انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 323/من نار الفراق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 323/من نار الفراق

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1939



قبلما يتمرد القلب!

(سأغضب، فاخشى غضبتي، إن نارها=بقلبي بركان خفي

معربد)

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

1 - الغضب الملتاع. . .

سأغضبُ. . . لا أجفو، ولا أتمرَّدُ ... ولكنْ ضبابٌ سوْف يَنْكى له الغدُ!

سأغضبُ. . . لا أسلو! وكيفَ؟! وإنما ... حَبيبُكِ تُضنيهِ الجراحُ فيزْهدُ

ويزْهدُ لا عنْ نُور عيْنَيْكِ. . . إنما ... أغاني الهوَى للقَصْر تَبْلى وتَنفدُ

ويُصبِحُ شادِيكِ المُعَذَّبُ غُنْوَةً ... مُكبَّلةَ الأنغامِ لا تَتَنهَّدُ

خَريفيَّةَ الأحلامِ، قَبْرِيّةَ الصَّدَى ... بها الحُبُّ مَخنوقُ الشُّعاعِ مُقَيَّدُ

تُولْوِلُ في صَمْتِ الدُّموعِ كأنها ... عَزيفُ الليالي. . . لا ربابٌ، ولا يَدُ!

سأغضب. . . فاخشيْ غضبتي! إنَّ نارها ... بِقَلْبي بُركانٌ خَفِيٌّ مُعَرْبِدُ

إذا ثارَ. . . يا ويْل الهوَى! ويْلَ صفوِهِ ... إذا هَبَّ إعصارُ الملالِ المبَدِّدُ

ويا ويْل ما غنَّت لكِ الرُّوح شِعرَها! ... سَيَصْمُتُ بي هذا العَذابُ المغرِّدُ

وتَثْمَلُ أوْتاري بخمْرٍ شَقيَّةٍ ... على كأسِها جِنُّ الأسَى مُتَمَرِّدُ

سَقَى كرْمَها دَمعُ الثَّكالَى، وهَزَّها ... أَنينٌ على لَيْل الحَزانَى مُتَردَّدُ

فإنْ رُمْتُ تَغْريداً لحُسْنِكِ لَفَّني ... جُنوني، وأعْياني السُّكون المشَرَّدُ

ويَغْدُو إلهُ الحُسنِ في عُزْلةِ الهوَى ... فلا الحُسن معبودٌ، ولا الصَّبُّ يعبُدُ. .

سأغضبُ. . . لكنْ غضبةَ الزَّهر حِينما ... يُجافيهِ ظِلٌّ في الهَجيرِ مُمَدَّدُ

سأغضب. . لكن غضبةَ اللَّحْن حينما ... يَدِفُّ به في قَفْرَةِ السمْعِ مُنشِدُ

سأغضب يا نَبْعَ الرِّضا وظِلالَهُ ... ويا مَنْ إليها جَذْوَتي تَتوَقَّدُ

فخِفِّي إلى أيَّاميَ السُّودِ، وامسحي ... جَبيناً على كفَّيكِ كم راحَ يَسجدُ!

وَزُفِّي خُطاكِ البِيضِ إني بِنورها ... إلى واحَتي الكُبرَى أَسِيرُ وأُرْشَدُ. .

2 - التوبة الكبرى

(القبلة!. . .)

. . . وأَبْعَدُ آفاقِ الهَوَى مِنكِ قُبلَةٌ ... هِيَ الخُلْدُ أوْ في حبِّنا هِيَ أخْلَدُ

بَقيَّةُ آمالي من الكونِ طَيفُها ... أبِيتُ لهُ مِنْ لَوْعَتِي أتَهَجَّدُ

نَشُيدة أحْلامِي من الحبِّ، دُونَها ... وعُمرِي كَعصْفِ السّافِياتِ يُبدّدُ

فهاتِي لرُوحي خَمْرَها وجُنونَها ... فَمَا بِسِوَاهَا مُهْيجَتِي تَتَعَبّدُ

هِيَ التّوْبةُ الكبرى لِجسمي إذا غَدَتْ ... بِهِ شَهْوَةُ الآثامِ تُرغْى وتُزْبِدُ

فلا تحْبِسيها في الشِّفاه. . . وأقْبِلي ... بِثَوْرتها. . . فالعُمْرُ أوشكَ يَنْفدُ!

(سأغضب. . . لا أجفُو! ولا أتمرّدُ ... ولكنْ ضبابٌ سَوْف يبكي له الغَدُ)

(فخِفِّي إلى أيامِيَ السُّود، وامْسَحي ... جبيناً على كفَّيك كم راحَ يَسْجُدُ!)

(القاهرة)

محمود حسن إسماعيل