انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 74/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 74/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 74
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 03 - 12 - 1934



ذكرى الموسيقي بوتشيني

مضت عشرة أعوام كاملة على وفاة الموسيقي الإيطالي الأشهر جاكومو بوتشيني، فقد توفي في 29 نوفمبر سنة 1924، ولكن اسمه وفنه وموسيقاه ما زالت تملأ الأذهان والأسماع. واليوم تذكر دوائر الفن والموسيقي بوتشيني، وتكتب عنه وعن فنه الفصول والبحوث الفياضة.

وكان مولد الموسيقي الكبير في سنة 1858؛ ودرس على أكابر أستاذة عصره مثل بازيني وبانكيلي، ولبث مدى عصر أعظم شخصية في الموسيقى الإيطالية والموسيقى الغربية بصفة عامة، وكان يشغل في إيطاليا نفس المركز الذي كان يشغله معاصره فاجنر في ألمانيا، ويوهان شتراوس في النمسا. ويعتبره النقاد الفنيون ثالث أقطاب التأليف الموسيقي في العالم كله، فأولهم فاجنر، وثانيهم فردي، وهو الثالث. وقد نالت أوبراته الموسيقية شهرة عظيمة، ولا سيما (مانون لسكو) و (البوهيمية) و (لاتوسكا) و (مدام بترفلاي) وهي تجمع إلى نزعة روزيني وفردي الغنائية، نزعة حديثة إلى التعبير؛ وكان بوتشيني موسيقي الحب المعذب، وأروع قطعه ما كان يمثل القلوب الكليمة البائسة؛ ذلك لأنه كان في حياته الغرامية منكوداً معذباً، وكان دائماً طائر القلب والعواطف، لا يكاد ينضج في قلبه غرام، حتى يسارع إلى غرام جديد. وكان صعب الرضى فيما يتعلق بالنصوص، لا يكاد يعجبه نص مهما كان من الروعة، ولهذا كان يجوب القارة باحثاً عن النصوص المختارة لتلحينها، وقد غضب يوماً إذ أفلت منه قطعة لبيير لوئيس انتزعها منه الفرد برينو، وأفلتت منه أيضاً (بلياس ومليزند) لماترلنك، ولكنه ظفر (بتوسكا) وهي من تأليف فكتوريان ساردو، بيد أنه لم يكن راضياً عنها كل الرضى، وقد ألف لها بعض أناشيد من عنده، ويروى أنه اضطر (اليكا) مؤلف (البوهيمية) إلى حذف مناظر برمتها، وتغيير كثير من النصوص. وقد تزوج بوتشيني من مدام (الفيرا بونتوري) بعد فضيحة غرامية طويلة، وكانت الفيرا زوجة للسنيور بونتوري، ولكنه هام بها رغم زواجها، وبادلته الحب، وحملت منه، ثم فرت إليه، ولم يستطع أن يتزوجها إلا بعد وفاة زوجها. وكان بوتشيني مع ذلك يبحث عن مخاطرات غرامية جديدة كلما أصابه السأم، ثم يعود يائساً فيرتمي بين أحضان الف وقد توفي بوتشيني في بروسل، في 29 نوفمبر سنة 1924، بعد مرض طويل، ودفن حسب وصيته في قصره في توري دللاجو (شمالي إيطاليا)، ولما توفيت زوجته الفيرا في سنة 1930 دفنت معه في نفس قبره.

مكتبة نابوليون وآثاره الخطية

عرضت أخيراً في دار التحف المعروفة (باوتيل دروو) بباريس مجموعة فريدة حافلة لآثار الإمبراطور نابليون بونابرت ومخطوطاته الشخصية؛ وهذه المجموعة التي يملكها المسيو (برويه) والتي لا تضارعها أية مجموعة أخرى من آثار الإمبراطور، تعرض الآن للبيع، وفيها عشرات من الذخائر والتحف البونابارتية في عصر الإمبراطورية، ومعظمها مما احتوته مكتبة الإمبراطور الشهيرة في قصر مالزون من الكتب النادرة الممهورة بتوقيع الإمبراطور،

والوثائق الحربية والسياسية النادرة؛ وهي تعرض تاريخ نابليون كله منذ كان ضابطاً صغيراً في حصن فالانس حتى وفاته في جزيرة سنت هيلانة سنة 1821، ومنها رسائل شخصية تصور ما كان عليه الإمبراطور من وفرة في السلطان والعزم؛ ومنها رسائل غرامية كتبها نابليون إلى (جوزفين بوهارنيه) التي غدت زوجته الإمبراطورة فيما بعد؛ وفيها يبدو القائد العظيم محباً ذلولاً يخضع لسلطان الهوى خضوع الطفل، وكان أهم ما لفت النظر منها رسالة كتبت على ورق أخضر بتاريخ يوليو سنة 1796 وفيها يخاطب نابليون جوزفين بما يأتي: (ألست روح حياتي، وعاطفته قلبي؟ إني أؤمل أن أظفر منك برسالة هذا المساء؛ وأنت تعلمين يا عزيزتي جوزفين أي سعادة أنها لرسائلك، وإني لعلى يقين أنك تغتبطين بكتابتها. . . سأسافر هذا المساء إلى جبال التيرول، في فيرونا، ومن هناك إلى مانتوا ثم إلى ميلان، لأظفر ثمة بقبلة، فأنت تؤكدين لي أن القبلات ثمة ليست باردة ولكنها محرقة. . . ماذا تصنعين في هذه الساعة؟ إنك تنامين أليس كذلك. وأنا لست بجانبك لكي أستنشق تنفسك، أتأمل ظرف محاسنك، أغمرك بالقبلات. إن الليالي بعيدة عندك طويلة، ذابلة محزنة؛ إلى جانبك يأسف المرء أن ليس الليل بخالد، فوداعاً أيتها الحسناء الرقيقة، التي لا مثيل لها، والتي تسمو إلى السماء؛ وألف قبلة ناعمة، في كل مكان، في كل مكان. . .

وقد أثار عرض هذه المجموعة في الدوائر الفنية والأرستقراطية اهتماماً عظيماً، وهرعت الجموع إلى (أوتيل دروو)، تتنافس في اقتناء هذه الذخائر، ومنها كتب وسمت بشعار الإمبراطور، ومنها كتب كانت لقادته واخوته، وآله

فمتى نعنى في المشرق بآثار عظمائنا، ومتى نعتبرها ذخائر مقدسة يتنافس المتنافسون في اقتنائها؟ ومتى تخرج إلى الضياء قبل كل شيء؟

جائزة نوبل للكيمياء

سبق أن أشرنا إلى أن جائزة نوبل الطبية منحت هذا العام لثلاثة من علماء الطب في أمريكا، وأن جائزة نوبل الأدبية منحت إلى الكاتب المسرحي الإيطالي بيراندللو. ونذكر الآن أن جائزة نوبل للكيمياء عن سنة 1934 قد منحت أيضاً إلى أمريكي هو الأستاذ هارولد كليتون يور أحد أساتذة جامعة كولومبيا الشهيرة بنيويورك، وذلك لأجل مباحثه واكتشافاته الخاصة بالهيدروجين الثقيل؛ وبذلك تكون أمريكا قد ظفرت هذا العام بجائزتين من جوائز نوبل

هذا وأما جائزة نوبل عن العلوم الطبيعية فقد تقرر أن يوقف منحها هذا العام، وأن ترجأ إلى العام القادم، لأنه لم يتقدم لنيلها من العلماء من هو جدير بنيلها.