انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 69/قصه لؤلؤة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 69/قصه لؤلؤة

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 10 - 1934



للأديب حسين شوقي

ولدت في أعماق المحيط الهندي، وكنت أقيم هادئة مطمئنة في مقصورتي الصدفية، إلا أنني سئمت الحياة التي كنت اقضيها على نمط واحد، واشتقت إلى مشاهدة العالم الآخر القائم فوق سطح الماء الذي طالما حدثتنا عنة الأسماك في دهش وإعجاب، ولكن أخواتي من اللؤلؤ أشرن عليّ بالصبر، زاعمات أن الإنسان سوف ينزل إلى الأعماق لينتزعني من خلوتي، لأننا معشر اللؤلؤ - على زعمهن - ذوات قيمه نادرة عنده، وقد صدقن في زعمهن، إذ نزل إليها ذات يوم زنجي ليأخذني من صدفتي، إلا أن الحوت افترس المسكين، ثم حاول زنجي آخر بعد ذلك بقليل أن يفعل فعله سابقه، ولكنه لم يدركني، إذ كنت في عمق سحيق فمات مختنقاً. . بعد هذين الحادثين لم يبق لدى شك في قيمتي بعد هذين الحدثين لم يبق لدى شك في قيمتي عند الإنسان، وأنا خاملة الذكر في البحر، لذلك ازداد شوقي إلى المشاهدة هذا العالم. . . ثم أتى زنجي ثالث مجدود استطاع أن يرفعني إلى سطح الماء، وهذا سلمني إلى رجل أبيض أخذ ينظر إلى في شره بعد أن انزع عني بسكينة الحاد صدفتي المسكينة!

وأراد زنجي رابع أن يسرقني من الرجل الأبيض، ولكن الأبيض داهمه أثناء السرقة فضربه بالسوط ضرباً مبرحاً مزق جلدة وأسال دمه. . يالخيبة أملي لو كان هذا هو كل ما يشاهد في دنيا الإنسان!.

سافرت بعد ذلك إلى لندن على متن باخرة فخمه. . وهناك قامت فتاة حس ناء بصقلي في دقه وأناة. . وبعد أن أنهت من عملها رفعتني بإصبعها، وأخذت تتأملي طويلا ثم تنهدت من الأعماق. فخشيت عليها أن تفعل فعله الزنجي السارق، لأن جلدها ناعم لا يتحمل السوط. أما أنا فكان بودي أن أتعلق بجيدها البلوري أو أعلق بيدها الناعمة. . .

ثم أخذني جوهري فعرضني في زجاج دكانه. . وكان المارة ينظرون إلى في إعجاب وفضول، وذلك ما أدخل على نفسي الزهو. . والواقع أنني كنت جميلة حقاً بلوني الوردي الذابل، ولا سيما بعد عملية الصقل التي قامت بها تلك الفتاة الحسناء. وقد لاحظت أن أهالي لندن فضوليون إلى حد بعيد، وقد يصح مثل هذا الفضول من جانبي أنا مثلاً إذ قضيت حياتي سجينة في صدفة. . أما من جانب الإنجليز فهو أمر مستغرب، وهم قوم رحل أفاقون. . وكان صاحبي الجوهري في الغالب يهودياً، لان انفه كان مقوساً، ثم إنه كلما وضعني في يده المجعدة، ضغط علي في قسوة وشره حتى كنت أخشى على نفسي الهلاك. وقد باعني ذات يوم إلى سيدة متقدمة في السن بربح وافر على ما أظن، لأنه جعل يفرك يديه طويلاً عقب إتمام الصفقة، وكانت نية هذه السيدة أن تصنع مني خاتماً. إلا أن ولدها وهو طفل (عفريت) في السابعة من عمره ابتلعني ظنا منه أني قطعة من الحلوى. فغشي على السيدة من الحزن، أكان ذلك من أجل ولدها أم من أجلي؟ لا أعلم، ولكني أرجح الثانية على الأخص بعد حادث الزنجيين اللذين ماتا في سبيلي. . .

وقد تناول الطفل مسهلاً قوياً أعادني إلى الحياة والنور. . . ثم انتقلت إلى يد أخرى كلها مرتعشة مجعدة. .

رب! كيف نظم هذا الوجود؟ كيف يكون الجاه والغنى عند العجائز والدميمات فقط؟

ولكن من حسن حظي وقعت في النهاية في يد فتاة أمريكية حسناء مثرية جدا، أعطيت لها في شكل خاتم قدمه شاب خاطب، وكانت الفتاة سعيدة بي. . فكم من رحلات شيقة قمنا بها - نحن الثلاثة - على متن طيارتها الخاصة، إلا أنه اتضح للفتاة يوما أن هذا الشاب يخونها، وأنه لم يخطبها إلا طمعا منه في ثروتها، لذلك ثار ثائرها: فألقت بي في وجهه، وكان ذلك أمام الباب الخارجي للدار الواسعة، فتدحرجت حيث اختبأت في حفرة مظلمة بالحديقة أنتظر من ينقذني، وأرجو أن يكون ذلك على يد فتاة جميلة

حسين شوقي