللفظ الموغل في عربيته، من دون ارتضاخه بعجمة مدخولة؛ فقد سمعنا مذيعاً يقول: لقد تقدم الجيش في منطقة كذا بكسر الميم، بينما يصر المصري على فتح الميم وكسر الطاء بقدرة قادرة!. . .
ولا يغيب عنا قول أحدهم: نذيع (آذان) الظهر وخطبة الخطبة؛ فيبدل الأسماع مكان الإسماع! ويحيل الإعلام إلى المسامع!
أما لغة المحاظرات؛ فبينها وبين الإبانة السليمة عداء مستحكم، ما عدا الطبقة الممتازة من أدباء وعلماء العربية؛ فما مرد هذه الظاهرة الأليمة؟ لا نعتقد أن المحاضرين على غير علم بالضوابط اللفظية والإعرابية، فالمفروض فيهم الثقافة التي تخول لهم على أقل تقدير إجادة ما يقرأون، لكنا نرد هذا التقصير إلى عدم العناية، أو إغفال الذهن حين القراءة، أو إغفال أن هناك مستمعين إلى خطايا الأخطاء!
ومن المؤسى تفصح المذيع أو المحاضر إذا أراد التعبير بلغة ذات عجمة، فإنه يرق الحروف، ويدقفها، ويخشى أن تفلت من لسانه فلتة تكون سبة، اعتقاداً منه أن التزامه مخارج الحروف يشير إلى سعة ثقافته!
إن اللغة الإذاعية يجب أن تنأى عن المؤاخذة، فالأداء الصحيح سبيل الإيضاح، وليس هناك ما يضير المذيع أو المحاضر في معاودة قراءة محاضرته أو إذاعته، وكل من في الإذاعة مثقف ثقافة عالية ترتفع به عن الغثاثة والركة والأغلوطة!. . .
وبعد؛ فليس لنا مطمع في الإذاعة حتى نذيع عنها التقصير، وإنما تعمل على التنويه في مقام التنبيه حتى تصل إلى مرتبة الكمال.
(بور سعيد)
أحمد عبد اللطيف بدر
إلى الدكتور م شهاب (باريس):
قرأت كتابك يا صديقي رغم مشاغلي المتعددة، ولكني أرجأت الكتابة عنه ريثما أعود من سفري ليتيسر لي الاستيثاق من بعض المراجع التي يتعذر عليها الحصول هنا.
ولي بعض ملاحظات أرجو أن أرسلها في خطاب خاص بعد أن توضح لي عنوانك بالكامل.
ولا يفوتني أن أشكر لكم هذه الأريحية الكريمة التي أبديتموها نحوي، وقد سرني أن يكون لمقالاتي في الرسالة خلال شهر مايو ويونيه من هذا العام عن (قضايا الشباب بين العلم والفلسفة)، ذلك الأثر الحميد في نفوس إخواننا الشرقيين. وما ذكرتَ من تغير عقيدة بعضهم وتبدل نظرتهم لتلك الفلسفة المنحرفة المتطرفة. . . مما أثار صديقك الفرنسي وزملاءه لدرجة القيام بترجمتها و (العمل على نشرها في فرنسا كمثال لما يمكن أن تستقبل به الفلسفات (الحديثة) في الشرق العربي عموماً والإسلام في الخصوص. . .) الخ
ولسنا نمانع في ذلك يا صديقي - بل إنا نرحب به - ما دمت تعرض علينا تلك الترجمات قبل نشرها أولا بأول.
أما سبب ذلك التركيز الذي رأيتم في مقالاتي تلك فهو ضيق المقام ثم الظروف التي كتبت فيها ذلك البحث؛ فقد لبيت به دعوة من كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول وجهتها إلى جماعات الأبحاث النفسية بها (لألقاء محاضرة عن الشك كإحدى المراحل النفسية) وعقب إلقاء المحاضرة في يوم 4 مايو الماضي - قام بعض أساتذة كلية الآداب من المتعصبين لسلرتر وأثار جدالاً رأينا معه نشر البحث - من غير ما زيادة أو نقصان - لتعم فائدته من جهة وليكون المجال أرحب للأخذ والرد فيه من جهة أخرى، ولم نر أحق بهذا وأجدر من حبيبتنا (الرسالة) منبر الشرق العالمي فآثرناها بتلك المقالات التي انتظمت محاضرتنا المذكورة.
وأظنك معي الآن في أن المجال لم يكن مجال شرح وتفصيل بقدر ما كان مجال إيجاز واستيعاب، فإن هذا الموضوع من السعة والخطورة بحيث تضيق به المجلدات فضلاً عن محاضرة أو بضع مقالات. إلا أني قد راعيت ذلك وتلافيته في كتابي (الاتجاهات الدينية في الفلسفة الحديثة) الذي هيء الجزء الأول منه للطبع في أقرب وقت مستطاع.
هذا وأرجو أن يعينني الله سبحانه على تحقيق رغبتكم وسائر الأصدقاء بمواصلة الكتابة في (الرسالة) عن هذا الموضوع عقب عودتي إلى مصر إن شاء الله وبقيت في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلنسيه - إسبانيا
إبراهيم البطراوي
دراسة الأدب المعاصر:
هل هناك برنامج محدد الأهداف موفق الخطوات لدراسة الأدب المعاصر؟ سؤال خطير يستأهل النظر والأهتمام. وخطورته تنجم عن المشاكل التي ستثار في الكليات التي تعنى بدراسة الأدب العربي. فإن تلك الكليات لم تعن بدراسته في وقت من الأوقات، وقد مضى زمن كان حرياً بأن نرى الأدب المعاصر قد أخذ حيزه في مناهج تلك الكليات - ويرى كثير من الأساتذة أن هذه الدراسة لابد منها لأسباب: فأدباؤنا المعاصرون حريون بأن تدرس آثارهم الخالدة؛ ذلك لأن عصرنا هذا يعتبر من أزهى عصور الأدب العربي، وهم - بحق - دعامة النهضة الأدبية الحديثة. وأتقدم في هذا المقام باقتراح وهو أن تنشأ شعبة خاصة لدراسة الأدب المعاصر في كل كلية من الكليات الثلاث التي تعنى بدراسة الأدب العربي - اللغة العربية - دار العلوم - الآداب - وأرى فوق ذلك أن تكون الدراسة موحدة في تلك الشعب. وجدير بعمداء تلك الكليات أن يدعوا الأساتذة الأعلام إلى إلقاء المحاضرات ليكون الطلبة على اتصال بالحركة الفكرية المعاصرة.
(دميرة)
علي منصور عبد الرزاق