انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 443/المصريون المحدثون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 443/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة - العدد 443
المصريون المحدثون
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 12 - 1941


19 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

قد يزوج أهل الفتاة فتاتهم لمن يشاءون دون موافقتها إذا كانت قاصرة. ويمكنها إن تختار زوجها إذا كانت بالغة، وتعين من ينوب عنها في ترتيب الزواج وعقد العقد. والعادة أن تجتهد الخاطبة وقريبات القاصرة في الحصول على موافقتها. وكثيراً ما يعارض الأب في تزويج ابنته بمن ليس مثله من المهنة أو التجارة، أو في تزويج الصغرى قبل الكبرى. ويندر أن يستطيع العريس اختلاس نظرة من عروسه قبل أن تصبح في حوزته إلا إذا كانت من الطبقة السفلي فيسهل عليه أن يراها

وعندما تشرع المرأة في الزواج تعين وكيلاً ينوب عنها في عقد العقد. وهذا التوكيل واجب إذا كانت الفتاة قاصرة ويكون أبوها حينئذ وكيلها وفي حالة وفاته يكون أدنى الأقارب الذكور أو الوصي المختار أو المعين. أما إذا كانت بالغة فتعين هي وكيلها، أو تعقد الزواج بنفسها وذلك نادر

وبعد أن يختار الرجل عروسه طبقاً لبيان قريباته أو الخاطبة، ويعد المعدات الأولى السابق ذكرنها يقابل مع بعض أصدقائه وكيل العروس ويحصل منه على الموافقة، ثم يسأله عن مقدار المهر إذا كانت العروس قاصرة

ولابد من دفع المهر كما ذكرت في فصل سابق. ويقدر المهر على العموم بالريال باعتبار كل تسعين فضة. والريال نقد اسمي لا وجود له. ويبلغ المهر عادة إذا كان دخل العروسين متوسطاً ألف ريال، وقد لا يزيد على نصف هذا المبلغ. ويقدر الأغنياء المهر بالكيس وهو خمسمائة قرش، ويحددون المبلغ إلى عشرة أكياس أو أكثر. هذا في حالة العذراء؛ أما مهر الثيب فأقل بكثير. وكثيراً ما يحدث بعض المساومة في تحديد المهر كأي عملية مالية أخرى. فإذا طلب الوكيل ألف ريال يحتمل أن يعرض الطرف الأخر ستمائة ثم ينته الأمر بعد الزيادة والنقصان إلى ثمانمائة ريال. ويشترط دفع ثلثي المهر حالاً قبل العقد، ويدفع الثلث الأخير إلى الزوجة عند الطلاق بغير أرادتها أو وفاة الزوج

ويتم الاتفاق على هذا الأمر بقراءة الحاضرين الفاتحة. ثم يحدد يوم قريب، قد يكون بعد اليوم التالي، لدفع مقدم المهر والاحتفال بعقد الزواج الذي يسمى عقد النكاح. ويسمى إنجاز العقد كتب الكتاب، ولكن قلما توجد وثيقة مكتوبة تثبت الزواج إلا إذا كان العريس بسبب انتقاله إلى مكان آخر يخشى أن يضطر إلى إثبات الزواج حيث لا يتيسر له إحضار شاهدي العقد. وقد يتم عقد الزواج حالما ينتهي الطرفان من الأنفاق على المهر، ولكن كثيراً ما يعقد بعد يوم أو يومين من ذلك الوقت. ويذهب العريس في اليوم المحدد مع صديقين أو ثلاثة إلى منزل العروس قرب الظهر عادةً فيستقبلهم وكيل العروس وبعض أصدقائه. ويجب عقد الزواج بشهادة شاهدين مسلمين ألا إذا استحال ذلك. ويقرأ جميع الحاضرين الفاتحة، ثم يدفع العريس مقدم المهر ويعقد بعد ذلك العقد بكل بساطة. فيجلس العريس على الأرض أمام وكيل العروس وكلاهما واضع إحدى ركبتيه على الأرض، ثم يمسك كل منهما يمنى الأخر ويرفع إبهامه ويضغط به على إبهام الثاني. ويتولى تلقين الوكيلين صيغة العقد بعض الفقهاء. فيضع على اليدين المتماسكتين منديلاً، ثم يستهل العقد عادةً بخطبة لا تخرج عن بعض الإرشادات والصلوات وبعض الآيات والأحاديث التي تشير إلى فضل الزواج ومزاياه. ثم يطلب من الوكيل أن يقول: (أخطب لك (أو أزوجك) ابنتي (أو موكلتي) فلانة (ويسمي العروس) العذراء (أو العذراء البالغة) بمهر قدره كذا)، وقد لا يذكر المهر. ثم يطلب من العريس أن يقول: (أقبل خطبتها (أو زواجها) وآخذها تحت رعايتي وأتكفل بحمايتها، واشهدوا على ذلك أيها الحاضرون). ويردد الوكيل قوله هذا على العريس مرة ثانية وثالثة فيجيبه الأخير في كل مرة بما سبق. وحينئذ يقول كلاهما (والسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين)؛ ويعيد الحاضرون قراءة الفاتحة. وليس للخطبة التي تتلى في هذه المناسبة كلام موضوع أو نظام معين وقد تحذف إطلاقاً. وقد يقبل العريس (ويندر ذلك إلا إذا كان من الطبقة السفلى) بعد انتهاء العقد أيدي أصدقائه وغيرهم من الحاضرين؛ ثم يقدم الشربات إليهم ويمكثون حتى تناول الغذاء. ويهدي إلى كل منهم منديل مطرز تقدمه عائلة العروس بينما يتناول الفقيه منديلاً متشابهاً تصر فيه قطع صغيرة من النقود الذهبية يقدمه له العريس. وتحدد ليلة الدخلة قبل انصراف الحاضرين. وتلك هي الليلة التي تنتقل فيها العروس إلى منزل العريس حيث يراها لأول مرة

ويمهل العريس عروسه حوالي ثمانية أيام أو عشرة بعد عقد الزواج على العموم، ويرسل إليها في أثناء ذلك من حين لآخر بعض الفاكهة والحلوى الخ، أو يهدي إليها شالاً أو بعض الأشياء الثمينة. وتشتغل عائلة العروس في الوقت نفسه بإعداد الجهاز. ويصرف مقدم المهر في شراء الجهاز الذي يصبح ملكا للعروس، فإذا طلقت يعاد إليها. وتدفع عائلة العروس مبلغاً أكبر قد يزيد على المهر نفسه في أعداد الجهاز، ولذلك لا يمكن القول بحق أن الزوجة تشترى؛ ويرسل الجهاز عادة إلى منزل العريس على ظهور الجمال. وكثيراً ما يشمل الجهاز كرسي العمامة الذي سبقت الإشارة إليه، وكرسي العمامة كبير الحجم بسيط الصنعة، إذ يصنع أسفله وظهره من الغاب، وهو لا يستعمل للجلوس أبداً، وقد تكون له مظلة. وتوضع العمامة عليه، وتغطى بقطعة من الحرير السميك ترصع عادة بسلوك ذهبية. وقد يحتوي الجهاز على كرسيين: أحدهما لعمامة الزوج، والآخر لعمامة الزوجة.

ويستقبل العريس عروسه في مساء الجمعة أو الأثنين، ويعتبر يوم الجمعة أسعد الأوقات. فلنقرر إذاً أن العروس تنتقل إلى عريسها مساء الجمعة، ويومئذ تضاء الشوارع أو الحي الذي يسكنه العريس أثناء الليلتين السابقتين أو قبل ذلك بالشمعدانات والفوانيس، أو الفوانيس والقناديل الصغيرة، يعلق بعضها في حبال تمتد من منزل العريس وعدة منازل أخرى إلى المنازل المقابلة على جانبي الشارع، وتعلق أيضاً مع القناديل، أو منفصلة، رايات حريرية ذات لونين: أحمر وأخضر. ويقام في منزل العريس أثناء هذه الليالي - وعلى الأخص الليلة الأخيرة التي تسبق عقد الزواج - عدة حفلات. ومن المعتاد في هذه المناسبات أن يرسل المدعوون والأصدقاء الخلص الهدايا إلى منزل العريس قبل الدعوة بيوم أو يومين: فيرسلون سكراً وبناً وأرزاً وشمعاً أو حملاً. . . وتوضع الهدايا السابقة على صينية نحاسية أو خشبية، وتغطى بنسيج مطرز أو من الحرير. وتستخدم لتسلية المدعوين فرق موسيقية ومغنيات مغنون وراقصات، أو تقام (ختمة) أو (ذكر). وتقدم العائلات الموسرة إلى الخاطبة أو إلى (داية) العائلة وإلى (البلانة) وظهر العروس - بعد إتمام العقد بيم أو يومين - قطعة من النسيج الذهبي، وشالاً كشميرياً، أو قطعة حريرية مصنوعة من نسيج اليلك والشنتيان؛ فتضع هؤلاء النسوة هذه الملابس على الكتف اليسرى، ويربطن أطرافها معاً على الجانب الأيمن، ويركبن الحمير وأمامهن طبالان أو أكثر، ويمررن على صديقات العروس ليدعوهن إلى مرافقتها إلى الحمام ذهاباً وإياباً، والى حضور الحفلات التي تقام بتلك المناسبة. وكلما يمررن على منزل تؤدب لهن مأدبة، إذ أنهن يعلن عن زيارتهن في يوم سابق، وتسمى أولئك: (مودنات) أو على الأصح (موذنات)، وينطقها العامة (مُدْنات)؛ وقد رأيتهن أحياناً يسرن راجلات، ولا يتقدمهن الطبالون، ولكنهن كن يزغردن بدل دق الطبول. . .

(يتبع)

عدلي طاهر نور