مجلة الرسالة/العدد 774/الصحافة في الميثاق الصهيوني
مجلة الرسالة/العدد 774/الصحافة في الميثاق الصهيوني
للأستاذ نقولا الحداد
قرأت أخيرا أن في العراق حركة صحفية هائلة؛ فقد صدرت تصريحات لجرائد جديدة عديدة، وأنبئنا بصراحة أن لليهود نفوذاً كبيراً فيها. وإذا كان اليهود قد مدوا أنوفهم للجرائد العراقية فلا بدع أن يفعلوا هنا في مصرا كثر من هذا وأجهر. عندنا هنا أربع جرائد إفرنجية صهيونية، ومجلة عربية شهرية. وفي كل جريدة من جرائدنا المحلية العربية صهيوني أو أكثر يسيطر عليها لقاء خدمة اقتصادية هي استجداء الإعلانات لها من أرباب المصالح اليهودية عن يد شركة الإعلانات الشرقية وهي صهيونية
وقيل لنا بالأمس إن إحدى جرائدنا الكبرى قد باعت 49 بالمئة من قيمتها لشركة الإعلانات الشرقية، وما بقى منها إلا اثنان بالمئة لكي تتحول السيطرة القانونية عليها إلى الشركة المذكورة، ولكن الشركة لا تعجز عن الحصول عليها بأية الطرق، فيصبح عنق تلك الجريدة الموقرة تحت نير الصهيونية تفلح به الدعاية الصهيونية على كيفها. ثم ما لبثنا أن قيل لنا إن الجريدة نفسها اشترت الشركة كلها. ثم قيل لنا إن الجريدة والشركة اندمجتا معاً في شركة واحدة، ولا اعتبار لأي الفريقين أثقل بدا في الشركة المزدوجة، لأن الموظفين الذين كانوا يديرون الحركة في شركة الإعلانات لا يزالون فيها وكلهم يهود. فهي شركة محايدة صورية وصهيونية فعلا كل هذا لا يهمنا كثيراً إلا أننا نعلم أن الصهيونية بسطوا يدهم على رأس الصحافة العربية المصرية. حدث هذا في الوقت الذي نسخط فيه على الصحافة الأمريكية التي أصبحت تحت سلطان الصهيونيين وصار الرأي العام الأمريكي للمئة وخمسة وثلاثين مليونا من الأمريكان بقيادة الصهيونيين. فإذا بقيت أصابع الأخطبوط الصهيوني تتغلغل في الرأي العام العربي أصبح العرب خضعا وسجدا عقلا وإحساسا واقتصاداً للنفوذ الصهيوني وإليك الميثاق الثاني عشر من برنامج الصهيونيين في الصحافة: البند الأول: إن كلمة (حرية) التي تفسر تفسيرات مختلفة نحن نفسرها هكذا:
البند 2 - الحرية هي أن يكون ذلك الحق أن تفعل ما يخوله لك القانون. إن هذا التفسير يكون في أكثر الأحيان العادية خادما لنا لأن القانون في يدنا بل نحن القانون. القانون ينفى أو يثبت ما نحن راغبون فيه طبقا لبرنامجنا. فإذا الحرية بأي معنى تكون في يدنا.
البند 3 - تستخدم الصحافة هكذا:
ما هو الدور الذي تلعبه الصحافة اليوم؟ الصحافة تثير العواطف التي تقتضيها غايتنا، وتهيج الاحساسات التي تخدم أنانية الأحزاب وغاياتها. والجمهور لا يعلم ولا يفهم ماذا تخدم الصحافة من الأغراض الحزبية السخيفة التافهة الباردة. نحن نسرج الشعب ونلقى على ظهره البرذعة وكذا نفعل بحاصلات المطابع والصحافة. وإلا فكيف نرد هجمات الصحافة إذا كنا أهدافا للكتب والرسالات التي تهاجمنا؟ إن نتاج الدعايات التي تستوجب النفقات الثقيلة بسبب ضرورة الرقابة عليها ستكون موردا كبيرا لدولتنا لأننا سنفرض عليها ضريبة طوابع خاصة ونطلب من أصحابها ضمانات مالية قبل أن تصدر، ورخصة لكل صحيفة ومطبعة، وهذا الإجراء يكون ضمانة لحكومتنا ضد كل هجوم نضرب غرامة ثقيلة بلا رحمة ولا شفقة. ولا يخفى أن الأحزاب لا تبخل على الجرائد بالنفقات اللازمة لها لأجل الدعاية. وإنما يمكننا أن نقفل أفواه هذه الدعايات ضدنا عند ثاني هجوم تهجمه علينا؛ بمعاقبتها بالغرامة الثقيلة لا أحد يجرأ أن يضع إصبعه على فم معصومية حكومتنا، وعندنا عذر لإغلاق أية جريدة أو مطبعة، وهي إننا ندعي أن الجريدة تقلق الرأي العام وتهيجه بلا مبرر.
(يقول خطيب جلسة الحكماء) - أرجو أن تلاحظوا أن يكون لهؤلاء المهاجمين لنا محررون لجرائد نحن أنشأناها ولكنها لا نهاجم إلا نقطاً في سياستنا وإجراً آتتا. كنا قبلا قد قررنا تنقيحها وتغييرها، فكأنها تهاجم الريح.
البند 4 - لا يذاع على الجمهور أية إذاعة إلا بإرادتنا وتحت سيطرتنا. إن الأنباء والمنشورات حتى اليوم هي تحت سيطرتنا، لأن جميع أنباء العالم مركزة في مركزة في مراكز خاصة تتهافت إليها الأخبار من جميع أقاصي الأرض وتتوزع منها إلى جميع أنحاء العالم، وجميع وكالات هذه المراكز في أيدنا فتذيع ما نمليه نحن عليه.
(يمكنك أن تقول إن هذا الحاصل اليوم).
البند 6 - فلنوجه الآن أنظارنا إلى مستقبل الصحافة: كل من يرغب أن يكون ناشراً أو كاتبا أو طابعا يجب أن يكون حاصلا على دبلوم من جامعة أو مدرسة مختصة بتخريج الناشرين والكتاب. وبحسب قانون هذا الدبلوم يمنع الناشر من النشر عند أول خطأيرتكبه.
هذه التدابير تكون وسيلة ثقافية في أيدي حكومتنا التي لا تسمح للجمهور أن يقاد في غير الطريق الذي نرسمه نحن إلى بركات النجاح. هل يوجد واحد منا يجهل أن هذه البركات الخيالية هي السبيل المؤدي رأسا إلى المتخيلات التي تلد علائق الفوضوية بين الناس وبينهم وبين الحكومة؛ لأن الرقى أو قصور الرقى يدخل إلى الحكومة فكرة التحرير، ولكنه يعجز عن إقامة حدود للتحرر، وجميع الذين يدعون أنهم أحرار هم فوضويون ولو بالفكر، وكل واحد منهم يحاول أن يتصيد طيف الحرية، ويقع في فوضى الاحتجاج على تقييد الحرية لا لغرض سوى حب الاحتجاج لا لأجل التحرير.
البند 7 - تأتى الآن إلى المطبوعات الدورية. فهذه سنفرض عليها وعلى كل مطبوعة ضرائب بوضع طوابع على كل صفحة، ونفرض أيضا ضمانة مالية، والكتب التي تقل عن 30 صفحة تضاعف الضريبة عليها ونعتبرها كراريس؛ أولا لكي يقل عدد الكراريس والمجلات التي هي أردأ المطبوعات السامة. وثانيا لكي يوجب هذا التدبير على الكتاب أن يتوسعوا في الكتابة وتكون كتبهم كثيرة لكي يتجنبوا عبء الضريبة. فيقل قراؤهم، وفي الوقت نفسه نجعل مطبوعاتنا التي تؤثر بها على عقلية الجمهور رخيصة في متناول كل واحد لكي يقرأ بنهم وشوق. لأن الضريبة تقلل الطموح الأدبي وتخور عزيمة الكتاب. وثقل الغرامات يجعل أرباب القلم معتمدين علينا، وإذا قام بعض الكتاب يكتبون ضدنا فلا يجدون من يطبع لهم. وعلى الناشر أو الطابع أن يحصل على إذن للطبع والنشر، وهكذا يتيسر لنا أن نعرف نيات أضدادنا فنصدها ولو بحجج واهية.
البند 9 - الأدب والصحافة هما أهم القوى الثقافية. ولذلك ستملك حكومتنا أقوى الجرائد والمجلات، وهذه تخمد أنفاس كل نفوذ لكل صحيفة مستقلة تنشر أمورا ضدنا، وبالتالي نملك بتأثير جرائدنا كل تأثير على الرأي العام. وإذا منحنا رخصا لعشر جرائد يجب أن يكون لنا ثلاثون جريدة وعلى هذه النسبة تكون الصحف المستقلة. وهذا التدبير لا يثير شبهة الشعب ضدنا، ولا سيما إذا جعلنا بعض الجرائد التي نصدرها معارضة في الظاهر لنا فتكثر ثقة الشعب بها، وإنما تكون المعارضات في السطحيات. ولذلك تقوى ثقة الشعب بنا نحن أيضاً، وتدفع إلى يدنا الخصوم المعارضين الذين يشتبهون بمقاصدنا، ويقيمون في فخاخنا، ولا ضرر منهم لنل.
البند 12 - تكو جرائدنا من كل لون: أرستقراطية جمهورية ثورية حتى فوضوية بحسب مقتضى الحال؛ ويكون لها يد في كل رأي عام. فإذا نبض نابض في إحدى هذه الأيدي المحركة يقود الرأي العام في اتجاه مقاصدنا. لأن الضعيف المنفعل ينفذ قوة الحكم ويذعن إلى أية إشارة منها. وهؤلاء القوم المغفلون الذين يظنون أنهم مرددون رأي جرائدهم، يرددون بالفعل الرأي الذي نحن نرغب فيه، ويظنون عبثا أنهم يتبعون رأي جرائدهم ولكنهم بالحقيقة سائرون في ظل رايتنا.
البند 14 - إن مهاجمة خصومنا لنا تخدم أغراضنا من جهات أخرى، وهي أن رعايانا يقتنعون ويعتقدون أنهم حاصلون على ملء الحرية في الكلام والنشر، وهكذا يتحول أنصارنا إلى اليقين بأن جميع الجرائد المخالفة لنا ليست إلا فقاقيع فارغة لأنها غير قادرة على أن تجد أثرا جوهريا في مخالفتها لأوامرنا.
البند 15 - إن قواعد التنظيم التي لا تراها أعين الجمهور هي من أضمن الوسائل لكسب ثقة الجمهور إلى جانب حكومتنا. إن هذه الطرق تجعلنا من حين إلى آخر في مركز يجعلنا قادرين على أن نثير العقل الاجتماعي أو أن نهدئه في المسائل السياسية حسب رغبتنا، فنقنعه أو نشوش عليه أو نضعضعه. فالآن الصدق، وغدا الكذب. ننشر الحقائق ثم ننشر ما يخالفها، نفعل هذا حسب مقتضى المصلحة، نفعله بكل حذر؛ نجس الأرض قبل أن نضع أقدامنا. سيكون لنا نصر مبين على خصومنا أو معارضينا لأنهم لا يملكون جرائد تستطيع أن تعطي التعبير الصحيح عن آرائهم بسبب خطتنا في معاملة الصحافة، ولذلك لا نضطر أن نجحدها إلا جحدا سطحيا وهم يظنون أنهم يتمتعون بحرية الصحافة.
الملخص: النفاق في مذهب الصهيونيين هو ملح الصحافة وبهارها بل هو (شطتها) أيضا. هو البهار الذي يشهي القراء للقراءة. فلذلك ترى الجرائد مبتلاة بالأخبار الكاذبة فلا تدري إن كان الخبر الذي نقرأه صادقا أو كاذبا، وشركات الأخبار مبتلاة بسيطرة الصهيونيين عليها كبلوى الجرائد. تقرأ اليوم خبراً فتصدقه لأنه معقول فلا يشعرك بغش فيه، ثم لا تلبث أن تقرأ غداً نقيضه أو تكذيبا له. ولا يمكن جمهور القراء أن يشكوا في صدق ما يقرؤون وإلا فلا يصدقون خبراً. لا يمكنهم أن يميزوا بين الخبر الصادق والخبر الكاذب؛ لأنه ليس في ما ينشر شبهة تضلل الظن. إن اختلاق الأخبار وتعويجها هو سجية في الصهيونيين يستغلونها لأغراض شيطانية لا تنكشف إلا بعد حين، وقد تقرأ خبراً ضد مصلحتهم فلا تلبث أن ترى أنه كاذب ولكنه نفعهم).
(منذ صارت قضية فلسطين في هيئة الأمم كانوا يذيعون أن عندهم جيشا من الهاجاناه يبلغ 80 ألفا. ولما جاء القتال لم يظهر عندهم أكثر من 800 جندي. فكانوا كلما وقعوا في ورطة مع العرب يهرعون إلى الجيش البريطاني لكي ينجدهم. ولما بدت مسألة التقسيم وشعروا أن العرب متحفزون للدفاع أذاعوا أنهم طلبوا من أميركا 472 مليون دولار وستأتيهم تواً، فما أتاهم شئ. ثم أذاعوا أن القائد الكبير فوزي بك القاوقجي قتل في معركة فاضلة. فما لبث القاوقجي أن أذاع في الراديو أنه يفقأ حصرمة في عيونهم. وهكذا لهم كل يوم كتاب من الأكاذيب في الجرائد والمجلات والأنباء التلغرافية التي في حوزتهم. فيجب الحذر من قبول الأخبار).
البند 17 يشرح التعليمات للصحافة من حيث ارتباطها بأسرار الماسونية التي لا يباح بها، وكل صحافي مقيد بأسرارها كأنها أسرار المهنة، وكل فرد من الصحفيين يخشى أن يبوح بسر لئلا يتهم بفضيحة، وما من أحد خال من فضيحة.
البند 18 - فحواه أنه لا بد من إلهاب عقليات أهل الإقليم عند ضرورة التأثير في العاصمة، ومصدر هذه التهيجات في كل حال يكون (نحن) على قصد أن الرأي الذي قبل في العاصمة يكون حائزاً لتأييد الأقاليم.
البند 19 - حين نكون في فترة الانتقال من الحكم القديم إلى حكمنا الجديد أي إلى ما نظفر به من السيادة يجب أن لا تسلم بما نقلته الصحف من خيانة أحد من الشعب. يجب أن يكون نوع الحكم الجديد برضى كل فرد من الناس. يجب أن يرى فيه الشعب أمانيه محققة وأن الأجرام قد زال. ويجب أن يقتصر البلاغ على المجني عليه والشهود فقط. يعنى أن لا تنشر الجرائد أخبار الجرائم لكي يقتنع الشعب أن الأمن مستتب تمام الاستتباب هذا ملخص الميثاق الثاني عشر عن الصحافة، وإلى الملتقى مع القراء في حين آخر.
حاشية: قرأنا أن معظم عرب حيفا هاجروا إلى سوريا ولبنان، وفي بعض الروايات أن المهاجرين تجاوزوا الأربعين ألفاً وبعضهم رفع الرقم إلى ثمانين ألفاً. وقد قيل لنا غن بعضهم هاجروا إلى مصر لكي تتحمل مصر تبعتها من هذه النكبة. أليس مؤلماً مفزعا أن يفر أهل الدار منها، وأن الضيوف المغتصبين يبقون فيها فيستولون على جميع ممتلكات العرب كما فعل بنو إسرائيل يوم (جرجرهم) موسى إلى أرض كنعان فنهبوا فرش الكنعانيين وحللهم وطناجرهم الخ - التاريخ يعيد نفسه. وإذا كانت الدول العربية لا تنقض بكل قواها على تل أبيب من جميع النواحي، ويدكونها دكا ليضطروا اليهود أن يخلوا حيفا لكي يأتوا لإنقاذ تل أبيب رغم أنوفهم - إذا لم تفعل الدول العربية كلها هكذا في وقت واحد استعجل اليهود وغزوا يافا ثم القدس وسائر مدن فلسطين، ثم انتقلوا إلى عمان فإلى دمشق فإلى بيروت فإلى مصر، إلى جميع ممالك العالم، وحينئذ يصح حلم الصهيونيين.
إن ما يتظاهر به اليهود في حيفا من الإنسانية نحو العرب إنما هو مكر فلا تصدقوه. لا يخرجون عن طبيعتهم، فحذار منهم!
نقولا الحداد