مجلة الرسالة/العدد 584/أوائل الناجحين
مجلة الرسالة/العدد 584/أوائل الناجحين
للشاعر الأستاذ محمد الأسمر
(للبيت العلوي الكريم مآثر محمودة في تشجيع العلوم والفنون،
من لدن محمد علي الكبير إلى حضرة صاحب الجلالة مولانا
الملك فاروق الأول، وإن في تكريم جلالة الفاروق لأوائل
المتخرجين كل عام لمأثرة كبيرة من هذه المآثر المحمودة
المعروفة عن البيت العلوي
وقد كان المغفور له جلالة الملك فؤاد الأول يمنح أوائل الناجحين في عالمية الأزهر بعض المنح، وكان الأزهريون يحتفلون بتوزيع هذه الجوائز على الأوائل منهم، والقصيدة الآتية أنشدها الشاعر في بعض هذه الحفلات.)
للسابقينَ الأولينَ تحيتي ... شعراً كزهر الروض لما نوَّرا
بَلغَ المُجَلِّى، والمُصَلَّى غايةً ... لهما، وأبطأ عاجزٌ وتأخَّرا
يتنافس المتنافسون فسائرٌ ... خَبَباً، وآخرُ سائرٌ متعثرا
صَرْحُ الحياة ثوى الضعافُ بسفحه ... والأقوياءُ على الذوائبِ والذُّرى
قُلْ للأوائل قد بلغتمْ شأوكْم ... وحمدتُم لَّما بدا الصبحُ السُّرى
لم تأخذوا من لهو أيام الصبا ... إلا مُباحاً نلتموهُ مُقَتَّرا
لستمْ كمن تخذ المقاهيَ دارَهُ ... يلهو ويُنفق مُسرفاً ومبذرا
زمنُ الدراسة للدراسة وحدها ... ما كان متسعاً لشيء آخَرا
خير الجليس به، وخير مسامر ... فيه يراعٌ أو كتابٌ سُطِّرا
والطالب السبَّاق في طلب العلا ... أبداً تراهُ مُنقباً ومُحِبِّرا
ما إن يُرى في الليل خارجَ دارهِ ... وتراه ينهض للدروس مُبكِّرا
يأيها الغُرُّ الأوائلُ حسبُكم ... عطفُ المليك فما أجلَّ وأكبرا
ونصيحةً لكم الغداة نسوقُها ... لتُبينَ ما رُبمَا اختفى وتستر لا تحسبوا سَبْقَ الدراسة وحدهُ ... يُغنى فيرخى ذيله من شَّمرا
سَبْقُ الدراسة ليس إلا سلّماً ... هو أول الغاياتِ ليس الآخِرا
لا يَقْعُدَنَّ المرءُ بعد نجاحه ... ثملاً ولا يخطرْ به متبخترا
كم أخرِ في الدرس ثابَر بعدهُ ... فسما وظلَّ الأولون على الثرى!
فخذوا بأسباب الحياة وواصلوا ... خطواتكم تجنوا الشهيّ المثمرا
الأزهر المعمور يرعى روضَه ... ملكٌ به رفَّ النجاحُ وأزهرا
ما زال يسقيهِ الرعايةَ عذبةً ... حتى بدا نضر الجوانب أخضرا
وإذا الملوك الصالحون تعقدوا ... غرساً أتى بالصالحات وأثمرا!
يسعى إليه المسلمون جميعهم ... مثل الحجيج سعى إلى أم القرى
وردوا به الوِرْد الشهيّ مذاقه ... وجنوا به المُتَعَهَّد المتَخيَّرا
جمع القديم مع الْجديد كليهما ... أحببْ به مُتَبَدِّياً، متحضِّرا
عَلُم الزعامِة في يديه وحدهُ ... ما كان أحراهُ بذاك وأجدرا
حَمَل اللواء إلى الأمام فما مشى ... يوماً به في الحادثات القهقري
وردتْ مناهِلَهُ البرَّية كلها ... عسلاً مُصفّى لا أجاجاً أكدرا
يمضي على سَنَن الهدى مستنصراً ... بالله، محميَّ الجناب مُظَفّرا
بنت الشريعةُ من قديم حصنها ... فيه، وشيَّدت الفصاحةُ منبرا
وتفضَّل الله العلُّى وزادهُ ... فضلاً، فأيدهُ المليكُ وأزّرا
يأيها الملكُ الرشيدُ تدفَّقتْ ... منك الأيادي فهي تجري كوثرا
تُعطي الجزيلَ من العطاء مشجعاً ... من لم يَعُقْهُ عن السُّرى حُبُّ الكرى
تبني العقولَ وأنتَ أقدرُ من بني ... وأجلُّ من ساس الأمور، ودبَّرا
إن كان كسرى شادَ إيواناً له ... حَجَراً، فأنت تشيدُ أعجب ما يُرى
تبني المعارفَ والفنونَ وهذه ... أبقى على الدنيا وأروعُ منظرا
محمد الأسمر