انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 343/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 343/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 01 - 1940



في العروض

في العدد الماضي من (الرسالة) تعقيب عنوانه (التجديد في العروض)، وغايته مناقشتي في بحر (وضعتُه)، وكنت نشرت أبياتاً منظومة عليه (قصيدة (الناي) في العدد ال340، وجعلت اسم البحر: (المنطلق). ولن أجاذب صاحب التعقيب. بل عليّ عهد أني كلما رأيت كاتباً يعرض لي وهو غير مستوثق مما يكتب ولا متقصّ في التدقيق عدلت عن الجدَل إلى ما يجلب لصديقي القارئ بعض الفائدة. ولك أن تسألني عن مواضيع النبوّ في تعقيب الكاتب. وإليك الجواب مختصراً:

يقول الكاتب إن البحر الذي قلت إني (وضعتُه) (وهو: فاعلاتن مفاعلتن، مرتين) قد (خيل إليّ أني اخترعته). وهنا أحب أن أبصّر الكاتب، على عجل، مواقع ألفاظ العربية: فإن (الوضع) غير (الاختراع)

وقد علّل الكاتب كيف (خيل إليّ) وضع البحر بقوله: (يوجد هذا الضرب نفسه بأجزاء أخرى هي (فاعلن فاعلن فَعِلُن) فهو إذاً الضرب الأول من العروض الثاني (يريد: الثانية) من المتدارك، وهو المجزوء الصحيح، وأقرب أمثلته لوزن الدكتور بشر هو الضرب المخبون المرفَّل من هذا المجزوء الصحيح، ومثاله في (متن الكافي) هو:

دار سُعدى بشحرِ عمان ... قد كساها البلى الملوانْ

على أن هنالك فرقاً يسيراً قد يلحظه القارئ بين الوزنين، فذلك أن وزن الدكتور بشر ينقصه الترفيل (وهو زيادة سبب خفيف. . .) والسبب الخفيف متحرك بعده ساكن كقَدْ. فهو يمثل الألف والنون الأخيرتين في (عمان) و (الملوانْ) واللتين بحذفهما نحصل على نفس الوزن المنطلق الذي جاء به الدكتور بشر) 1 هـ.

أولاً: ليراجع الكاتب (متن الكافي) الذي استند إليه، وشرحه (المختصر الشافي) للدمنهوري وغيرهما ليعلم أن للعروض الثانية المجزوءة من المتدارك ثلاثة أضرب هي: فَعِلاتن، فاعلان، فاعلن. فأين (فَعِلُن) الذي أتى به؟ وإذا بدا له أن يتذرع بالخبن، فليذكر أن (الخبن) من (الزحاف) فما هو بلازم في فاعلن، وإن لزم في فعلاتن الوارد هكذا على أنه ضرب.

ثانياً: قرأ الكاتب البيت الذي استشهد به (متن الكافي)، وهو غير مشكول. فسكن النون من (عمانِ) و (الملوانِ). والصواب: كسر النون (عمان، الملوان) - كما يعينَّ ذلك موضع الشاهد من الكتاب - فيكون الوزن (فعلاتن) لا (فعلان)

ثالثاً: والظريف أن الكاتب يزيد أن في البيت ترفيلاً. فيشرح الترفيل، ويضرب المثل بكلمة (قد)، ثم يقول: (إن الترفيل يمثل الألف والنون) من (عمانْ) و (الملوانْ). والصواب: (أنه يمثل النون المكسورة)، مع إشباع الكسرة. وأما (الألف والنون) فالألف تتمة التفعيلة السابقة، النون هي التذبيل، فلا ترفيل كما وهم الكاتب

رابعاً: يقول الكاتب إن بين الوزن الذي استكرهه والوزن الذي وضعتُه (فرقاً يسيراً. . . وبحذف اللف والنون (والصواب كما رأيت: بحذف النون مع حركتها المشبعة) نحصل على نفس الوزن المنطلق الذي جاء به الدكتور بشر). فكأن الأوزان على يد الكاتب تنقص وتزيد وتضغط وتمط بجرة قلم. وإن توهم أن الترفيل في العروض لا يقدم ولا يؤخر كما يقولون، فليسأل أهل التلحين والغناء عن النقرة التي تبعد إيقاعاً من إيقاع، والغمزة التي تجنَّب (الصبا) من (البياتي) مثلاً. ولينشدهم (قصيدة الناي) يخبروه هل البحر الأول (وهو في وهمه مجزوء المتدارك) على ميزان البحر الثاني (وهو المتدارك). إلا إن الشعر والموسيقى من منبع واحد. أليس لكليهما دوائر قائمة على الأسباب والأوتاد والفواصل عند أرباب الفنين؟ ليفطن الكاتب إلى هذا

وخلاصة القول أن أركان صناعة الشعر وشواهدها تختلط على قلم الكاتب وتتلوى. فكيف أجاذبه فيما انحرف إليه؟ هذا وإن لي حديثاً في (بحر المنطلق): كيف خطر لي وما أصوله، وإني لسائق الحديث يوم يخرج الديوان تسبقه توطئة

بشر فارس

ثناء ورجاء

أُثني على مطالعة الأستاذ عوض السيد السحل الفاحصة، وأعلمه كي يبتهج أن قد حُذف القول الخامس من جريدة (قد لا يكون)، وإن أراد الإمام العكبري - كما ظن قبل - (وقيل أن مصدرية، وقد لا تمنع من ذلك).

وأرجو من الأستاذ توفيق الفكيكي أن يتفضل بقراءة: (كلمة في اللغة العربية، والأسلاك الصحيح). فمقالته الكريمة (نهج البلاغة أيضاً) في (الرسالة الهادية) تخبر أنه لم ير الكتابين. وإذا تلا قولهما، ولم يقنعاه، فإني أهنيه بإيمانه.

محمد إسعاف النشاشيبي

اقتراح

كنت نشرت في (الرسالة) مقالاً به فصلاً واحداً من كتاب (الإمتاع والمؤانسة) الذي أخرجته لجنة التأليف والترجمة والنشر بتصحيح الأستاذين الفاضلين أحمد أمين وأحمد الزين. وقد نبهت المصححين إلى سبع وعشرين غلطة أساسية في ذلك الفصل الواحد. وبعد أسابيع كتب أديب أخفي اسمه مقالاً مطولاً في الرد عليّ، ولكنه لم يستطيع أن يثبت أني أخطأت في كلمة واحدة مما نبهت إليه، ومع ذلك دار حول بعض الألفاظ ليوهم للقراء أنه فند كلامي

وأقول: إنه لا خوف من أن ينخدع القراء بمحاولة ذلك الأديب، وإنما الخوف على ذلك الأديب نفسه! فهل أستطيع أن أقترح على الأستاذ الزيات أن يدعوه لمقابلتي ومعه الكتاب لأهديه إلى ما خفي عليه من عبارات التوحيدي. . .

إن كان طالب علم فليحضر (مع المختلفة) للاستفادة، وإلا فليعرف أن وقتي يضيق عن محاورة من كان في مثل حاله من الجهل بأساليب القدماء.

زكي مبارك

الكهربائية تعتاد

مما استوقف نظر بعض الأدباء في شيء من الإنكار ما جاء به في كتاب (آفاق العلم الحديث) من مبحث الأستاذين هل وكرم عن الأفعال العكسية الأصيلة والمتحولة وأساسها في عالم المادة، ذلك أنه قرر أنه إذا اقترن مؤثران في إحداث أثرين معاً، وتكرر هذا الإحداث عدة مرات، فإن أحد المؤثرين منفرداً يمكنه أن يقوم بعمل الاثنين معاً في إحداث الأثرين. وهذا التفسير المادَي أراد به إيضاح قاعدة بافلوف في الأفعال العكسية المؤصلة والمتحولة. والتجربة التي أجراها في هذا الموضوع أنه أتى بمصباحين كهربائيين أو جرسين متصلين، كلاهما ينير أو يدق بالضغط على زرين، وبتكرار هذه العملية تمكن من إيجاد شبه عادة في أن يجعل الكهربائية تسري في السلكين المتفرعين من الزرين، وأن تنير المصباحين أو تجعل الجرسين يدقان. وتفاصيل هذه التجربة مذكورة بإيضاح في كتاب (آفاق العلم الحديث)، وهي في الأصل مقال نشر بمجلة المقتطف لأعوام خلت

ولست أعرف كيف يوجد في الشرق العربي أناس يزعمون أنهم متصلون بالثقافة الأوربية الحديثة، وأن لهم دراية بآخر نتائج العلم التطبيقي في أوربا، ومع ذلك يجهلون مثل هذه النتائج التجريبية التي انتهت إليها أوربا، ويعتبرونها من أضغاث أحلام الكتاب الفرنجة؛ مع أن هذه المباحث ليست نظرية إنما هي وليدة التجربة والاختبار. ولا شك أنه ليس للأفكار ولا للمنطلق أن ينازع في حقيقتها، ما دامت التجربة والاختبار. ولا شك أنه ليس للأفكار ولا للمنطق أن ينازع في حقيقتها، ما دامت التجربة تثبتها؛ وهذا الموقف يذكرني تماماً بتلك المحاولات الفاشلة التي كان يثيرها البعض أمام كل اكتشاف علمي جديد

ولكم أرجو أن يتمكن أدباؤنا من الأسس العلمية التي تقوم عليها الفكرات الحديثة قبل التعرض لها

(الإسكندرية)

إسماعيل ادهم

فهم معكوس في معنى بيت وإعرابه

من الخطأ ما يلتمس لصاحبه فيه العذر، وهو الخطأ الذي يكون عندما يستغلق الأمر، ويصعب فهم المراد من الكلام؛ أما الخطأ الذي لا يعذر فيه صاحبه فهو الذي يكون عند وضوح الرأي، وظهور المعنى غاية الظهور، ومن هذا الخطأ الأخير ما وقع فيه الأديب الفاضل محمد رجب البيومي، فقد فهم فهماً معكوساً ما كتبته في معنى بيت الأعشى وإعرابه:

ألم تفيض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السَّليم مسّهدا

ومع هذا يبتدئ ما كتبه بهذه الجملة التي لا معنى لها: (للأستاذ عبد المتعال الصعيدي انتقادات ومباحث تصيب مرماها مرة وتخطئه أخرى) ولله الشكوى من مثل ذلك الفهم المعكوس وذلك الاشتباه الظاهر، وفي النفس ما فيها من هذا الزمان وأهله لقد ذكرت أيها الأديب الفاضل أني أنا الذي أعرب (أرمدا) في بيت الأعشى فعلاً ماضياً مسنداً إلى ألف الاثنين العائدة على قوله عيناك، وعلى هذا تكون (ليلة) في البيت منصوبة على الظرفية، ولا تكون مفعولاً مطلقاً كما يقول الأستاذ أبو رجاء نقلاً عن حذاق النحاة

ولو أنك أيها الأديب الفاضل تأملت قليلاً في كلامي لوجدت أن الإعراب الذي نسبته إلي هو إعراب الأستاذ أبي رجاء، وليس هو إعرابي ولا إعراب حذاق النحاة، لأني أوافقهم على إعرابهم، والذي يخالفهم هو الأستاذ أبو رجاء

ولو أنك تأملت أيضاً قليلاً في كلامي لعلمت أن السبب في فساد إعراب ليلة على الظرفية وأرمدا فعلاً ماضياً هو أن الأعشى لم يكن في مقام الشكوى من رمد في عينيه. أما الذي ذكرته في فساد ذلك فخطؤه ظاهر أيضاً، لأنك ذكرت في فساده أنه لا يتأتى انطباق جفون العين وذوق حلاوة الكرى في وقت ألم السن من الرمد، فأما أن ذلك لا يتأتى في ذوق حلاوة الكرى فصحيح، وأما أنه لا يتأتى في انطباق جفون العين فهذا هو الخطأ الظاهر، لأن اغتماض العين من الرمد لا يمكن إنكاره، وهو الذي يمكن أن يراد في بيت الأعشى على الإعرابيين، ولكنه يكون صحيحاً جارياً على التشبيه في إعراب النحاة، ونابياً عن المقام في إعراب الأستاذ أبي رجاء. أما اغتماض العين في الكرى فبعيد عن البيت كل البعد، ولا يريده من يجري إعراب ليلة على الظرفية. ونصيحتي بعد هذا إلى الأديب الفاضل ألا يهجم على الكتابة قبل التأمل، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته

عبد المتعال الصعيدي

مميزات بني أمية - محاضرة للأستاذ محمد كرد علي

هذه هي المحاضرة الثانية التي ألقاها الأستاذ العالم محمد كرد علي بك في دمشق. ولقد كنا نقدنا في (الرسالة) محاضرته الأولى (كتبنا وتآليفنا) التي ألقاها قبل شهور، وقلنا إنها محاضرة لا ترتيب فيها ولا استقصاء، وقال عنها الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي إنها لا تزيد عما كتبه مؤلفو (الوسيط) للتلاميذ في كتابهم، فلنر هذه المحاضرة ونصيبها من التوفيق

موضوع المحاضرة (مميزات بني أمية) ألقاها الأستاذ في قاعة الجامعة السورية الكبرى وسمعها ناس كثيرون، من تلاميذ وطلاب ومعلمين، وأساتذة، وموظفي وزارة المعارف، وبعض المتأدبين الناشئين من تلاميذ (أصمعي هذا العصر الشيخ مارسه) كما يقول الشيخ الطنطاوي. وكانت المحاضرة على عين من مدير المعارف العام معالي عبد اللطيف الشطي بك

بدأ الأستاذ ببحث لغوي عن كلمة (أمة) والنسبة إليها، وتصغيرها. ثم خطأ من يقول (أموي) بالفتح وصوب من قالها بالضم، ثم انتقل الأستاذ فأطرف السامعين بحديث عن أنساب أميّة، ملّه الناس منه، لأن الأنساب ليس مما يتحدث به إلى الناس في حفل عام. وذكر أنهم كانوا تجاراً، وبيّن شأن تجارتهم في تلك الأوقات وقال إنهم (أدخلوا مكة في دور مدني، وأن منهم عرفت قريش أرض العجم والروم. .)

وانتقل الأستاذ إلى أبي سفيان، فأفاض في ذكر أحواله في الجاهلية، وانتقل فجاءة إلى معاوية فذكر ما كان يقوله عمر إذا رآه. ثم عاد إلى أبي سفيان فذكر أن له الفضل بنقل الخط إلى الجزيرة، وانتقل بعد ذلك إلى عثمان بن عفان؛ فقال إنه جمع القرآن، ولولاه لكان القرآن اليوم ضائعاً. . . وأنه كان يكرم حرملة الشاعر النصراني. . . وانتقل إلى خالد بن يزيد وذكر أنه أول من ترجم الكتب القبطية والسريانية إلى العربية. وتخطى الأستاذ الخلفاء، حتى أتى عمر بن عبد العزيز؛ فقال إنه أول من عنى بتدوين الحديث

ثم رجع القهقري وقال: (ولم يكن بنو أمية من النابغين لما استعملهم الرسول على الولايات. وقد انتقل رسول الله وأكثر العمال من بني أمية، وأنهم كانوا في الجاهلية أمراء، وكذلك كانوا في الإسلام)

وقفز الأستاذ إلى معاوية فقال وأفاض، وأبان عن علم، حتى حسبنا أن المحاضرة قد انقلبت إلى محاضرة عن معاوية لا عن بني أمية. فذكر تشبه معاوية بالروم (وهذه وكل ما سيأتي من مميزاته)، وما اقتبسه من الأمم المجاورة من الأبهة والعظمة، وما ألف من مجالس الوفود، وذكر استخدامه النصارى والعلوج في وظائف الدولة، وقال إن بني سرجون كانوا وزراء المال عنده، وإنه كان ذا عقل ناضج، واستدل على سعة عقله بخبر عبد الله بن قيس إذ لقي في (صقلية) أصناماً من الذهب فأخذها معاوية وأرسلها إلى الهند لتباع ويؤخذ ثمنها. وقال إن معاوية حسن حال الحكومة، واستطاع بدهائه أن يأخذ الخلافة من علي وهو راض، ومن أبنائه وهم راضون. . . وأنه أول من وضع الحشم للملوك وأمر برفع الحراب بين أيديهم، ونظم الجيش، وأعطى الجند رواتب، ووضع البريد، وعلم الناس التجسس إذ عين صاحب الخبر (أي مأمور استخبارات)، وأوجد في مصر رجلاً كان يطوف على الناس كل ذي ليلة فينادي: (هل ولد فيكم ولد، هل ولدت فيكم جارية، فيقولون ولد لفلان كذا. . . فيكتب اسمه)

وقال الأستاذ إن معاوية كان يعتمد على العطاء ثم الإقناع والرضاء، فإن لم تفد هذه الأشياء عمد إلى القسر، وذكر إسرافه في الأموال ليسكت العلويين والهاشميين، واستخدامه الشعراء والقصاص للدعاية. . . الخ

ويترك الأستاذ معاوية ويأتي إلى عمر بن عبد العزيز فيذكر ورعه وتقواه، وعفته وصدقه. . .

ثم قال: ولقد كانت دولة الأمويين دولة عربية صرفة بكل مظاهرها و. . . (والحق أن هذا القول ينطبق على أيام معاوية!!؟) ثم ذكر مروان بن محمد الملقب بالحمار (ولم يذكر الأستاذ لقبه) وقال إنه كان على جانب عظيم من العقل، وانتقل إلى ذكر قصر الحير الذي بناه هشام في الشام (والذي كشف أخيراً خارج دمشق من جهة البادية، ووضع في متحف دمشق الأثري)

ويجعل الأستاذ من مميزات معاوية جعله الشام (جمعية أمم) فقد رحب بالناصري واليهود والسريان والروم والسود والبيض والحمر والصفر. . . إلى ما هناك من شعوب وأمم، ثم انتقل إلى ذكر ولاة بني أمية، فأشاد بمناقب الحجاج، وأكبر أفعال موسى ابن نصير وعظم غيرهما. . .

وقال الأستاذ: إن هواه كان وما يزال مع بني أمية، لأنهم ظهروا له بعد البحث والدراسة جديرين بهذا الهوى. وقد حاول الأستاذ أن يكذب ما نسب إلى بعضهم من الأخبار التي لا تشرف

وختم الأستاذ محاضرته بقصيدة شوقي في بني أمية. ولعل أحسن ما في المحاضرة هذه الأبيات التي ختم بها الأستاذ محاضرته فأحيت السامعين، وترنحوا منها طرباً ونشوة.

تلك هي المحاضرة لخصتها في هذه الأسطر، والقارئ رأى معنا هذا الاضطراب وهذا التفكك الذي فيها!. . . وما ندري، أأصبح عدم الترتيب والاضطراب في السرد من مميزات محاضرات الأستاذ في هذه الأيام؟ على أننا لا ننكر أن هذه الأخبار التي ذكرها الأستاذ تدل على معرفة واسعة وقراءة دائمة، وهذا ما عرف به الأستاذ. ونحن وإن كنا ننكر عدم الترتيب وذاك الاضطراب، وهنات نحوية بسيطة، فإننا نعجب بالأستاذ وبعلمه، وبتلك الأبيات التي ختم محاضرته بها.

(دمشق)

(ص. م)

توفيق الحكيم في نظر كاتب أوربي

كتب المستشرق المجري الأستاذ جرمانوس أستاذ التاريخ بجامعة بودابست فصلاً عن الأستاذ توفيق الحكيم في كتاب له ظهر بالألمانية حديثاً بعنوان: (الله أكبر) نلخصه فيما يلي:

. . . يميل اليوم كثير من الكتاب المصريين إلى استخدام اللغة الشعبية والتعبير بها عن كل ما يراد التعبير عنه. لكن الكتابة بهذه اللغة اعتبرت بدعة جريئة عن ما قام مفكر حر واستطاع بفضل ما أوتيه من موهبة أن ينفذ عقيدته الفنية. ونعني بهذا المفكر الحر توفيق الحكيم

درس توفيق وعاش في باريس. هناك تغيرت عقليته. وحينما عاد إلى القاهرة ليشغل منصباً رفيعاً في وزارة المعارف، نشر حوله ظلال أفكاره وثمرة تأملاته. أراد أن يكتب كما أحس وتكلم، ثم نقل كل شعوره وإحساسه الفكري إلى العربية مباشرة

اقتبس توفيق الحكيم موضوعاته من تقاليد الإسلام، ووفق لتمثيل خيالاته على أحسن صورة؛ لكن الشكل والأسلوب جديدان تماماً. وهو يصف أسطورة شهرزاد بأسلوب حواري أقرب ما يكون إلى البساطة والرمزية في الوقت نفسه. وهو يعرف - بأزميله الفني - كيف يصب أشخاصه في قوالب من لحم وعظم

وقد قال لي توفيق الحكيم في إحدى محادثاته: (ليس في وسعي أن أكتب إلا في جو الحرية). والواقع أنه بشخصيته المتواضعة، ورقته ودماثة أخلاقه، يمثل لنا الكاتب الشرقي في أحسن صورة

ثم أردف قائلاً: (إنني أحس أن قلمي وكذلك فكري شبه محجور عليهما في الشرق. إن شعوري متوثب، وفكري متقد؛ ولكن يصعب علي تحديد هذا الفكر ورسمه على الورق باللغة التي أريدها، فإن الفكر والشعور يتجمدان تماماً. نحن لا نملك بعد لغة مرنة ولا نحيا حياة أدبية صحيحة. إننا نعرف من المعاني عظاماً قد تسرب السوس إليها من قرون. لأننا فقدنا شهيتنا لتذوق طعم اللحم الطازج. لهذا السبب أميل إلى الطبقات الشعبية لأنها لم تشبع بعد ولا تزال على فطرتها وسذاجتها. فلعل الشعب يفهمني)

صديقي العزيز توفيق! حقاً! اليوم لا يفهمك ويقدرك حق قدرك سوى بعض المستشرقين الذين في وسعهم مطالعة أعمالك وتفهمها على وجه صحيح، وكذلك فئة قليلة من المصريين المثقفين؛ ولكن صبراً ستتطور إفهام الجماهير، وستنمو لشعبك أسنان جديدة؛ ويومئذ يقبلون على التهام آثارك الأدبية الشعبية

ثم تكلم الكاتب بعد ذلك عن شهرزاد وأهل الكهف وعودة الروح وحياة محمد، ثم ختم مقاله بقوله: ومهما يكن من شيء فإن الذي أعتقده وأؤمن به أن توفيق الحكيم يستحق تعضيد العالم العربي، فيقدر جهوده الفكرية حق قدرها ويعني بتفهمها على وجهها الصحيح لييسر للشرق المضي في السير نحو مثله الأعلى.