انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 782/وارسو نقطة ارتباط بين موسكو وتل أبيب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 782/وارسو نقطة ارتباط بين موسكو وتل أبيب

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 06 - 1948



للأستاذ نقولا الحداد

قلنا غير مرة إن الصهيونية والشيوعية أقنومان لعنصر واحد فما صدقوا، ونقولها مرة أخرى بالدليل المحسوس.

بين يهود فلسطين القدماء والجدد نحو 45 بالمائة بولونيون، أي نحو 350 ألفا تسربوا إلى البلاد، قليلهم قبل الحرب وكثيرهم في أثنائها وبعدها. وفي وارسوا عاصمة بولونيا المقام الرئيسي للصهيونية. وما الوكالة الصهيونية في فلسطين إلا فرع لتلك. والأصل البولوني أصبح نقطة ارتباط بين موسكو وتل أبيب. لأن الصهيونية لما رأوا أن قضية دولتهم المنتظرة أصبحت في الميزان صاروا كالأخطبوط. يمدون أيديهم إلى كل مكان لكي يتمسكوا ويتشبثوا.

لما رأوا أن بريطانيا لا تستطيع أن تضمن لهم دولة إسرائيل لأنها لا تريد أن تبيع صداقة العرب بخيانات صهيون، رأوا أن يعتصموا بدولة السوفيت لعلها تشد أزرهم، أو أنهم بهذا الاعتصام يتهددون بريطانيا وأمريكا عدوتي روسيا.

ولكن السوفيت عدوة الرأسمالية، واليهود أمراء الرأسمالية، فليس سهلا التوفيق بين إسرائيل والسوفيت. ولذلك

نشأت نقطة الارتباط بين الجانبين في وارسو عاصمة بولونيا، وتولت الوكالة الصهيونية هناك مزج الزيت بالماء. فكانت تعاليمها ليهود فلسطين الجدد أن ينظموا أحوالهم طبقا لاشتراكية كارل ماركس ما استطاعوا إلى هذا سبيلا. ففعلوا ذلك في معظم مستعمراتهم المستجدة. فإذا زرت أية مستعمرة صهيونية في فلسطين رأيت سكانها مشتركين في الإنتاج والإنفاق، حتى إنك تراهم في المستعمرات الصغيرة يأكلون على مائدة واحدة على اختلاف أسرهم، كا فعل الأثنينون القدماء ردحا من الزمن حين كانوا يجربون الجهورية. فعل اليهود هذا في فلسطين، حتى إذا زار مستعمراتهم هذه شيوعيون روسيون أرسلوا تقارير إلى موسكو عن نظامهم هذا إقناعا لحكومة ستالين بأن الشعب الصهيوني ليس رأسماليا.

وكانت الوكالة اليهودية في وارسو تحاول أن تقنع موسكو بهذا الواقع. وكانت عصابة شترن تقوم بالدعاية لهذا الوضع، وكانت فظائع العصابات الصهيونية تتطاول على الانتداب البريطاني كما هو معلوم، فتفظع في الجنود البريطانيين وغير الجنود لكي يظهر لروسيا أن الصهيونيين هم أعدائها. ولهذا سهل على الوكالة الصهيونية الرئيسية في وارسو أن تقنع روسيا بأن إسرائيل إن تكونت، تكون خير نصرائها ضد إنكلترا وأمريكا، وأن بترول الشرق الأوسط الذي يقتتل عليه الشرق والغرب يتسرب إلى موسكو في أنابيب الصهيونية ولما طرحت المسألة الصهيونية في هيئة الأمم كان الارتباط بني موسكو وتل أبيب عن يد وارسو قد تمكن بدليل أنه اقترح مشروع التقسيم المشئوم في الهيئة حتى وثب جروميكو مندوب روسيا وثبة الفهد على الفريسة وأعلن موافعة روسيا على التقسيم. والعقل الأنجلوسكسوني في بريطانيا وأمريكا بطئ الفهم فما حسب حساب هذه الوثبة. لعل كادوجان ممثل إنكلترا حسبه. وأما ترومان فما بالى ولسان حاله يقول: ظفرت بكرسي الرئاسة فبعدي الطوفان. ولكنه غير ظافر بالكرسي والطوفان مغرقه على كل حال.

شعر الساسة الإنكليز باللعبة الصهيونية السوفيتية. فبينما كانت الوكالة الصهيونية في وارسو تعمل علمها كانت بريطانيا قد أوفدت الجنرال كليتن برسالة غير رسمية يطوف بها على العوالم العربية، وهو يعرف اللغة العربية جيدا، ويحاول أن يقنع أساطين العرب أنه خير لهم أن يلوذوا بإنكلترا فهي خير نصير لهم. ولكنهم أفهموه أنهم لا يثقون بكلمة إنكلترا بعد أن كذبت مرارا وقالوا: (الصيف ضيعت اللبن)

على أن العرب عملوا بالقول السائل: (ما حك جلدك مثل ظفرك) فاتكلوا على الله ووحدوا كلمتهم وقابلوا كل قوة ضدهم صهيونية وغير صهيونية بالحزم والعزم، فإذا لم تتخابث الدول الأجنبية فهم منصرون بإذن الله.

إن الارتباط بين موسكو وتل أبيب لا يزال على شئ من الوهن لأن موسكو لا تثق كل الثقة باليهود ولو أرتموا ف يأحضانها، لأنها رأت وترى كل يوم أدلة على خياناتهم، فما يمنونها به من المنافع البترولية والاستراتيجية غير مضمون. ولذلك تعطف عليهم بحساب: حسبهم أنها أول من اعترف بدولة إسرائيل. وكان بعض رجال الدولة المزيفة يزورون وارسو في الآونة الأخيرة ساعين في طلب مساعدة روسيا، ومنهم موسى سنيخ المتطرف فقد قضى أخيرا في وارسو أسبوعين لهذا الغرض.

وعصابة شترن الإرهابية أشد العصابات الصهيونية اعتدادا بالمعونة الروسية واعتزازا بالشيوعية. ولذلك تستنكر أن يكون الزعم ويزمان على رأس الجمهورية الإسرائيلية الملفقة، لأنه لا يجحد الراسمالية بل يؤيد. فيخافون أن رئاسته لجمهورية إسرائيل تنفر روسيا.

وفي أوسط أبريل الماضي احتفل يهود بولندا بذكرى تدمير النازي لحي اليهود في وراسو سنة 1943 وترأس الحفلة أدولف برمان وهو أخو جاكوب برمان أحد وزراء بولونيا. وله وظيفة الرقابة غير الرسمية من قبل المكتب السياسي الروسي.

وقد انتهز المحتفلون الفرصة وعقدوا اجتماعا سريا مثل نحو 20 وفدا، منهم وفد فلسطين برئاسة رومان لامبوسكي ممثل المكتب السياسي في بولونيا.

وأبلغ رومان الحضور أن روسيا لا تدخر وسعا في جعل فلسطين دولة يهودية وأن تكون مرتبطة بها ارتباط الابن بالأب. ثم حرض الحاضرين على مقاومة الاستعمار البريطاني والأمريكي كلما سنحت الفرصة للقاومة.

فإلى أي حد تناصر روسيا الصهيونية؟

سيظهر هذا في الليالي الحبالى القادمة.

نقولا الحداد