انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 278/مصدر الهتلرية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 278/مصدر الهتلرية

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 10 - 1938



منذ أعوام أصدر مستشار الريخ كتابه (كفاحي) متضمناً السياسة التي عول على السير بمقتضاها، وهي سياسة صريحة لا مراوغة فيها ولا مداورة. فهل كان هتلر هو خالق هذه المبادئ وواضع تلك السياسة؟

يرى فريق من المتتبعين لتطور السياسة الألمانية في نهاية القرن الماضي أن كل ما جاء به دكتاتور ألمانيا إنما هو مأخوذ عن المبادئ التي وضعها الأستاذ هنريك فن تريتشكي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة برلين وبثها في محاضرات ألقاها على القوم في فريبرج ولينرج وبرلين، أيام كانت ألمانيا تحرز النصر تلو النصر على الدانيمرك والنمسا وفرنسا (أعني في المدة ما بين 1866 - 1872) ووقت أن كانت تحتاج ألمانيا إلى روح من (مركب النقص) تدفعها على الدوام لأن تتبوأ القمة بين دول أوربا

يقول الأستاذ همبدن جاكسون في بحث نشره عن نظريات تريتشكي: (يحتمل أن تكون آراء تريتشكي قد استمدت مباشرة من كتاب (كفاحي)، لولا أنها ظهرت قبل أن يعرف الوجود هذا الكتاب بنصف قرن) ولقد كتب تريتشكي يقول: (إن الحكومة هي القوة، ووظيفة الحكومة الجوهرية هي شن الغارات، وبدونها لا تكون هناك حكومة قط، فلولا الحرب ما كانت الدولة. وينبغي أن يجعل المرء شعاره على الدوام: (إن الحروب دواء الأمم المريضة) كما أنه في الساعة التي تقول فيها الحكومة: (إن كياني ووجودي في خطر) ينبغي أن يغفل المرء البحث عن مركزه الاجتماعي، وأن يتناسى كل حزب خصومته، وينكر كل فرد ذاته، وأن يعتقد أن ليست حياته بشيء إن هي قيست بخير المجموع. وفي هذه اللحظة ذاتها تتجلى عظمة الحرب التي تقول بوجوب تلاشي الضعيف، أما المثل الأعلى للسياسة فهو الذي ينشد الحرب بينما تنفر منها المادية. ما أبعد الأخلاق عن الواقع حينما تحقر شأن الغلبة في الكيان الإنساني)

ولقد حذا هتلر حذو تريتشكي فما حاد عن تعاليمه قيد شعرة، فقال عن المعاهدات: (ليس في وسع أية حكومة أن تجعل مستقبلها رهن مستقبل حكومة أخرى، فلكل دولة الحق في أن تعلن الحرب متى شاءت، كما أن لها الحق في أن تنقض أية معاهدة متى رأت فيها غلا لها. إن لكل زمن معاهدة)

لم يقتف هتلر خطى الزعيم المدرس المتوفى عام 1895 في السياسة فحسب، بل اتبعه ف جميع نواحي الحياة السياسة والاجتماعية، فمن قبل أعلن ترتيشكي رأيه في المسألة العنصرية الجنسية فقال (إن كلمة (نبيل) لا تفيد إلا معنى العنصرية، ولا يمكن فهمها إلا على أساس اعتقاد أن المميزات الشخصية إنما يتوارثها الخلف عن السلف، وأفضل ما في الجنس الآري صفة الشجاعة، فرجاله دائما على أهبة امتشاق الحسام للذود عما كسبوه بقرائحهم) كما أن رأي هتلر في النساء قد سبقه إليه ترتيشكي من قبل في قوله: (ليس للمرأة من وظيفة في الحياة غير الزواج وتدبير المنزل. إن الجميع - حتى الذين لا يميلون بطبيعتهم للخير العام - يكرهون استخدام المرأة في المصانع) ويقول ترتيشكي عن الجيش: (ليس له من حق في إبداء الرأي، وإنما هو قوة فعالة تنفذ ما يُلقى إليها. أما إذا خُوَّل الحق في إعلان رأيه اضطراب الأمن. وليس ثمة بلاء أنكى على الدولة من جيش يتناقش، ثم يفترق شيعا وأحزابا) وهذه الكلمات التي ننقلها هنا، جاءت في محاضرة له ألقاها عام 1892م، وفيها ما يميط اللثام عما أحاط مسألة التطهير التي جرت في يونيه 1934م عندما قتل هتلر الجنرال فون شليخر، وقادة فرق القميص الأسمر الذين حاولوا أن يكون لهم رأي في إدارة دفة الحكم

أخذ ترتيشكي يدعو إلى احتقار الجنس السامي، ويذكى غضب عشرائه ويستغل حماسة طلابه في تهديد اليهود لألمانيا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حيث يقول: (والآن حيث أصبح في ميسور الآريين تصريف الشؤون المالية فقد انتهت مهمة اليهود ولم تعد لهم ضرورة. بل لقد أصبح خطرهم شراً جسيما يهدد كيان الدولة بانحلال قواها، ويحمل هذا الأمر في طياته نذير قيام جنسيات مختلفة) غير أن ترتيشكي لم يستطع أن يضع حداً فاصلا (لليهودي الخالص) وبين الذين يمتُّون للجنس الجرماني بنسب فقال: (وأستطيع - إلى مدى بعيد - ألا أجد غير وسيلة واحدة لإنقاذ هذا النشاط، تلك هي تنمية مجهودنا القومي الذي ينبغي أن يكون طبيعة ثانية بجانب طبيعتنا، وأن نلزم أنفسنا برفض كل مالا يحمل الطابع الجرماني، فيعم الخير الجميع؛ في ساحة الملاهي وصالات الموسيقى وفي قراءة الصحف؛ أما حيث يوجد القذى اليهودي فعلينا أن نبتره بتراً، فأن استطاع العيشَ بعد ذلك فتبعة هذا اللوم واقعة على المتساهلين معهم، المترَّفقين في بغضهم للجنس السامي) ويرى تريتشكي أن حاجة ألمانيا إلى المستعمرات من المسائل التاريخية والسياسية والاقتصادية فيقول: (إن حربنا المقبلة الناجحة، ستنجلي عن الحصول على المستعمرات بأية وسيلة، فحاجتنا تاريخية لأن الألمان قاموا بأكبر مشروع استعماري عرفه التاريخ منذ عهد الرومان، ألا وهو استعمار الوثنية من الألب حتى ثم هي مسألة معنوية لأن الأمم العظيمة في التاريخ ترى واجبها في طبع القبائل البربرية بطابعها، والآن (1892) نرى أن أوربا منهمكة في إيجاد أرستقراطية عامة للجنس الأبيض على سطح الكرة الأرضية. كذلك هي مشكلة سياسية لأن الدولة التي ليست لها مستعمرات ستنتهي إلى مركز حقير، حتى ولو كانت قوية من ناحية أخرى، وخلاصة الموقف الألماني تتمركز في سعيه لأن يتكلم الناس قاطبة لغته حتى تكون لغة المستقبل)

هذه هي آراء تريتشكي، وهي نفسها آراء هتلر

(ح. ح)