مجلة الرسالة/العدد 827/مسرحية (سليمان الحكيم)
مجلة الرسالة/العدد 827/مسرحية (سليمان الحكيم)
للأستاذ توفيق الحكيم
بقلم الدكتور محمد القصاص
(تتمة)
كنا نتكلم في نهاية المقال السابق عن رأي الأستاذ توفيق الحكيم في أن التراجيدية تقوم على أساس من الدين، ووافقناه على هذا الرأي، وذكرنا أن تلك كانت حالها عند الإغريق. والآن نقول بأن ذلك كان شأن التراجيدية أيضاً في أوربا المسيحية خلال العصور الوسطى. فقد كانت تستعد موضوعاتها من صميم العبادة المسيحية والطقوس الكنسية. ففي بادئ الأمر لم يكن المسرح إلا صورة مكبرة لما يعمل في الكنيسة أثناء القداس لجعله أبلغهم تأثيراً في النفوس، وأشد أسراً للقلوب، وأفعل في استثارة العاطفة. بعد ذلك صارت تمثل حياة ابن الإله في صورة درامية تنفطر لها القلوب، وحياة السيدة العذراء، ومعجزاتهما، ثم معجزات القديسين. ومن بعدهما أخذت الخرافات والأساطير الدينية تغذي التراجيديا بمادتها التي لا تنضب. وكلها أشياء شعبية أليفة للشاهدين، وفي متناول فهم الجميع وإحساسهم. كانت تمتزج بها الدعابة من حين لحين، بل كانت تنزل في بعض الأحيان إلى درجة من السخرية لا تليق بقداسة الدين؛ حتى كانت السلطة الزمنية تضطر إلى التدخل؛ ومع ذلك فقد ظلت الأرض الخصبة التي أزهر عليها المسرح التراجيدي أكثر من ثلاثة قرون هي عصره الذهبي دون جدال.
هل هذا ما يعني الأستاذ توفيق الحكيم عندما يقول بأن التراجيدية لا تقوم إلا على أساس ديني؟ إن كان ذلك مقصوده فإننا نوافقه كل الموافقة. ولكننا نأسف أن نرانا مضطرين إلى التصريح بأن التوفيق قد أخطأه دائماً عند الاختيار، لأن الأستاذ لعله يخلط بين الإيمان والعواطف الدينية من جهة، وبين جدل المتكلمين من أمثال أبي حنيفة، وإبراهيم النظام، وأبي الحسن الأشعري من جهة أخرى، فبدل أن يتخذ موضوع مسرحيته من صميم العاطفة الدينية وما يغذيها من أساطير، وكرامات، ومآس يؤمن المؤمنون بحقيقتها وواقعيتها إيمانهم بالتاريخ والحقائق الكونية، راح يبحث عن هذا الموضوع في الكلام والفلسفة السكولاستية.
أفيظن أن فكرة القضاء والقدر، ولا سيما على النحو الذي يعالجها به في مسرحيته، في وسعها أن تحرك قلب إنسان، أو أن تثير انفعال مؤمن أياً كان؟ الواقع أن الإيمان شيء والفلسفة مهما انحطت شيء آخر. ومع ذلك فقد عرف العالم الإسلامي - على نحو ما - هذا النوع من التمثيل، تمثيل المآسي الدينية في الطرقات والميادين العامة على نحو ما كان يفعل الإغريق القدماء أول عهدهم بالتمثيل. من ذلك مأساة مقتل الحسين، ابن بنت رسول الله (ص) التي يقوم الشيعة في إيران والعراق بتمثيلها يوم عاشوراء من كل عام.
في هذا اليوم يحي عامة الناس من ممثلين ومشاهدين أحداث يوم كربلاء، لا على حقيقتها، بل كما أرادت الأساطير وحماسة الإيمان أن تكون. يحيون هذه الأحداث الجسام التي تجتمع عليها خفقات قلوبهم، وتثير في نفوسهم عواطف اجتماعية، وبفنون في نفوس تكثيلها لشدة امتزاجها بنفوسهم واستيلائها على قلوبهم ولصوقها بإيمانهم. حتى لقد حدثني بعض الأصدقاء ممن شاهدوا هذا اليوم بأن من المشاهدين من نسي نفسه نسياناً تاماً، حتى ليصيب نفسه بأذى قد يودي بحياته على غير شعور منه. على مثل هذه (العواطف الدينية) قامت التراجيديا الإغريقية، وتراجيدية أوربا المسيحية حتى عهد كرني. وهذه العواطف الدينية هي التي يجب أن تكون أساساً للتراجيدية، هذه العواطف التي تلهب النفوس وتجمع بين القلوب، لا جدل المتكلمين ومذاهب الفلاسفة السكولستيين، كما فعل مؤلف سليمان الحكيم، خلطاً منه بين العاطفة الدينية، وبين الجدل حول الدين الذي لم يمس يوماً قلب إنسان، وقد ينبو عنه في عصرنا الحاضر عقل كل إنسان.
فإذا رأى الأستاذ الحكيم أن هذه المواضيع الدينية الساذجة أصبحت شيئاً بالياً، وأن على الكاتب أن يشغل قلمه بما هو أجدى في عصر طغى فيه جد الحياة وقسوة العمل، فليترك إذن ميدان التراجيديا لتموت في هدوء كما هي حالها في كل مكان من بلاد الغرب، ولينزل إلى ميدان (الدرامة) ميدان الحياة الاجتماعية، إلى العالم الذي نعيش فيه، فيصفه لنا بخيره وشره، وإلى العالم الذي يريد لنا أن نعيش فيه، فيهدينا إلى طريقه، سواء أكان ذلك في ميدان العمل أم في ميدان الروح، في ميدان الاجتماع أم في ميدان الميتافيزيقة. أما أن يصر على التراديجية وهو يبتعد عن موضوعها على غير شعور منه لأن نفسه غير مهيأة له، فتلك خسارة كبرى على فن توفيق الحكيم، وهو فنان كبير، وتبديد لمواهبه في الهباء، وهو ذو مواهب حقة لا نظن أحداً يشك في قيمتها.
ومن أفدح ما أصاب فن الأستاذ الحكيم في القصة التي تدرسها من جراء الفكرة التي تقوم عليها، والتي دفع الكاتب إليها تشبثه بالتراديجية مع بعده عن الصواب في إدراكه للأسس التي تقوم عليها وإغراقه في حب التفلسف، أن جاءت روايته غير قابلة للتحقيق المسرحي لخلوها مما يثير قلب الإنسان أو يتصل بنفسه، وبعدها عن واقع الناس والحياة الحقيقية، والظاهر أنه يدافع عن هذا المذهب، ويعده مذهباً مقبولاً، أعني كتابة أدب مسرحي، وعمل روايات مسرحية، لا لتمثل بل لتقرأ في أوقات الفراغ. ففضلا عن تجلي هذه الظاهرة في (سليمان الحكيم) نراه يقول في مقدمته (لأوديب الملك): (وأعني بالمسرح هنا كل فن يرمي إلى تصوير الأشياء والأفكار على خشبة أو شاشة أو موجة أو صحيفة. . . بأن يقيمها حية تتحادث وتتحاور وتبرز مكنون سرها أمام الناظر أو السامع أو القارئ) ولكنا - كما قلنا في مقال سابق - إذا سلمنا بأن الأدب المسرحي فن من فنون الأدب قائم بذاته، وجب علينا أن نسلم بأن ميزة هذا الفن إنما هي في الصفات التي تمكنه من التحقق في الخارج، من اللعب على خشبة المسرح. لذلك قلنا أنه إذا تأتى له ألا يكون أدبياً فلا يصبح له بحال من الأحوال إلا يكون مسرحياً. هذا هو شرط المسرحية الأول بل حدها. فأول الأضرار التي أصابت المسرحية من جراء الفكرة التي حملها المؤلف إياها، إنما جاءت مسرحيته لا تمت بشيء إلى قلب الجمهور وعقله، مسرحية لا تحرك فيه عاطفة ولا صدى لعاطفة وهذا ضرر لا يستهان به لأنه جعل منها قصة غير تمثيلية ولكن في صورة حوار.
أما الضرر الثاني فلا يقل خطورة عن الأول، وهو انعدام الشخصيات في المسرحية، انعدام ما يميز بعضها من بعض تمييزاً ذاتياً. إذا لا تكاد توجد بينها شخصية واحدة تصدر في مسلكها في الحياة عن بواعث نفسية وإرادة إنسانية، عن تقدير شخصي، وعن عواطف وميول ودوافع داخلية هي ملك لها وجزء من كيانها المعنوي، وتمييزها عن غيرها من أبناء جنسها وتلون مسلكها في الحياة بألوان تختلف عما عند الآخرين اختلافاً قد يكون كبيراً وقد يكون طفيفاً ولكنه جوهري وذو خطورة عظمى، لأنه هو الذي يهب الإنسان إنسانيته ويسبغ على كل فرد فرديته. وهو الذي يجعل من كل إنسان كوناً شاملا شاسعا غامضاً يستحق الدراسة والتأمل، كوناً منطقياً تارة وغير منطقي تارة، تتصارع فيه الأهواء والعواطف والشهوات والأفكار وجميع العوامل النفسية والانعكاسات الخارجية. من هذا الصراع الداخلي، جلياً كان أو خفياً، ومن اصطدام حرية الفرد بحرية الآخرين؛ ومن نضاله ضد القوانين الكون الراسخة، تنفجر درامة الحياة الواقعية بما فيها من مآس ومهازل وأبطال هم بنو الإنسان جميعاً. وكلهم شاهد، وكلهم ممثل. وكلهم يلعب دوراً أصيلا في الدرامة؛ دوراً لا يلغى شخصيته ولو كان ملغى الشخصية، ولا يجعل منه نسخة من الآخرين لأنه يصدر في عمله عن نفسه، عما فيه من صفات؛ حتى عندما يحاكي الآخرين؛ لأنه وجود إنساني له كيانه. درامة الحياة هذه هي التي يجدر بالكتاب المسرحي أن ينقلها على المسرح كما يراها بعينه وكما يدركها هو؛ ينقلها بأبطالها بعد أن بتقمصهم الممثلون.
أما شخصيات الأستاذ توفيق الحكيم في رواية سليمان الحكيم فهي أشبه بالآلات؛ تأتيها الحياة من خارجها بدل من أن تنبثق من داخلها؛ وتفرض عليها الحركة من السماء فرضاً بدلا من أن تخلق هي الحركة؛ لذلك كانت كلها بسيطة متجانسة تجانس حبات القمح، حتى عندما تبدو مختلفة بعض الشيء. وذلك لأن أفعالها وتصميمها غير ذاتية. ومرجع هذا كله، مرجع انعدام الصراع وعدم التميز والحياة الحقيقية في شخصيات سليمان الحكيم إنما هو إلى دعوى المؤلف أن الحب وسائر أمور القلب، بل كل وازع خلقي وكل ما يستطاع الحكم به على سلوك الفرد والجماعة إنما هو اثر لقدر صارم يضرب ضربته حيث يريد هو، لا حيث نريد نحن. وتلك عقبة كبرى تحول بين القصة وبين المسرح، لأن المسرح كما قلنا يشترط الحياة والحركة، الحركة الداخلية والحركة الخارجية، والارتباط بين هذه وتلك. ولكنا إذا أخذنا أبطال الحكيم واحداً واحداً، وقذفنا بهم خارج الرواية لنحل محلهم أفراداً غيرهم أياً كانوا، لبلغت الرواية نفس النتيجة التي بلغتها ولما تغير شيء في الوجود، مادامت القوة الخفية هي القوة الخفية والإطار المادي الذي يحيط بهم هو هو لم يتغير. فهي أشخاص تشبه العرائس الخشبية قد تصدر عنها حركات بهلوانية عجيبة، ولكن الفضل فيها يرجع إلى اليد الخفية التي تحركها من وراء الستار. وإلا فهل يمكن لإنسان، ولو كان المؤلف نفسه، أن يستخرج لنا من قصة سليمان الحكيم صورة لسليمان نتبين فيها أنموذجا بشرياً خاصاً؛ أو حتى صورة إنسانية شائعة؟ وأرجو من القارئ الكريم ألا يخلط بين ما قد يكون في ذهنه من صورة لسليمان الذي عرفه في النصوص القديمة وصورة سليمان الذي نفتش عنه عبثاً في القصة.
فلسنا نعرف شيئاً عن باطن سليمان، ولا عن مذهبه في الحياة إن كان له فيها مذهب، ولا عن وازعه الخلقي، ولا عن صلة كل هذا بما يظهر من أعماله في الحياة الخارجية وبحظه فيها من سعادة وشقاء له ولمن يحيط به. بل كل ما نعرفه عنه أنه أوتي الحكمة والثراء، وأنه أحب بلقيس قضاء وقدراً، وأن بلقيس لم تحبه قضاء وقدراً أيضاً، فسعى له العفريت لاستمالة قلبها إليه بالوسائل التي نعرفها في القصة؛ فلما لم يفلح علم أن كل شيء بقضاء وقدر. ويمكننا أن نقول نفس الشيء بالنسبة لبلقيس ومنذر وغيرها، فبلقيس أحبت منذراً دون أن يحبها، فسعت لاستمالة قلبه إليها على غير جدوى، وبقدرة قادر استبان لها أن كل ذلك كان بقضاء وقدر. وأحب الصياد الجارية التي اشتراها بماله ولم تحبه، فسرحها من فوره، ولم يحاول أن يستميلها إليه كما فعل سليمان، وعرف من البداية أن كل ذلك بقضاء وقدر. عرف ذلك لأنه لم يعط ما أعطى لسليمان من القدرة التي تحجب المعرفة عن الإنسان وتجنح به دائماً - على ما يفهم من الفلسفة الأستاذ الحكيم - إلى أن يسيء استعمالها فيحاول المحال. يقول على لسان سليمان: (هي القوة يا بلقيس تغمض بصائرنا أحياناً عن رؤية عجزنا الآدمي، وتنينا ما منحنا من حكمة، وتزين لنا المضي في كفاح لا أمل فيه. . . فنسير بغرورنا تحت نظرات الرب الساخرة. . . آه يا بلقيس ليس يخشى شيء على الحكمة غير القدرة. . . الآن أدرك لماذا أعطاني ربي وهو السلطان والغنى والقدرة إلى جانب ما سألت وهو التمييز والحكمة). فليس يتميز الإنسان إذن إلا بما يحوطه من مظاهر الحياة الخارجية.
وكان الطبيعي أن تؤدي تفاهة الشخصيات وسطحيتها إلى خلوها من الصراع الداخلي (من أي نوع كان) خلواً يكاد يكون تاماً. أما الصراع الخارجي، صراع الإنسان ضد القوة الخفية التي أراد الكاتب الكريم أن يجعلها أساساً لمسرحيته، فلا يكاد يحسه القارئ في شيء؛ لأن الإنسان فيها إذا صارع هذه القوة، لم يفعله إلا بوحي من هذه القوة نفسها، وكان صراعه معها أقرب إلى العبث منه إلى الجد، لأنه صراع مدبر مصطنع، صراع الملهاة لا صراع المأساة، صادر من شخصيات سلبية، إذا صح لنا أن نستعمل هذا التعبير. وإذا خلت التراجيدية من الصراع، فقد فقدت كيانها كما يذهب الأستاذ الحكيم نفسه في رأيه الذي أشرنا إليه في المقال السابق. وكانت نتيجة كل ذلك لصوق الرواية بحروفها، وضحالة حوارها وجموده. نعم نحن لا نخفي إعجابنا الشديد بمهارة الأستاذ النادرة في إدارة الحوار، وقدرته الفذة في جعله يتتابع بعضه من بعض سلساً كالماء، دون أن يبدو فيه أدنى تكلف. ولكنه خلو من الحياة والحركة؛ إذ كان أصحابه شخصيات مجردة منهما. وذلك يجعل إحساسنا بوجود تلك الشخصيات الإنسانية التي مسخت أحجاراً؛ فجاء حوارهم حواراً غير مسرحي، وصار الكتاب من الوجهة الفنية، أشبه بمحاورات أفلاطون مثلا منه برواية تمثيلية. فلولا تدخل الكاتب في كل حين ليلقي بحكمه وأحكامه الحلقية والميتافيزيقية لتعذر على القارئ فهم غرضه من روايته ونظرته للحياة. من مجرد تتبعه لمسلك أبطاله النفسي (إذا سلمنا بأن في الرواية ما يشعر بما يبدو في طوايا نفوسهم) والخارجي. ولعل الفصلين السادس والسابع من الرواية خير شاهد على ما نقول، ففيهما يحاول الأستاذ أن يلخص وجهة نظره، ويحرر دعواه الفلسفية، ويستخلص مغزى قصته، التي كان قد نوى أن تحملها عنه أحداث الرواية إلى القراء والشاهدين؛ يفعل ذلك على نحو ما يفعل مؤلفو الدراسات والرسائل العلمية فيما يسمونه بالخاتمة ولكنه يرسله على شكل حوار على لسان أبطاله. والواقع أن هذا العمل ضروري لإيضاح مقاصد المسرحية ولكنه عمل غير مسرحي.
والآن إذا أردنا أن نجمل في سطور ما فصلناه في مقالاتنا الثلاثة قلنا بأن أساس الفكرة التي بنا عليها الأستاذ توفيق الحكيم قصته غير سديد، ولا سيما أن استخراج هذه الفكرة من وقائع المسرحية أمر عسير، بل قد توحي هذه الوقائع نفسها على ما فيها من بعد عن واقع الحياة الحقيقي - بعكس الفكرة المدعاة، وفي تلك الحياة يبدو التناقض من وقائع الرواية وبين الحكم والأحكام التي ينطق بها المؤلف أبطاله. ولما كانت فكرة الرواية غير جديرة بإثارة الجمهور أو تحريك عواطفه، كان حظ الرواية من النجاح في التمثيل ضئيلا. وإذا أضفنا إلى ذلك تفاهة شخصياتها وحرمانهم من الحركة الذاتية، نقول كل هذه الأشياء مجتمعة تبعد عن الرواية صفة المسرحية الحقة بعداً شاسعاً. كما أن اطمئنان الأشخاص النفسي، إلا فيما يضيف المؤلف في حكمه على لسانها من قلق لا يظهر أثرها في مسلكها في الحياة، مما جعل الرواية خالية من كل صراع.
وبعد فتلك دراسة إجمالية للرواية لا ندعي لها الشمول؛ فقد تركنا التفاصيل جانباً، ولم نهتم بتحليل حوارها، وبيان مقدار ما فيها من ملائمة بين أصلها ومعانيها. وإذا كنا قد سجلنا عليها بعض المآخذ، فإننا نعترف لمؤلفها الكاتب الكبير بأصالة فنه، وصدق فهمه للأدب فهماً يختلف عما هو شائع لدى كثير من كتابنا - ولا سيما في باب القصة - من أن الأدب فن مهارة وحذق يهدف إلى توليد المعاني المبتكرة البراقة المعجبة وخلق المفاجآت العجيبة المسلية دون أن يكون فيه أثر لنماء الفكر الجدية. وإذا كان ذلك حكمنا على سليمان الحكيم، فإننا نعتقد أن أدب الأستاذ توفيق الحكيم وفنه أوسع وأخطر من أن يمثلها كتاب واحد من كتبه. لذلك نرجو أن تتاح لنا فرصة قريبة ندرسه فيها دراسة تليق بمكانه في نفوسنا ومقامه في نهضتنا الأدبية. ونرجو أن تحتل هذه الدراسة مكانها في كتابنا عن المسرح في مصر الذي نعمل على إخراجه إن شاء الله.
محمد القصاص
دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة باريس