مجلة الرسالة/العدد 391/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 391/البريد الأدبي
الأهل والجيل
كنت قلت وأنا أعرض كتاب (المنتخبات) لسعادة الأستاذ الكبير لطفي باشا السيد إن الأستاذ إسماعيل مظهر وضع كلمة (أهل) في مكان كلمة (جيل)، وهي خفية المراد، ثم قلت: (وللعبارة وجه، ولكنه لا يخرجه عن الإغراب في غير موجب للإغراب)
والآن ظهر أن ما فاتني كان فات صاحب (لسان العرب) وصاحب (القاموس المحيط) فهو إذاً إغراب في إغراب
كلمة أهل بمعنى وردت في شعر النابغة الجعدي ثم هُجِرت فماتت منذ قرون حتى فاتت صاحب اللسان وصاحب القاموس، فأين نضع الأستاذ إسماعيل مظهر هذه المرة فقط إن لم نضعه بين المغربين؟
والجيل هو الصنف من الناس، هذا حق بشهادة المعاجم، وهو كذلك دائماً في كتابات ابن خلدون، كما نص بعض المستشرقين، وهو أستاذنا ديمومبين، حين كان يحاضرنا عنه في السوربون
ولكني أنظر فأرى الجيل بمعنى الطبقة المتعاصرة من الناس قد شاع في تعابير المصريين منذ أزمان حتى قيل في الأمثال: (من عاش في غير جيله عاش غريباً)، وحتى صح للأستاذ البشبيشي أن يصف الخلاف بينه وبين ابنه حسين بأنه خلاف بين (جيل وجيل) وحتى جاء لشوقي أن يصف سلامة حجازي بأنه (كان دنيا وكان فرحة جيل)
الجيل في تعابير أهل مصر هو الطبقة من أعمار الناس، وليس الأمة من الناس، فهل نشأ ذلك الفهم من العَدَم، وللمصريين عرق أصيل في اللغة العربية؟
المنطق يوجب أن يكون تصور المصريين لمعنى الجيل قام على أساس، وهذا ما يجب النص عليه في المعجم الوسيط الذي يضعه المجمع اللغوي، قبل النص على المفهوم البائد لكلمة أهل، لأن العجم المنتظر سيكون معجما حيَّا، لا معجما تاريخيَّا، أعني أنه سينص على مدلول الكلمة في استعمالها الحيّ، قبل أن ينص على مدلولهما المطمور في مهاوي التاريخ
وخلاصة القول أن كلمة جيل أدل على ما نريد من كلمة أهل، وليس من المنفعة ولا من الفصاحة أن تقهر اللغة على تحمّل ما لا تطيق، فاللغة أداء وبيان (من أقرب طرق الكلام) كما قال عبد الحميد، وليس من الإفصاح أن تعبر بكلمة لم تجدها إلا في حوار النابغة الجعدي مع عمر بن الخطاب
وأنا بعد ذلك أذكر أني قرأت في مواطن كثيرة كلمة تنص على (تعاقب الأجيال) وهي تؤيد ما أقول، فإن لم يقتنع الأستاذ مظهر بهذه البينات، فسألقاه بشواهد جديدة ينحسم بها الجدل حول كلمة جيل
وكنت اعترضت على قول الأستاذ مظهر إنه عُنيَ بأن يخرج كتاب لطفي باشا مبرأً من الأوهام فقلت: إنه تعبير مريب، ثم لقيني أحد المتخرجين في كلية الآداب، فحدثني أن الأستاذ لم يُرد من (الأوهام) غير الأغلاط المطبعية، وأنه أظهر عجبه من أن يجهل زكي مبارك أن الأوهام هي الأغلاط!
أنا لا أجهل أن الأوهام هي الأغلاط، ولكني أُصر على القول بأن بين الكلمتين فرقاً دقيقاً، وهو مع دقته صار من البديهيات - وإن كان الغلط والوهم قريبين جدّاً في المدلول، إذا راعينا مصطلحات القدماء - فإذا قال ناشر (المنتخبات): إنه عُنيَ بأن تخرج سليمة من الأغلاط؛ فهمنا أنه يريد الأغلاط المطبعية أما إذا قال إنه عُنيَ بأن تخرج (مبرَّأة) من (الأوهام) فلن نفهم إلا أنه جردها من أخطاء الفكر والإدراك، وهو المسئول عن هذا التعبير المريب
أما قول الأستاذ مظهر بأن لطفي باشا أجل من أن يقدم له كاتب من أبناء هذا الجيل، فقد قوبل بالدهشة والاستغرب، لأن لطفي باشا نفسه وضع مقدمة لكتاب أرسطاطاليس في الأخلاق، ولم يقل أحد بأن ذلك غض من منزلة أرسطاطاليس. . . والوثنية في نظر الفكر لا تقل بشاعة عن الوثنية في نظر الدين. . . وإلى الأستاذ تحيتي وثنائي
زكي مبارك
تصحيح خطأ مطبعي في القاموس وشرحه
لدى مراجعة (يَفتنُّون) في كتب اللغة ظهر لي غلطة مطبعية في القاموس وشرحه تاج العروس أحببت التنبيه عليها ليصلحها في الكتابين من ظهر له غلطها مثلي فأقول: قال في القاموس في نسخة خطية منه في مادة (ف ن ن) (أَفننَ: أخذ في فنون من القول) وشكلت أفنن بوزن أفعل، وفي طبعات متعددة منه قديمة وحديثة: (أفننَّ: أخذ في فنون من القول) بنونين الأولى مفتوحة، والثانية مشددة
وفي تاج العروس: (أفنن الرجل: أخذ في فنون من القول ويقال أفنن في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين، وأفنن في خصومته إذا توسع وتصرف) مورداً جميع الألفاظ بالنون
فأما شكل النسخة الخطية (أفننَ) بوزن أفعل فظاهر الغلط لأنه لا يقال: (أفنن) بفك الإدغام، لأن هذا من باب الإدغام الواجب، وكان الصواب - لو صح ورود هذا الوزن - أن يقال (أفنّ)
وأما (أفْنَنَّ) بالنونات الثلاثة فلا توجد في كتب اللغة، والموجود فيها (افْتَنَّ) بالتاء والنون المشددة بوزن افْتَعلَ
ففي صحاح الجوهري ولسان العرب: أفتَنَّ الرجل في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين، وهو مثل اشْتَقَّ. قال أبو ذؤيب: فافتَنَّ بعد تمام الورد ناجِيَة=مثل الهِراوَة ثِنياً بِكرُها أَبدُ
وذكر في اللسان تفسير هذا البيت، ثم قال بعده: افتَنّ أخذ في فنون من القول إلى أن قال: والأفانين الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه
وفي أساس البلاغة: أخذ في أفانين الكلام، وافتن في الحديث وتفنّن فيه
وفي مختار الصحاح: الأفانين الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه، ثم قال: وافتَنَّ الرجل في حديثه وفي خطبته بوزن اشتقَّ جاء بالأفانين
ولا ذكر لهذه الكلمة في جمهرة ابن دريد، وفائق الزمخشري، ومغرب المطرزي، ولا في نهاية ابن الأثير، والمصباح المنير، ولم يذكرها المرحوم أحمد تيمور باشا في كتابه تصحيح القاموس المحيط، ولا الشدقاق في كتابه الجاسوس على القاموس
(دمشق)
محمد الكامل القصار
تأنيث الشمس وتذكير القمر
هذه الفكرة على قدمها حديثة عند الشرقيين، فقد كانوا قديماً يذكرون الشمس ويؤنثون القمر، فقد كان الساميون في سوريا والعراق يعبدون الإله بعل إله الشمس ورب السماء، كما كان الإغريق يعبدون الإله فيباس أبولو إله الشمس، وكان المصريون في أون أو عين شمس أو هليوبولس يعبدون الإله رع إله الشمس، وكلمة هليوبوليس كلمة إغريقية معناها مدينة هليوس، وهي كلمة من مترادفات أسماء إله الشمس، وقد جاء في كتب التاريخ أن عبادة إله الشمس رع جاءت إلى مصر السفلى من آسيا، أما المصريون في مصر العليا، فكانوا يعبدون آمون ثم حاولوا توحيد الإلهين عندما اتحدت مصر العليا ومصر السفلى، وكل هذا يدل على أن الشرقيين كالإغريق كانوا يذكرون الشمس، وكان القدماء يجعلون الأرض زوجة للشمس ويعبدونها بأسماء 87
مختلفة مثل جيا أو بوناديا عند الإغريق والرومان كما كانوا يعبدونها أيضاً باسم ما أو مايا أو ماما، وأحياناً يعدون الأرض أم الآلهة، وكلمة أم في العربية مقاربة لكلمة ما التي كانت تطلق على ربة الأرض كما أن ربة القمر عند الإغريق كانت تسمى ديانا وهي مقاربة لكلمة الديّانة العربية مؤنثة الدّيّان أي المعبودة والمعبود، وكان الساميون في غرب آسيا يعبدون الإلهة أشتورث أو أرستارت ويسمونها الديانة، وينسبون إليها الصفات التي كان الإغريق ينسبونها لإلهة القمر ديانا، واتصال الإغريق بمدن سواحل آسيا الصغرى والشام أدى إلى تأثرهم بالثقافة الدينية الشرقية، كما أن الرومان في غربهم تأثروا بثقافة الإغريق الدينية حتى إنهم كانوا يوفقون بين كل إله من آلهتهم وكل إله من آلهة الإغريق، ثم جاءت أمم غرب أوربا وتأثرت بالثقافة الإغريقية الرومانية. ولا يزال الشعراء في غرب أوربا يطلقون على الشمس اسم إله الشمس عند الإغريق وهو فيباس أبولو كما أنهم يطلقون على القمر اسم ربة القمر ديانا. ويستنتج من كل ذلك أن الشمس كانت قديماً مذكرة عند الشرقيين والقمر مؤنثاً، وليس من البعيد أن يكون الأوربيون قد أخذوا هذه الفكرة عن الشرقيين.
عبد الله شاكر
الفياس
قرأت مقالكم المعجب (الأخلاق وهذه الحرب) في عدد الرسالة 388 فوقع من نفسي موقع غيره من مقالاتكم الافتتاحية الممتعة. وأود - لو يسمح لي الأستاذ - أن أبدي الملحوظة التالية:
لقد ورد في المقال المذكور العبارة التالية: (فإن نزوَّ النازية وفياش الفاشية لا يمكن أن يؤديا إلى عدل شامل وسلام دائم) وجاء في أسفل الصفحة: (الفياش: كثرة الوعيد في القتال من غير فعل). والفياش في اللغة، على ما أذكر، هو المفاخرة فقد ورد في قصيدة لأبي الطيب المتنبي في مدحه لأبي العشائر العدوى عند إيقاعه بأصحاب باقيس ومسيره في دمشق البيت التالي:
تزيل مخافة المصبور عنه ... وتلهي ذا الفياش عن الفياش
والضمير راجع إلى مواقف الممدوح في الحرب، والمعنى الذي يقصده الشاعر في هذا البيت دقيق معسر، وقد جاء في تفسيره: إذا سمع المصبور بمواقفه المذكورة شجعته وأزللت عنه خوف القتل لما يسمع من ذكر إقدامه واقتحامه للمهالك، وإذا سمع بها المفاخر ألهته عن مفاخرته، لأنه يتواضع لديها فلا يفتخر بنفسه
وأعتقد أن هذا التفسير هو أقرب ما يرمي إليه الشاعر وهو ما يقصده الشارح. وللأستاذ الأكبر تحية المعجب المخلص
(بيرزيت - فلسطين)
سعيد العبسي
تلميذ يجرح أستاذه
ألقى الأستاذ السباعي بيومي بدار العلوم محاضرة عن (أسلوب المبرد في كامله) في مساء الثلاثاء السابع عشر من هذا الشهر
ولقد عقب على هذه المحاضرة أحد المستمعين بملاحظات تخالف ما ذهب إليه الأستاذ السباعي. ويبدو أن المعقب استقى آراءه مما كتب العلامة المرحوم سيد بن علي المرصفي فتملكت الأستاذ المحاضر عاصفة من الغضب الساخط لا على المعقب ولكن على المرصفي؛ فقد وصفه بكثير من الأخلاق الذميمة كالغل والحقد والحسد وسطحية البحث والتطاول الذميم؛ ثم تعداه إلى تجريح طوائف العلماء على اختلاف مهنهم، والحكم بأن طبائع الحسد والحقد والغيرة لا تجد لها مراحاً خصيباً كالذي تجد من قلوب العلماء
ولست أدري ما الدافع إلى كل هذا وكان يكفي الأستاذ أن يدفع الرأي بالرأي في هدوء لا أن يتعرض لمثل ذلك الرجل الجليل بمثل ما تعرض به له، حتى لقد حكم بأن أخلاقه ذهبت بفضله كما تذهب الريح العصوف بسحيق التراب
وإنه ليحزنني جد الحزن أن أرى مثل الأستاذ في علمه وفضله ومكانته يتناول السلف الصالح من الباحثين بمثل هذا الأسلوب العنيف من غير سبب ولا بينة، فإن في هذا نكراناً للجميل وجحوداً للفضل
محمد فهيم عبيد
امرؤ القيس الكلبي
كتب (سائل) فاضل في العدد 389 من الرسالة الغراء يسألني من هو امرؤ القيس الذي جاء في مقدمة كتابي (أغاريد زفاف) أنه أبو الرباب زوجة الحسين عليه السلام، فأجيب بأنه (امرؤ القيس بن عدي الكلبي، كان نصرانياً وأسلم على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، فولاه عمر على من أسلم بالشام من قضاعة، وخطب إليه عليّ عليه السلام ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوجه إياها فولدت له عبد الله وسكينة عليهما السلام)
هذا، وكان يُسمى امرأ القيس صحابيون وشعراء غير الملك الشاعر الجاهلي صاحب (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)
عبد المجيد مصطفى خليل