انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 584/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 584/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1944



الثقافة والعقاد

في عيد ذكرى من ذكريات سعد الماضية، أصدرت مجلة الثقافة عدداً خاصاً في الزعيم سعد زغلول من أقلام كتابها البارزين

وكتب أحد هؤلاء الكتاب، حكاية زيارة اللورد جورج لويد للمنيا، واستقباله في الأقاليم استقبال أصحاب العروش، وحملة الصحف على اللورد من جراء هذه الزيارات، واشتراك مجلس النواب على اختلاف الأحزاب في هذه الحملة، وحنق اللورد وخلقه أزمة استحضر من جرائها الأسطول إلى الإسكندرية ليزيل ما أصاب هيبته من تلك الحملات التي ظن أن الموعز بها والمحرض عليها هو الزعيم سعد زغلول

ويقول كاتب الثقافة إن المغفور له سعد زغلول قال: إن اللورد جورج يتهمنا بأننا كنا الموعزين بحملة الصحافة وحملة النواب على زياراته للأقاليم، أما أنا فأقول:

(إنها تهمة لا أدفعها وشرف لا أدعيه)

أورد كاتب الثقافة الخبر على هذا النحو كأنه من أخباره الخاصة أو من متداول الحديث بين كتاب الثقافة

بعثت آنذاك بكلمة إلى رئيس تحرير الثقافة، أضع الأمر في موضعه الصحيح، وأدل القراء على المصدر الذي استقى منه الكاتب روايته وهو كتاب (سعد زغلول) لمؤلفه الأستاذ عباس العقاد، ولم يشأ صاحب امتياز المجلة نشر كلمتي قطعاً لما قد يعقب نشرها من أخذ ورد

سألت عن كاتب تلك الكلمة، فعرفت أنه لا يقل مكانة عن الكاتب (ح. ج)، ولعله يزامله في التحقيق والعدالة

عندما قرأت مقال الثقافة (سعد وسعود) بقلم (ح. ج) وتعليق الأستاذ سيد قطب عليه تذكرت الماضي وقلت في نفسي (هذه ثقافيات عرفناها في الجامعيين في إنكار الفضل على ذويه)

وبهذه المناسبة أنقل خلاصة حكاية أوردها الأستاذ العقاد في كتابه (سعد زغلول) أهمسها في آذان كتاب الثقافة وحواشيهم ليت يتدبرها الكاتب اللبق (ح. ج)

قال العقاد وقد سأله الزعيم عن رأيه في خطبة العرش، وكان حاضراً كل من فتح الله بركات باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا والأستاذ عبد القادر حمزة

أدلى الأستاذ العقاد برأيه، وقام النقاش بين الرجلين ودام نصف ساعة. فقال زغلول باشا للعقاد

(لماذا تحاسبني أنا في هذا، ولست أنا المسئول عنه)

فأجاب العقاد (لأن دولتك وكيل الأمة والمسئول عن عمل الآخرين)

(فضحك - رحمة الله - طويلاً، ثم قال: لو حاسبني كل فرد من الأمة حسابك يا فلان لعجزت عن أعباء هذه الوكالة)

(قلت وفي نفسي غضب أغالبه: يا باشا، ليس كل فرد في الأمة عباس العقاد)

(فتبسم مؤمناً وقال: ليس كل فرد عباس العقاد. . . صدقت)

حبيب الزخلاوي

1 - وحدة الشهود

تعليقاً على ما دونه الأستاذ البشبيشي في عدد الرسالة 578 أقول: أول من قال بوحدة الوجود في الإسلام هو جهم بن صفوان الذي قتل في آخر عهد الأمويين، وقد تأثر في بدعه ونحله الباطلة بالسمنيين (سمنات) لاختلاطه بهم، وكم فتح هذا الرأي من أبواب للإباحة والزندقة لشرار الخلق

وأما قول الصوفية الأطهار بوحدة الوجود فلم يكن ناشئاً من نظر أو بحث، بل هي عندهم حالة خيالية تطرأ للسالك من شدة إقباله على الله إلى أن يغيب عن الكون فينطق بما يوهم وحدة الوجود، وتسمية هذه الحال (وحدة الشهود) هو الصواب. ومن الصوفية أتقياء أبرار يراعون أدق أوامر الشرع في جميع شؤونهم، كما أن بينهم زنادقة إباحيين. قال العلامة يوسف البحري فيما علقه على (المجموع في المشهود والمسموع): إن الواجب له عز الوجوب والعظمة والكبرياء، فهو منزه عن اللواحق المادية والتعطيلات الإلحادية، وإن الممكن له ذل الإمكان وحقارة الاحتياج إليه محقور مقهور محتاج إليه تعالى في وجوده وبقائه وجميع أطواره، فلا ينقلب الواجب ممكناً ولا الممكن واجباً، بل الواجب خالق قادر عني، والممكن مخلوق عاجز محتاج فلا يكون أحدهما عين الآخر، وهذا بديهي وبه نزلت الكتب السماوية وجاء به الأنبياء. . . انتهى.

وبحث وحدة الوجود بحث خطر متشعب، والموفق من وقاه الله شره. وممن توسع في رد ذلك القاضي عضد الدين في المواقف

2 - في اللغة أيضا

نقلت في عدد (الرسالة) 576 ذرواً من قول الأستاذ النشاشيبي في لفظة (تلاشي) وأورد اليوم بعض كلامه أيضاً:

بنت العربية (الملاشاة والتلاشي) من (لاشيء) في القرن الثالث فقالت: لا شيء يلاشي ملاشاة، وتلاشي يتلاشى تلاشيا. وفي إرشاد الأريب (التفاوت في تلاشي الأشياء غير محاط به) وراوي الجملة هو المنشئ العبقري أبو حيان التوحيدي (الذي ربما كان أعظم كتاب النثر العربي على الإطلاق)، وكما يقول العرباني (متز)، وفي العمدة لابن رشيق (وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى)، وجاءت اللفظة في شعر الصنوبري

فالتلاشي مولدة كيسة، وقد تقبلها من تلوت أقوالهم، وسمينا أسماءهم بقبول حسن. ثم طلع علينا الخفاجي في آخر الزمان يقول في شفاء الغليل (التلاشي بمعنى الاضمحلال عامية، لا أصل لها في اللغة). عامية يا شيخ (قدك اتئب، أربيت في الغلواء) خف الله، احترم أولئك الأئمة، قل مولدة، قل محدثه، لقد ظلمتها حين ذممتها واستأصلت أصلها. والنسب مشهور، والناجلان معروفان، وهي (لا) و (شيء)، وقد نشأت في العراق ورحب بها المهيللون والمبسملون والمحمدلون، والأدباء والعلماء والباحثون

وسقط مما نقلته في العدد 576 من كلام الأستاذ بعد أن ذكر قول ابن أبي الحديد: قلت: مقالة ابن أبي الحديد متلاشية، والحق مع القطب الراوندي صاحب شرح نهج البلاغة ومعتقد الشيعة. . .

أحمد صفوان

إلى ميدان الجهاد

مضت شهور وأنا معتصم بالصمت فلا أكتب حرفاً في مدافعة أخصامي، أو مناصرة أصحابي، وقد طال الصمت ثم طال حتى أشمت الأعداء، وأحزن الأصدقاء

وأنا راجع إلى ميدان الجهاد ومعي سلاحي، فليلقني من توهم أنني ألقيت سيفي وطويت لوائي

كل شيء يجوز، إلا أن أخذل وطني، وهذا الوطن هو اليوم موئل الحرية الفكرية في الشرق

إن خصومي دفعوني إلى ما لم أكن أحب أن أندفع إليه، فما عندي نية لخصومة روحية أو عقلية لأني أبغض الشهرة التي يجلبها التظاهر بحرية الرأي

قراء الرسالة يذكرون أنها نشرت عشرات من الملاحظات على التصوف، وهم أيضاً يذكرون أني سكت عن التعقيب على تلك الملاحظات، فما سبب ذلك السكوت؟

السبب يرجع إلى إيماني بأن التصوف عُقدة نفسية لا تفسرها كلمة وجيزة في صحيفة أسبوعية

ولكنني اليوم أراني مقهوراً على شرح نظرية وحدة الوجود، بعد أن طال فيها الكلام على صفحات الرسالة الغراء بدون إيضاح

وقراء الرسالة يذكرون أن بعض الناس وصفني بالحمق والغباوة والجهل، بسبب آرائي التي دونتها عن إعجاز القرآن في كتاب النثر الفني

وسأشرح تلك الآراء شرحاً ينفي عني وصف التهمة بالحمق والغباوة والجهل، فأنا بفضل الله أعقل وأذكى وأعلم من جميع المتطاولين على مقامي

وإذا كان فلان الفلاني أعلن فرحه بأن الرقابة لن تسمح بنشر دفاعي عن آرائي، فليعرف ذلك الفلان أن دفاعي سيكون أوضح من فلق الصباح، وأنه لن يتعرض لمقاومة الرقابة بأي حال

كنت أنتظر أن ينتصر خصومي عليّ بقوة المنطق لا بقوة الحكومة، فلن أنسى كيف خاصموني في يوم نقدت خطبة العرش في إحدى حكومات الانقلاب

أما بعد فهذا نذيرٌ من النذر الأولى

زكي مبارك

لقد عاذ بمعاذ في أهرام 20 أغسطس سنة 1944 نبأ الجمل الذي أهرب من المجزر، ولجأ إلى قصر عابدين، فأمر جلالة الملك فاروق بشرائه وعدم ذبحه. وقد ذكرنا ذلك بما جاء في كتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين الهيثمي) إن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي عليه الصلاة والسلام جالساً ذات يوم إذ جاء جمل يخبب حتى ضرب بجرانه بين يديه، فقال ويحك: أنظر لمن هذا الجمل، إن له لشأناً. فخرجت ألتمس صاحبه، فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال: لا أدري والله ما شأنه، عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية، فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: لا تفعل، بِعْنيه، قال: بل هو لك يا رسول الله، قال: فوسمه بميسم الصدقة ثم بعث به.

(ابن المقفع)

داء يستعصي على العلاج

في الميدان الأدبي جريمة خبيثة تستعصي على الضبط، فهي كالداء الذي لا يعرف له دواء؛ هذه الجريمة هي أن يعمد بعض الجاهلين المجهولين إلى اختلاق كلمات أدبية أو اختلاسها، وينسبونها إلى أناس برآء لم يعلموا بها ولم يشتركوا فيها، ثم يرسلونها إلى الصحف والمجلات كي تنشر فتحدث كثيراً من المواقف الحرجة، وتترك من ورائها آثاراً سيئة حينا وتجلّ أحياناً!.

وهذه الجريمة تتكرر يوما بعد يوم؛ فمنذ عشر سنوات أرسل بعض هؤلاء الجهلاء قصيدة في ديوان للأستاذ حسن جاد حسن إلى الأهرام بعد أن وقع عليها باسم الأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر، ومنذ سنوات طبع أحدهم قصة نسبها إلى الأستاذ توفيق الحكيم، وفي العام الماضي بعث أحدهم إلى (الثقافة) بقصيدة للمرحوم أبي القاسم الشابي بعد أن وقع عليها باسمي، ومنذ شهور اختلق أحدهم قصيدة متداعية ونسبها في بعض الصحف إلى الأستاذ عبد الجواد رمضان. . . وهاهي ذي الجريمة تتكرر اليوم فيرسل بعضهم إلى (الرسالة) كلمة مزوَّرة بعد أن ينسبها إلى الأستاذ عبد الحميد ناصف. ولا ندري ما يأتي به المستقبل!

فليت شعري! كيف يستطاع القضاء على هذه الجريمة؟ إن رئيس التحرير لا حيلة له في ذلك، فهو لم يعط علم الغيب، والأحقاد الدفينة والخصومات الحقيرة تدفع هؤلاء بين الحين والحين إلى اقتراف تلك الجريمة الشنعاء، فمن لي بمن يطب لهؤلاء؟. . . رحم الله شوقي إذ يقول:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا!

أحمد الشرباصي

خريج كلية اللغة العربية

استدراك

قال الدكتور عبد الوهاب عزام في عدد الرسالة 576 (وقد أثبت صاحب كشف الظنون نحو سبعين تاريخاً للمدن)

أقول: وقد سرد العلامة السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) زهاء 330 (ثلاثين وثلاثمائة) تأريخ للمدن، منها أكثر من 40 في مكة، وأكثر من 20 لمصر، ومثلها أو قريب منها لليمن، وعشرة ونيف لدمشق، ونحوها لكل من بغداد والأندلس والمدينة النبوية، ولو قيس رقي الأمم بوفرة المصنفات ما قارب الأمة المحمدية أمة.

أحمد صفوان