انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 391/معضلة وجدت حلها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 391/معضلة وجدت حلها

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 12 - 1940



(مهداة إلى كل من وخط الشيب رأسه قبل الأوان)

للأستاذ علي الجندي

شعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ الرأس لاحتْ ... كنجومٍ تُضِيءُ فِي الدَّيْجُورِ

غَادَرَتْنِي فِي نَضْرَة العُمْر أبْكي ... ذِكرَياتِ الصِّبَا بدَمْعٍ غزِير

وَكَسَتْنِي ثوبَ الوقار، وهل أَسْـ ... مَجُ في العين من وقار الصَّغير؟!

يَا لَظُلْم الأيامِ إِذْ وَقَفَتْنِي ... بين رأس شَيْخ، وَقَلْب غَرِير

ذاك يدعو إلى الرشاد، وهذا ... مُسْتَهَامٌ بِكلِّ وَجْهٍ نَضِيرِ

تَرَكاني في حَيْرَةِ الدَّمْعَة الْحَرَّى ... بجفن المتَيَّم المهْجُور

إِنْ دَعَاني الشبابُ قَال ليَ الشَّيْبُ ... تَصَابى الشُّيوخُ رَأْسُ الفُجُور

أَنُزُوعاً إلى الصِّبا تحتَ سيفٍ ... للمنايا، فوق الشَّوَى، مشهور

هَبْ بياضَ القَذَال لم يَزَع الشَّيْخ ... أَلمَّا يَزَعْهُ صَوْتُ الضمير

أَوْ أَطعتُ المشيب صاح بيَ القلبُ ... رُوَيْداً فلستُ بعضَ الصّخور

أَتُراني أَرْضَى بجَنْبَيكَ أَنْ أَحْيَا ... - بلا صَبْوَةٍ - حياةَ الأمير

وَيَمرّ الشبابُ كالْحُلُمِ السَّا ... رِى، وعُمْرُ الشباب جِدُّ قصير

لستَ مِنِّي وَلستُ مِنْكَ فدعْني ... سَادِراً فِي غَوَايتي وَغُروري

وَتَخيَّرُ سِوَايَ قلباً يُجَارِيك ... غليظَ الإحساس صُلْب الشّعور

لاَ أُطِيق الْمُقَامَ بَين حَنَايَا ... كَ، كأني أُقيم بين القبور

وَيْكَ رَأْسِي تَركتَنِي أَصْحَبُ الدّنيا ... بقلبٍ دامٍ، وطَرْفٍ حَسِيرِ

بَكَّرَ الشّيبُ فِي النّزول بفَوْدَيك ... وَيَا شُؤْمَ ذَلِكَ التَّبْكيرِ

قد خضبْنا مَا ابْيَضَّ منه فما جَا ... زَ عَلَى فِطْنة العليم الخبيرِ

وَبَرَزْنَا لِلنَّاظِرِين فقالوا: ... ذَاك رأْسٌ يُدْلِى بِحقٍّ وَزُور

يا رسولَ الْمَنون يا وافد الأَسْقَا ... م يا طيفَ منكر ونكيرِ

أَنتَ شَوَّهْتَ لِي الحياةَ وَأَفْسَدْ ... تَ صِلاَتي بمُرْهَفَات الْخُصور

كلُّ غيداَء حين أَبْدُو تُرَاعِيني ... بألحاظ كاشِحٍ مَوْتور ثم تَزْوَرُّ كالْجَواد - عَلَى الطّعْن - ... وتَعْدُو كالشّادن المذعور

ليتَ شعْرِي وَمَا نضَوْتُ شَبْابي ... كيفَ صَبْرِي على جَفاء الحُور!

عَجباً للحسان يَزْهَدْنَ فِي الشّيْب ... وَمَا الشَيبُ غيرُ هالةِ نورِ

قلتُ: يا (نُعْمُ) لاَ يرُعْك مَشيبي ... إِنّه حِلْيةُ الزُّمِيت الوَقور

هُوَ كالدّر في نُحور الرَّعَابيب ... وكالنَّوْر في حِفَافِ الْغَديرِ

نَاسَبَ الأَوْجُهَ الرِّقَاقَ بياضاً ... وَحَكى وَمْضُه رفيفَ الثغور

وَهَبِيه قذَى العيون فَمَنْ يَسْطيع ... دَفْعاً لِعَادِيَات الدهور

كلُّ طِفْلٍ - مَا أَخْطَأَتْه الْمَنَايا - ... سوفَ يلقَى عَلَى الزمان مَصيري

وَإِذَا مَا اجْتَوَيْتِ شَعْرِي فَشِعْرِي ... حَلَبُ الكَرْم بالزُّلال النَّمير

لَكِ مِنْهُ وَشْيُ الرُّبَا وَجَنَى الرَّو ... ض وَأكْمَامُ وَرْدِهِ المَنْضُور

وَنَسِيبٌ يَسْتَلُّ (قَيْساً) و (لَيْلاَ ... هُ) من الرَّمْس قبل يوم النُّشور

وَغِنَاءٌ ينْساب في مِسْمَع الكوْ ... ن ويَسْرِي على جناح الأثِير

فأجابتْ والزَّهْوُ يَعْطِفُ منها ... خُوطَ بانٍ تحت الصَّباح المنير

لا تُحَاوِلْ خَدْعي فشيْبُكَ أَزْري ... بنظيمٍ - تُزْهَي بهِ - وَنَثِير

َقسَماً بالصَّفا وزمْزمَ والمَشْعَرِ ... والبَيْت حَالِياً بالسُّتُور

لو نظمتَ النّجومَ والشمسَ والبد ... ر، وفصَّلْتَها بدرّ البحور

وحَوَيْت البيانَ شَطْرَيْه حتى ... فُقْتَ فيه ابْنَ هَانِئِ والْحَريري

لستُ أرضاكَ للغرام فدعْني ... أنشُد العيْش في ظِلال السّرور

أَبِرَأْسٍ مِثْلِ الثَّغَامَة عاثَ الشَّيْبُ ... فِيهِ عَيْثَ الْجَراد المُغير

وَبِجَيْبٍ كَجُحْرِ ضَبٍّ خَرَابٍ ... تَعْمُرُ الرِّيحُ جوْفَه بالصَّفير

تبتغي خُلّتِي وترجُو وِصالي ... شَدَّ ما سُمْتَني عذابَ السعير!

يُمْلَكُ الْحُسْنُ بالشَّباب وبالما ... ل فما الظنُّ بالكبير الفقير

قد رَضِينا مَشِيئَة الله فينا ... وامْتثَلْنَا لِحِكمَةِ المَقْدُور

وَلبِسْنَا عَلَى الصِبا حُلَّةَ الشيب ... فأهلاً وَمرحباً (بالنَّذير)

وَلَزِمْنا المحرابَ نَجْأَرُ بالتَّهليل ... في صَدْره، وبالتَّكبير وعكفْنَا على تِلاوة آيِ الذِّكر ... زُلْفَى ذلك العزيز الغفور

وَثَنَيْنَا العِنان عن منهل الرَّا ... ح إلى منهل القَراح الطّهور

وَأَعَرْنَا الْقِيَانَ سَمْعَ أَصَمٍّ ... وَمنحْنا الحِسان طَرْف ضرير

وَغَنِينا بالشمس َمطْلَعٌها الأُفْقُ ... عن الشمس تَزدْهي في الْخُدور

وَاسْتَعَضْنَا بالْغُصْنِ يكسُوه آذّا ... رُ من الغصن رافلاً في الحرير

وَلَهِينَا عن وَجْنة الطَّفْلَةِ الكا ... عِبِ بالوَرد نَافِحاً بالعبير

وَسَلَوْنَا بِأَعْيُنِ النّرجس الغَضِّ ... عُيوناً يَقْتُلْنَ بالتَّفْتير

وَوَجَدْنَا الرُّمانَ أَمْلأَ لِلعين ... وللقلْبِ مِن ثِمَار الصّدور

وَرَأَيْنَا أَقاحِيَ الروض أَشْفَى ... لِصَدَى الروح مِن أَقَاحي الثغور

إِنّ فيِ الشّيب واعظاً لِلّذِي رَا ... نَ عَلَى قلبه ضَبَابُ الشُّرور

غَرَّنا الفاحِمُ البَهيمُ فَنمْنَا ... وصحوْنا عَلَىَ ضياء القَتيِر

بلِّغوا عَنِّيَ الغوانيَ: أَنيّ ... لستُ زِيراً لَهُنَّ أَوْ خِدْنَ زِير

لاَ سُعَادٌ أغدُو لها غُرّةَ الشهر ... وَلاَ هِنْد في سِرَار البدور

رَقأتْ عبْرتي، وعادْ رُقَادِي ... وَخبَتْ لوْعَتِي، وَقَرَّ زَفِيِرِي

علي الجندي