انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 57/مظاهر الحرارة الباطنة للأرض

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 57/مظاهر الحرارة الباطنة للأرض

مجلة الرسالة - العدد 57
مظاهر الحرارة الباطنة للأرض
ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1934



بقلم نعيم علي راغب

دبلوم عال في الجغرافية

إذا كان هناك شك وتضارب في الآراء الجغرافية عن ماهية باطن الأرض وحالته التي هو عليها، سائلا كان آم صلبا، فانه ليس هناك أدني شك في ان هذا الباطن حار، تدل على حرارته مظاهر ثابتة منها:

1 - المناجم والحفر العميقة: من المعلوم أن هواءها اشد حرارة من هواء السطح الخارجي، وكلما زاد العمق ارتفعت درجة الحرارة تبعا لذلك. ففي منجم بالقرب من الذي عمقه 2445 قدما ترتفع درجة الحرارة إلى 94ف يقابلها في الخارج 50ف، كذلك شأن الحفر العميقة، فان الماء يخرج منها في درجة حرارة مرتفعة، وبالقرب من باريس بئر عمقها 1798 قدما يخرج الماء منها في درجة 81. 5 فهرنهايت.

2 - ينابيع الحارة: وتلك ظاهرة تكاد تكون: عامة في العالم اجمع، وعلى الأخص في المناطق البركانية، ومن أمثلة ذلك تلك الينابيع التي توجد في مدينة وكرلسباد، وشمال غربي اسبانيا، إذ يخرج الماء منها في درجات حرارة عالية 158 ف و167 ف و192 ف على التوالي حسب الترتيب السابق.

3 - النافورات: وهي عبارة عن ينابيع ساخنة توجد عادة في المناطق البركانية، وتمتاز من الينابيع السالفة في رقم 2 بارتفاع درجة حرارة الماء الخارج منها، إذ قد تبلغ 261ف كذلك بقوة اندفاعه منها إلى علو كبير قد يزيد على 200 قدم ويطلق عليها بعض الجغرافيين أحياناً اسم البراكين المائية.

ويحسن بنا في هذا المقام أن نعرف النافورات وأسباب ثورانها فنقول: - إنها عبارة عن عيون تتصل بباطن الأرض بواسطة قصبة على شكل أنبوبة يتراوح قطرها كثرة وقلة تبعا للنافورة نفسها (في النافورة الكبرى بجزيرة الجليد يبلغ قطر النافورة 8 أقدام ويحيط بها شبه حوض قطره يبلغ 56 قدما وارتفاعه 15 قدما).

ولتفسير أسباب النافورات يجب أن نذكر حقيقة جغرافية وطبيعية وهي أن الماء يغلي عند درجة 212 فهرنهايت أو 100 مئوي تحت ضغط يعادل الضغط الجوي، لذلك إذا زاد الضغط وجب أن ترتفع درجة الغليان، وعلى هذا فان الماء الذي يوجد في أسفل قصبة النافورة قد تزيد درجة حرارته على درجة الغليان ولكنه لا يغلي عندها لوجوده تحت ضغط عمود الماء الذي يعلوه، إلا أن ارتفاع درجة الحرارة يسبب تمدد الماء ويرفعه إلى مستوى أعلى من المستوى الذي كان عليه في قصبة النافورة، وهذا يسبب تمدد الماء السطحي فيفيض على جوانب الحوض، ولما كان الضغط قد قل بذلك على الماء الموجود في أسفل القصبة فانه يتمكن من الغليان ويتحول جزء كبير منه إلى بخار يدفع طبقات الماء التي تعلوه، ويسمع لمحاولته الخروج إلى السطح العلوي أصوات شديدة كأصوات الفرقعة، وعلى قدر قوة البخر يكون ارتفاع الماء المندفع.

وتوجد النافورات في مناطق ثلاث من العالم هي: -

1 - أيسلندا: ويوجد بها ما ينيف على 100 نافورة تزدحم منطقة بركانية صغيرة المساحة لا تزيد على ميلين مربعين.

2 - منطقة يلوستون في الولايات المتحدة وتقع في الغرب منها وفيها بضع مئات من العيون، منها ما يزيد حجما وقوة على النافورات العظمى بأيسلندا واشهرها نافورة دقيقة في مواعيد تفجرها حتى لتكاد تضبط عليها ساعتك، إذ إنها تقذف كل مدة تتراوح بين 60 و80 دقيقة نحو عنان السماء عمودا من الدخان الأبيض إلى ارتفاع 150 قدما مكونا منظرا من اجمل المناظر الطبيعية.

3 - في نيوزلندا: توجد الجزيرة الشمالية التي تشتهر نافوراتها بعظم مقدار السليكات التي تخرج ذائبة في مائها والتي ترسب حولها وتكون مدرجات كانت إلى ما قبل سنة 1886 مجموعة من اجمل المناظر الطبيعية في العالم حتى حدث أن ثار بركان في نفس السنة هدم الجانب الأكبر منها.

4 - البراكين: وهي المظهر الرابع لمظاهر الحرارة الباطنة للأرض ومن أهمها ان لم يكن أهمها، ولذا سنترك الكلام عليها إلى مقال آخر يتسع للكلام عنها بالتفصيل اللائق بخطر موضوعها.

نعيم علي راغب

دبلوم المعلمين العليا قسم الجغرافية