انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 322/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 322/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 09 - 1939



إلى أي طريق يتجه الشباب الألماني؟

(عن مجلة (باريد))

هل يستطيع هتلر أن يعتمد كل الاعتماد على الملايين التي حشدها لأجل الحرب؟

هذا سؤال جدير بالعناية والتفكير. ولقد كتبت مسز نورا والن المؤلفة المشهورة مقالاً في (الأفننج بوست) عن روح الشباب الألماني يلقي ضوءاً جديداً على هذا الموضوع.

يقول كثير من الألمان: (إننا لم نكسب الشباب). وتقول مسز والن: إنني لم أصدق هذا القول حتى شاهدت بنفسي كثيراً من الحوادث التي تؤيده.

إن الحالة في ألمانيا كما تبدو للعيان تدل على الانسجام والتوافق بين حزب النازي وبين الشباب في ألمانيا. فهم ينتظمون في الصفوف، وينشدون الأناشيد، ويهتفون ملء حناجرهم، ويرفعون أيديهم اليمنى للتحية، ويرتدون الملابس الحربية التي يؤمرون بارتدائها، وتبدو عليهم مظاهر الطاعة في كل شيء.

إلا أن كثيراً من هذه المظاهر تخفي وراءها المقت والاحتقار. وقد سمعت بعض الآباء يقول: (من يدري ماذا يفكر أبناؤنا؟ إن قليلاً منهم الذين يستطيعون أن يصرحوا لأمهاتهم أو آبائهم بذات نفوسهم إنهم على ما يظهر يضمرون لنا الكراهية والاحتقار، وإننا لم نكن كذلك في شبابنا)

ولقد سمعت بعض أساتذة المدارس يصف الجيل الحاضر في حذر واحترس فيقول: (إن الشباب الذي يعيش في ألمانيا اليوم جيل عجيب؛ فهم في ظاهرهم خاضعون للنظام والقوانين، وفي باطنهم على خلاف ذلك. فكل ما يمنعون منه لا يلبث أن يصير موضع بحثهم ومثار شهوتهم؛ فهم يبحثون عن الكتب المحرمة، ويسعون وراء الحصول عليها بهمة لا تعرف الملل. وكم تكون دهشة المعلم حين تنكشف له الحقيقة، ويجد تلاميذ فصله ملمين بهذه الكتب أكثر من إلمامهم بدروسهم المدرسية. إن لنا تراثاً عظيماً وذخيرة كبيرة من الآراء والأفكار الألمانية التي تناقض نظرية النازي. وعلى الرغم من الضغط الشديد الذي يلاقيه أطفالنا فإنهم لا يشبون على جهل بهذا التراث. فحرق بعض الكتب لم يكن ليخلي المكتبات منها. ففي ألمانيا عدد لا يحصى من الكتب الممنوعة التي يستطيع الشباب أن يحصلوا عليها. إن الفكر الألماني وإن كان بطيئاً، إلا أنه ليس بليداً على الإطلاق. فهو سريع الانفعال، ومن السهل استثارته، ولكنه يكتشف المزاعم الخاطئة كيفما كانت).

وتقول مسز والن في مقالها هذا إنها سمعت بعض أعضاء النازي يقولون: (من يدري ماذا يكون إذا قامت الحرب؟ لقد جندنا جيشاً جراراً من أبناء ألمانيا، ولكننا لا ندري إلى أي ناحية سيتجه ذلك الجيش)

لقد زعزع حزب النازي الثقة التي وضعها فيه أبناء ألمانيا، فقد كانت مزاعمه الأولى التي اجتذب بها قلوب الشباب، مبنية على أساس من المثل الأعلى، فزعموا أنهم يعملون على ترقية الجنس وليست لهم رغبة في غزو بلاد أخرى أو إزعاج أهلها بأي حال. ولكنهم نقضوا العهد فساقوا الجيش لاحتلال بلاد غير بلادهم. وهذا أمر لا يرتاح إليه الشباب، فقليل بين الشباب الألماني الذين يميلون إلى روح الاستعمار البغيض

مذهب التعقيم

(عن (داي بروك) الألمانية)

كثير من المذاهب والأنظمة التي ظهرت في ألمانيا هذه الأيام وضعت للأجيال القادمة. وقد كان قانون التعقيم الذي يرمي إلى منع النسل العاجز أو المصاب بالأمراض المتوارثة، عن الظهور على مسرح الحياة، من القوانين التي قابلها العالم بالاهتمام، وعالجها بكثير من النقد والتمحيص

وقد أعلن الكثير من العلماء والمفكرين من مختلف الأمم، أن هذا المذهب سيكون له شأن كبير في تحويل وجهة التاريخ الإنساني، وعده آخرون رجعة إلى الهمجية والوثنية الأولى.

ولم يكن هذا القانون وليد الفكر الألماني وحده، فقد نبتت بذوره في الولايات المتحدة، وكثير من الأقاليم السويسرية، والولايات الاسكندنافية، وما زال الصوت يرتفع في كثير من الممالك ومنها بريطانيا العظمى، بتنفيذ مثل هذا القانون.

أما الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا القانون فهي بسيطة يدركها الطفل الصغير، ولكن السبب الجوهري هو التكاليف الباهظة التي تتحملها الحكومة من جراء هذا النسل

فالطفل الصحيح الذي يتعلم في المدارس يكلف ألمانيا 75 ماركاً في السنة، بينما يكلفها الطفل المصاب بنقص في قواه المدركة أضعاف هذا المبلغ. وتبلغ المصاريف التي تنفقها الحكومة من أجل الشخص المعتوه من 6 إلى 8 ماركات في اليوم. أما الأشخاص المصابون بالميول الإجرامية الذي يحتاجون إلى حراسة خاصة ورعاية صحيحة لتقويمهم، فيتكلف كل شخص منهم 20 ماركاً في اليوم

وقد ثبت أن العامل الألماني لا يكتسب في الغالب ما يعادل ما تنفقه الحكومة على الضعفاء والمعتوهين وأصحاب الآفات والمجرمين. فهل تسمح ألمانيا التي تكافح جهدها للاحتفاظ بكيانها بأن يستمر هذا التيار الجارف من النسل العاجز بغير انقطاع، فتضع على كاهل العمال عبئاً لا قبل لهم باحتماله، أو تخطو خطواتها المباركة لقطع هذا النسل. . .

وقد شمل قانون التعقيم الصم والبكم والعمي الذي خلقوا بهذه الآفات وإن كان الكثيرون منهم لا يكونون عالة على الحكومة بعد تعليمهم، فهناك سبب آخر ساعد على تنفيذ هذا القانون عليهم قد يكون أكثر أهمية من أي سبب آخر. ذلك أن عدد ذوي العاهات قد يتجاوز عدد الأصحاء إذا ترك على ما هو عليه

وقد اصبح الرجال ذوو المكانة والعقول الراجحة في ألمانيا يكتفون من النسل بطفل أو طفلين، وأصبحت العائلات الصحيحة تتجنب كثرة الأطفال، هذا فضلاً عن الوقت الذي يصرفه أبناء الطبقات الممتازة في التعليم والتخصص في الدراسات العالية مما لا يمكنهم من الزواج قبل سن الثلاثين. بينما يتزوج ذوو العقول الضعيفة في سن تتراوح بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين

وعلى هذا القياس لا يمضي مائة عام حتى تكون نسبة النسل الضعيف قد تجاوزت نسبة النسل الصحيح عشرات المرات

وقد أخذت الحكومة الألمانية تراقب هذه الأحوال بيقظة ودقة وتبذل غاية جهدها لإخراج جيل قوي صحيح