انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 774/من علامات الساعة. . . .!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 774/من علامات الساعة. . . .!

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 05 - 1948


من علامات الساعة أن يتشجع اليهودي فيحمل سلاحاً ويشهد حرباً ويحرز نصراً ويحتل مدينة!

ومن علامات الساعة أن يخرج اليهودي من البنك إلى الثكنة، ومن الدكان إلى الميدان، ليحارب العرب على فلسطين، ويثأر لإفرنج من صلاح الدين!!

ومن علامات الساعة أن يكون لليهود جيش ينتصر على العرب في حيفا، وعلم يرفرف على المسجد في يافا، ودولة تريد أن تقوم في القدس!!

كذلك من علامات الساعة أن ينهزم العربي أمام اليهودي ولو ظاهرته مادية الأمريكان وخديعة الإنجليز وشيوعية الروس؛ فإن الثعلب يحسبه أن يشم ريح الأسد من بعيد ليجحر، وإن الفأر يحسبه أن يبصر الهر من فوق الجدار ليسقط!

يا لله ماذا نرى؟ نرى الألوف من نساء العرب وأطفال العرب يخرجون من ديارهم مشردين في البر والبحر؛ يلتمسون في الشام المأوى، ويطلبون في مصر الأمن، وأهلوهم مصر عون ثرى الوطن الحبيب السليب بعد أن قذفوا في صدر العدو آخر رصاصة، ودفعوا غائلة الجوع بآخر كسرة، وافتدوا وطن الآباء بآخر رمق!

يا لله ماذا تسمع؟ نسمع أن تل أبيب تحكم يافا، وأن راية صهيون تخفق على مسجد (حسن بك)، وأن بني إسرائيل يذبحون الأبناء ويستحيون النساء في دير ياسين!

لقد سمعنا أن اليهود يحتلون البلاد بالنساء والذهب، ولكننا لم نسمع قبل اليوم أنهم يحتلونها بالرجال والحديد!!

ماذا جرى حتى استجملت الناقة يا يهود، وماذا جرى حتى استنوق الجمل يا عرب؟! جرى أن اليهود يعملون ونحن نقول، ويجدون ونحن نهزل، ويبذلون ونحن نبخل، ويتعاونون ونحن نتخاذل، ويتكلمون ونحن نتواكل!

للجامعة العربية في كل شهر مؤتمر، وفي كل أسبوع مجتمع، وفي كل يوم قرار، وفي كل ساعة تصريح، وفي كل دقيقة خطبة؛ وكل أولئك يحمله الهواء إلى المجاهدون المجاهدين أصواتا لا تدفع سيارة، ولا ترفع طائرة، ولا تحشو مدفعاً، ولا تملأ بطنا، ولا تبعث قوة، فإذا جاء يوم العمل نظر بعضهم إلى بعض، فإذا الأول واقف لأن ترومان لم يتقدم، وإذا الثاني ساكت لأن بيفن لم يتكلم، وإذا الثالث مترجح لأن الآخرين لم يستقروا على رأي كنا قبل أن تنشأ (الجامعة العربية) أهواء متشعبة وآراء متضاربة وقوى متفرقة؛ فكنا نجد ذرنا في هذا الانقسام، ونعزو فشلنا إلى هذه الفرقة، ونهدد خصمنا بأن في جمعتنا الخلاص منه، وفي وحدتنا القضاء عليه؛ فلما أذن الله لأوطاننا أن تتصل، ولدولنا أن تتحد، ابتلانا بمحنة فلسطين ليعلم العدو المتربص ما وراء العربي إذا تجمع شمله، وما غناء الإسلام تجدد حبله

فالجامعة العربية اليوم في ميزان الأقدار وامتحان الشدائد؛ فإذا رجحت كفتها على اليهودية رجحت في كل أمة، وإذا ثبت معدنها على المحك في هذه الأزمة ثبت في كل أزمة.

إن مستقبلنا رهن بهذه المعركة؛ فإذا كسبناها كسبنا جل ما نبغي، وإذا خسرناها خسرنا كل ما نملك. ذلك لأن اليهود لا يستطيعون أن يقيموا لهم دولة في فلسطين إلا على عمد من الجهة الغربية أو الجبهة الشرقية. وأيا ما تكن هذه العمد فإنها التدمير والتكفير والفوضى إذا كانت شيوعية، وإنها الاستعمار والاستئثار والبلوى إذا كانت رأسمالية.

أحمد حسن الزيات