انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 360/من وراء الستار

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 360/من وراء الستار

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 05 - 1940



ليلة الزفاف

للأستاذ إبراهيم العريض

حفَّتْ بها النِسْوَةُ في جلْوةٍ ... زيَّنَها الحبُّ لأسْحَارِهِ

كلُّ لسانٍ سالَ في غُنَّةٍ ... يلْهجُ بالنُّعْمَى إلى جاره

هُنَّ عَصافيرُ الهوى كلماّ ... نوَّرَ زغْرَدْنَ لنُوَّاره

في غرفةٍ تُدْنِي مرايا على ... سُدَّتِها الفارِهَ للفاره

ضاحكةِ الأنوارِ. . . لولا الذي ... يدُخَّنُ العودُ عَلَىَ ناره

وفاحَ منه أرَجٌ ناعِمٌ ... أثْقَلَ جفْنَيْها بأَسْراره

كأنما زفَّ ربيعُ الصَّبا ... لأَنسها أحْسَنَ أَزْهاره

وطافَ أتراب لها أرْبَعٌ ... بالدُّفَّ، يوحِيني بأخْباره

يعْطْفنَ للنَقْرَةِ صدرْاً. . . وكم ... فزَّ به ما تَحْتَ أزْراره

يُظْهِرْنَ باللَّمْحَةِ في الرقص ما ... حالت أمورٌ دونَ إظهاره

من شاهَدَ الطاوُوسَ يختالُ في ... ألوانه. . . لِبَعْضِ أوْطاره

وكانَ في كُرْسِيَّهِ جنْبَها ... حقيقةً قامتْ إزاَء الخيالْ

ينُازِعُ الطرْفَ - فلا ينتهي ... إلا إليها - رغْمَ طُولِ المِطال

وهل تمَلُّ العَيْنُ من مَشْهدٍ ... باركهُ في الُخْلْدِ ربُّ الَجمال

فَتْنسِجُ الأنوارُ مِن عيْنِه ... خُيوطَها في سُدفاتِ الظِلال

وهْيَ عَلَى إطْراقِها لا تَني ... تُصَعَّدُ الأنفاسَ وسْطَ الحِجال

تَكادُ لا تُبْصِرُ من حَوْلها ... شيئاً سوى إحْساسِها بالجلال

وجيَء بالوَرْدِ فمَدَّتْ له ... من بينها واحِدةً في دَلال

فمسَّها مسَّا رفيقاً، وفي ... ناظِرهِ البرَّاق عْينُ السُؤال

وارْفضَّ من جرَّاءِ إِشْفاقِهِ ... جبينُ كلٍّ منهما باللآل

حتى إذا أمْطَرَها فِضَّةً ... على الوصيفاتِ فعمّ النَوال

قُمْنَ إلى الأزهار ينْثُرنْهَا ... وهنَّ ينشِدْنَ نشيدَ الوصَالْ: نشيد الوصال

(يا طائر ألبان عَلَى بأنه ... قد حفَّكَ الرَّوْضُ برَيْحانِهِ

فضاحِكِ الأيامَ في ظِلَّهِ ... ما دامَ يعْلوكَ بأفنانه

لِلْحُسْنِ مِرآةٌ. . أتَرْضَى بانْ ... يُصْدِئها الدمْعُ بِتَهتانه

فداعِبِ الُبرْعُم حتى إذا ... تفتَّقَتْ أوراقُه. . . دانه

ونادِمِ البُلبُلَ ما دامَ في ... نشوِته يُفْضِي بِأَلّحانه

فخْيرُ يوْمَيْك الذي ينقضي ... عرْبدَةً ما بين نُدْمانه

هَيْهات! ما دامتْ لِذي سَكْرَةٍ ... سَكْرَتُه إلا بإِدْمانه

لا تَطْوِ بالصَّمْتِ ربيعَ الصَّبا ... فلَيْسَتِ العَوْدَةُ من شانه

عمَّا قليلٍ ينمحي كلُّ ما ... تراهُ من ثابِتِ ألْوانه

أعِنْدَكَ الجامُ ولا تقْتِني ... حرارة من ضَوْءِ نيرانه

فَما الليالي في سنِين الصبا ... إلا دُخانُ النَدَّ في حانة)

وعِنْدَ ما أتَممْنَ إنشادَهُ ... وفُزْنَ من ثَغْرَيْهمِا بابِتسَامْ

وقُمْنَ صفَّينِ لِيَعْرِضْنَهَا ... فنانةُ تُغْرِي بحُسْنِ القِوام

توسَّطَتْهُنَّ على غِرَّةٍ ... كَشُعلةٍ تلْعَبُ وسْطَ الظلام

في حُلّةٍ خَضراَء نمَّت على ... ما تحتَها من بشْرَةٍ كالرُّخام

ناهِدةَ الثدْييْنِ. . . تعلوهُما ... جوْهَرةٌ زانتْهمُا كالْوِسام

وَرْدِيَّةَ البطْنِ. . . سِوَى ظلَّةٍ ... وارَتْ عن العين بقايا الحزام

فلم تزَلْ تلْوِي يديها على ... صورةِ غُصْنٍ مالَ ثم استقام

تُزاوجُ اَلْخطْوَ على هينة ... وتارةً تحْجِلُ حجل الَحمام

وكلماَّ دارَتْ بمنديِلها ... ظلَّ كَمَوْجٍ حوْلها في الْتِطام

والعِرْسُ يُلْقِي نحْوَها طرْفَهُ ... فَيَرْشِفُ الصهباَء من غير جام

حتَّى أرتْهُ كيْفَ تُطْوَى الحشا ... للرَّعْشِة الكُبْرَى كمِسْكِ الختام

وانتبذتْ تدعوُ شريكاتها ... أن يُترَكَ المغْنَى لِعُشَّاقِهِ

فسِرْنَ في آثارها زُمْرَةً ... وهنَّ يبْسَمَنَ لإطْرَاقه حتَّى تسلَّلْنَ جميعاً. . . ولم ... يبْقَ رقيبٌ غيْرَ خلاّقه

وانتدَبتْ للبابِ إنْسَانةٌ ... لِتُحْكَمِ الستْرَ بإِغلاقه

فغُودرَ النَّجْمُ إلى نفِسهِ ... يسْبح في ظُلْمَةِ آفاقه

ومدَّ يُمناه إلى شَعْرِها ... يُمِرُّها في طيبِ أعْراقه

مُسْتنشِقاً جُمَّتها كلماَّ ... أنفاسُه ضاقَتْ بأشْواقه

ولم يَزَلْ يَعْطفِهُا رْيثمَا ... أنْزَلَتِ الرَّأْسَ على ساقه

واسْتقبلَتْهُ بمُحَيّا بدا ... كالوَرْسِ في حالةِ إشفاقه

مضطِربَ اَلْجفنِ حياءً له ... مُغرَوْرقَ العَيْن لإشراقه

فنالَ ما يشعُرهُ قلْبُها ... صَداه في أعمقِ أعماقه

وضمَّها مثنى إلى صدْرِه ... ضمَّةَ من يَخْشَى عليها هواهْ

فاكتنفَتها غيْمةُ الحبَّ لا ... تُبْصِرُ في عالَمهِا ما عداه

وأذْنُها فوْقَ حناياهُ لا ... تَسْمَعُ في الدقَّاتِ إلا صداه

وهَكَذا ظلَّ. . . بِمِنِدْيِلِه ... يمْسحُ عن وجْنَتها ما شجاه

وهامِساً في سمْعِها بِعْضَهُ ... وبعضه عند تلاقي الشفاه

(مالكِ - يا خَوْلَةُ - تْبكينَ في ... ليْلِه أُنْسٍ رجَحَتْ بالحياة؟

ناشدْتُكِ اللهِ الذي ضمَّنا ... إلى حياةٍ باركَتْها يداه

إلاّ نفَضْتِ اَلْجفْنَ عن دَمْعِه ... لِتَسْتِطيِعي أنْ تَرَىْ ما أراه

وشاطِري قلبيَ إحساسَه ... لنرْفَعَ الروح معاً في صلاه

أنتِ من الحبَّ جناني. . . فلو ... دُفِعْتُ عنها لَطواني لظاه

ما أرْخصَ العالمَ في ناظِري ... مادُمْتِ قد حقّقتِ أغْلَى مُناه)

ومرَّ بالثغْرِ على جَفْنها ... فأَرْخَتِ الجفْنَ على مائِهِ

وداعَبتْ أنفاَسُهُ خصْلَةً ... من شَعرِها قامت لإغرائه

فأعرضَتْ في خَفَرٍ حيثُ لمَ ... تقْوَ على منْظرِ إفلاَئه

وأشرقَتْ في فَمِهَا بَسْمَةٌ ... كالفجْرِ في مطلعِ أضوائه

ورنَّ في أعْطافِه صْوتُها ... كالماء يجري فوق حصْبائه (مالِكُ! ما رُوحي سِوَىِ مِعْزَف ... بين يَدَيْ باعثِ أصْدائه

لا أحَدٌ - حاشاك - أعْنُو له ... إلا الذي يُدْعَى لأسمائه

دُونك قلبي خالِصاً. . فهْوَ إنْ ... يَبْذُلْ فمِنْ كل سُوَيْدائه

لا خيْرَ بَعدكَ في لؤُلؤُ ... إنْ لم تفُزْ أَنتَ بلأْلائه

إن تَرَ دمْعي سائِلا فهْوَ لا ... يُنْبِئَ إلا عن هوىً تائه

رَضِيتُ ما تشِعُّهُ في الدُّجى ... يا كوْكباً في أوْجِ إسْرَائه)

ثمَّ أدارَتْ مبْسِماً ضاحِكاً ... كالوَرْدِ في أوَّل إفضائه

يفَتَرُّ لِلقُبْلِة في وجْهِه ... فَضمَّها شوْقاً لأِحشائه

(البحرين)

إبراهيم العريض