انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 268/غزل العقاد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 268/غزل العقاد

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 08 - 1938



للأستاذ سيد قطب

- 16 -

الآن يصل أخونا (الغمراوي) إلى النهاية البائسة التي وصل إليها إخوانه من قبل. فهم وهو، يظلون متماسكين - بعض الشيء - وهم يدورون بالكلام ويلفون حول الأشخاص بالجمل العائمة والتعبيرات التي ينبت رأسها في ذيلها - وبالعكس! - حتى إذا بلغوا الحديث عن النماذج، ولمسوا جانب الأحكام الأدبية، (آن لأبي حنيفة أن يمد رجله)!

من كان ينظر إلى (الجمال) وينظر إلى (الحب) نظرة (العقاد) التي أسلفنا عنها الحديث في مقالي (سارة) وفي مقالي (غزل العقاد) فهو خليق أن يسمعنا من

(الغزل) - تعبيراً عن أثر الجمال والحب في نفسه - أنماطاً أخرى غير ما عهدناه في الشعر العربي قديمه وحديثه، وأن يكون في هذا الغزل صاحب (خصوصية) أولا، وصاحب (فلسفة) شاملة ثانياً

وليقل بعض الجهلاء الغلاظ ما يشاءون عن فلسفة الشاعر، ولينكروا أن يكون لكل شاعر كبير فلسفة خاصة، يفسر بها الحياة كما تنطبع في نفسه النموذجية، لا نتيجة (التأمل) وحده كما يفهمون، بل نتيجة الفطرة الممتازة كذلك، ونتيجة الطبع المتفرد، الذي تهبه الحياة لصاحبه، وهي ترتقب منه دنيا جديدة يخلقها، لا كدنيا الناس، تضمها إلى متحفها الضخم الفريد

والعقاد في غزله يجيبان إلى ما نترقب، ويرتفع فوقه درجات، ويحيل الدنيا - حين يحب - متحفاً حياً من الصور والحالات النفسية، ومن شخوص اللحظات والليالي والأيام التي تدب وتتنفس وتحيا! ومن الألوان والظلال التي تلقيها المواقف والآلام والأحلام والآمال؛ ومن الأصداء المنبعثة من أوتار نفس متعددة الأوتار

هي دنيا عجيبة يعيش فيها القارئ بضع ساعات، فيلتقي فيها بوجوه عدة، وأنماط من الشخوص نادرة، ويرى هناك نفساً - بل نفوساً - هادئة ثائرة، راضية ساخطة، بانية هادمة، محلقة في الرجاء، وجاثية في القنوط أو محيرة في الشك والارتياب، ويجدها روحانية ترفرف بأجنحة من السماء تارة، وبوهيمية تلتهم قطوف الواقع تارة، وكثيراً م تجمع بين السماء والأرض في قدرة كقدرة الخالدين

ولكن الميزة الكبرى لهذه النفس أنها تبدو صادقة في كل حالة، طبيعية في كل وجه، أصيلة في كل سحنة، فليست هي في حالة المتعة والإقبال بأقل منها في حالة العزوف والأدبار؛ وليست هي في ساحة الرجاء الطليق بأفضل منها في حرج القنوط المطبق، أو الشك الأليم. . .

وتلك قدرة - أو موهبة - لا تتاح لكل شاعر كبير، بل لعدد محدود من الشعراء الكبار؛ فقد يكون شاعراً كبيراً وهو يمتاز في ناحية واحدة من نواحي الاتجاهات النفسية الكثيرة ويرى الدنيا كلها في ضوء هذه الناحية الممتازة فيه

ونحن لا ننصف الرجل حين نقول: إن الأوتار التي يوقع عليها الحب في نفسه، لم تجتمع قط لشاعر عربي، ولا تجتمع لعشرة من شعراء العربية في جميع العهود

نحن لا ننصفه حين نتحدث عن اللغة العربية وحدها؛ ولكنا نقول ذلك مؤقتاً، لأنها اللغة التي نستطيع الحكم على آدابها حكما نملك أدلته كلها ونجزم فيه بالصواب. وإلا فبين يدي معربات كثيرة لشعراء من الغرب مشهورين معروفين (كبيرون وشيلي والفريد دي موسيه وفكتور هوجو)

لا أرى فيها من تعدد الجوانب الصادقة الأصيلة ما أراه في غزل العقاد وشعره عامة

وما أقول هذا وأقصد به إصدار حكم لا أملك كل مستنداته ولكنه توجيه لدارسي هذه الآداب، ودراسة تنفع للحكم بين شاعر مصري كبير ينالنا شرف سبقه وتفوقه في هذه الميادين، وبين شعراء العالم المشهورين المقروءين.

أول ما يطالعك في غزل العقاد - وفي شعره عامة - اليقظة والوعي الفني، والانتباه لما يجول في نفسه من الخواطر والأحاسيس، وما ينبض به قلب من يحب من المشاعر والأشواق وما يحيط بها من أجواء وآفاق.

وينشأ عن اليقظة الاتجاه الفلسفي، لتعميق الإحساس بالحب، كما ذكر على لسان (همام) في (سارة) وأسلفنا عنه الحديث. كما ينشأ هذا الاتجاه عن رأيه في الحب والجمال، وعلاقتهما بأغراض الحياة الكبرى، ووشائجها بالكون في آماله الفسيحة.

ولا مفر لمن ينظر هذه النظرة أن يجاوز التعبير عن خاصة نفسه في الغزل، إلى صلة حبه بالحياة والكون، وان تتسرب إلى هذا تجاربه وتأملاته في الحياة ما دامت النفس الإنسانية وحدة لا تقوم الحواجز بين أجزائها ومكنوناتها. فتتألف من ذلك كله فلسفة، يحسبها السطحيون بعيدة عن الحب والغزل لأنه لم يكتب عليها لافتة (يافطة) تقول: (هنا عاطفة!)، ولأن الحب عندهم هو ذلك الظمأ والطوى، الذي لا يبعد كثيراً عن الحس الساذج القريب، ولأنهم ذوو نفوس ضيقة ناضبة لها وتر ضئيل.

وليس في غزل العقاد ولا في شعره كله هالات وظلال، (مما قد يكون جميلا في شعر آخرين ليست لهم هذه الطبيعة) وليس هو ميالا للرمزية - وبخاصة كما يصورها بعض أتباع هذا المذهب في هذه الأيام - واليقظة والوعي الدقيق، والانتباه الصارم، لا يناسب هذه الرمزية ولا يستريح إلى الإيغال فيها إلا بمقدار.

ومثل العقاد في هذا كمثل الجهاز السليم الدقيق، يرصد الكواكب والسدم، فيدركها واضحة محدودة عما حولها، فعلام تكلفه أن يظهر لك الصورة ظلالا وأشباحا، وهو يرى أضواء وشخوصا؟ ألأن جهازا آخر مختلا أو ضعيفا، أو على عدسته غشاوة يسجل تلك الظلال والأشباح؟

نعم قد يظهر لك في بعض الأحيان غشاوات وسحبا، لأن هناك سدما غير واضحة في ذاتها - لا في عدسته - وهنا تكون الرمزية الصادقة التي تكنى لأنها لا تملك التصريح، وتسجل الغشاوة لأنه لا سبيل إلى الوضوح

على أن هناك سبباً آخر لسلوك العقاد هذا المسلك في الإحساس بالحياة والتعبير عنها في وضوح دقيق، ذلك هو فلسفته العامة عن الحياة

فالعقاد ليس من الشعراء الذين لا يجدون في هذه الحياة المنظورة جمالا فيعمد إلى التوشية والتظليل ليداري العيوب ويخلق المحاسن المتخيلة الغامضة؛ أو يتركون هذه الحياة كلها، ويرسمون من الخيال حياة أخرى يغشيها الضباب والدخان، وتزينها التهاويل والأطياف!

إن هذه الحياة المنظورة جميلة عند العقاد تستحق الحب والالتفات، وهي كذلك رفيعة تستحق التقديس والاحترام:

يا طالباً فوق الحياة مدى له ... يعلو عليها. هل بلغت مداها!

ما في خيالك صورة تشتاقها ... إلا وحولك لو نظرت تراها ومن المستحسن أن نوضح ماذا يعني العقاد بالحياة المنظورة، فهو يعني بها الحياة في كنهها وذاتها، في ماهيتها كقوة خالدة، ويراها وحدة من مبدئها إلى منتهاها ويظم إليها آلامها في جهادها وأشواقها إلى غايتها، وخطواتها إلى الدوام والكمال

هذه هي الحياة التي يهيم بها العقاد - كما هي - ويراها وافية بتحقيق مطالب الخيال والأشواق؛ وليست هي حياة الساعة واليوم، أو حياة الفرد والجيل المحدود

وهذه الحياة - عنده - (روح نلمسها بيد من المادة)، ولا انفصام - بل لا اختلاف - بين القوة والمادة فيها، وقد يرهن العلم في محاولاته الأخيرة على صدق هذه النظرة بالفطرة السليمة، فما الذرات التي تتألف منها المواد إلا كهارب موجبة وسالبة ينشأ من تعادلها وجود المادة في الحس، وليس ما يعرف في الطبيعة (بالمقاومة) إلا قوة تعارض قوة ايتهما زادت طاقتها تغلبت وظهرت

ومن هنا ينشأ احترام العقاد للجسم في عالم الجمال، أو ما اصطلحنا على أن نسميه (جسما) وهو طاقة من قوى الحياة تتمثل فيها للحس، وتلمس باليد. ولهذا فحين يبلغ الحس غايته يجعل من المحسوسات أرواحاً، ويحيل المتع كلها روحية علوية:

ما نعيم يمنح الك ... فَّ غذاء المهجات؟

تقصر الألباب عنه ... وهو بعض اللمسات

في يدي أدعوه خصراً ... تارة أو زهرات!

في فمي أدعوه ثغراً ... تارة أو قبلات!

والسماء والأرض - على هذا - متقاربتان في الحياة. أنظر إلى الحياة في قيودها وضروراتها فأنت منها في أرض جاثية. وانظر إليها في آمالها وأشواقها، فأنت منها في سماء طليقة. وهي هي الحياة في أرضها وسمائها وحدة لا تتجزأ، مقبولة الأعذار، مغفورة الزلات، محبوبة المباهج، مرموقة المناظر، لأنها الحياة!

ومن شأن هذه الفلسفة ألا تلجأ إلى الألغاز والمعميات، ولا إلى الأشباح والخيالات، ولا إلى الظلال والغشاوات، إلا حيث يكون هذا كله جزءا من كنه الحياة وقبساً من طبيعتها. وذلك لأنها تواجه الحياة بخيرها وشرها، وتعترف بهذا الخير والشر كمزاج أصيل لها، وتدرك ما فيها من جمال حقيقي موجود، لا غاية بعدها لوهم ولا لخيال وقد استطردنا في بيان فلسفة العقاد العامة، فسقنا فيها بعض خصائصه في غزله وهي (التوحيد بين متعة الحس ومتعة النفس أو بين الأرض والسماء). ثم دعانا هذا الاستطراد إلى تأجيل الأمثلة التي نأخذ منها دلائل اليقظة والوحي الفني. والآن فلنأخذ في إيراد الأمثال:

يقول في قصيدة بعنوان (تبسم):

تبسم فإن القلب يسعد بالذي ... سعدت به واضحك وغرد وخاطر

يلذ لنا منك اغترارُك بالصبا ... غرورُ الصبا روْح لقلب المحاذر

ويعجبنا أنا نرى فيك معجَبا ... مدلا على الأيام إدلال ظافر

بشوشاً تكاد العين تلمح قلبه ... وتسرد في نجواه نظم السرائر

إذا غامت الجلَّى تبلجت بينها ... تبلج ومض البرق بين المواطر

وتضحك والأتراح حولك جمة ... تخافك خوف الجن رجم الزواهر

وتبكي وأفراح الحياة كثيرة ... يحاذرننا من حولنا كالطوائر

فيا قرب ما بيني وبينك في الهوى ... ويا بعد شقّيْ دارنا في الخواطر

طوى الحب ما بيني وبينك من مدى ... فنحن قرِينَا موطن متجاور

أيا من رأى ليلاً وصبحاً تلاقيا ... وإلفين من صفو وشجو مخامر

لئن تخش مني الليل صعباً مراسه ... لقد بت أخشى منك شمس الهجائر

فيا لي من ليل بحبك موثق ... وثاق الضواري في كناس الجآذر

تطالع منه الهولَ سهلا مقاده ... رخاءٌ غواشيه، شجيَّ الزماجر

ويا ربَّ مرهوب السطا وهو مطلق ... إذا كُفَّ أضحى متعة للنواظر

أنا الليل فاطرقني على غير خشية ... ولجْ باب أحلامي وجلْ في حظائري

وسرْ حيث يخشى غيهب الليل نفسه ... وتعثر بالظلماء ظلماء كافر

لتعلم ما الدنيا إذا غال غولها ... وأنت أمين من طروق الدوائر

وتعلم أن الشمس تكذب قومَها ... إذا حدثتهم عن خفي وظاهر

فكم بين لألاء الضحى من مناظر ... طوتها يد الأحداث عن كل ناظر

فها هنا رجل يحب ويعبر في غزله عن هذا الحب، ولكن اليقظة التي ابتعثها الحب في نفسه وفكره تجعله جميعاً يتنبه إلى خصائص نفسه وخصائص من يحبه، ويلمح الفروق الواضحة بينهما التي يؤلف منه الحب وحدة ونظاماً! ثم تدخل في المضمار فلسفته العامة ونظرته إلى الحياة قيودها وطلاقتها، ضروراتها وأشواقها، فيتألف من ذلك كله غزل ناضج فريد على غير مثال

ومن حق الأدب علينا أن نشرح هذا كله في تلك الأبيات يعجب العقاد في حبيبه بالجمال، ولكنه لا يقف عند هذا الذي يدركه كل شاعر - إن أدركه هو على نحو خاص - فإنما يعجب فيه باغترار الصبا، والإدلال على الأيام إدلال ظافر، والبشاشة التي لا تفرض وجوداً لعبوسة الحياة

وإلى هنا يمكن أن يصل شاعر ممتاز. ولكن ما يعجب العقاد في هذا هو معنى أبعد وأرقى. إنما يعجبه من هذه الغرارة والبشاشة، غلبة الحرية على الضرورة في هذا الجميل، وغلبة الفرح الطليق على الانقباض الحبيس، وغلبة البشاشة الراجية على العبوسة اليائسة

ثم يلقى نظرة أخرى على هذين القلبين اللذين جمع بينهما الحب، فإذا أحدهما يضحك والأتراح حوله جمة، وثانيهما يبكي وأفراح الحياة حوله كثيرة، وهي مفارقة من مفارقات القدرة الخالقة في الحب، التي تهزأ بالظواهر والأشكال وتمزج بين العناصر أبعد ما تكون طبيعة وكنهاً. ويلتفت من هذا إلى أثر هذا المزاج العجيب، فإذا قلبه المرهوب بما فيه من آلام وجماح، وقد غدا مروضاً مذللاً بهذا القلب الآخر المشرق البشوش، فصار مأموناً لا يرهب، كما تشاهد الضواري موثقة فتكون مسلاة، وكانت وهي طليقة تبعث الرعب والفزع

ثم ينتهي من هذا إلى أحسن تعبير عن اطمئنان صاحبه إليه، والتذاذه بكشف مجاهل نفسه وغياهبها، في ظل الحب وحراسته وأمنه فيدعوه أن يجول في هذا القلب الوعر المرهوب ليستمتع بمشاهدة الخطر المأمون، ويعلم أن الشمس لا تكشف إلا الدنيا الظاهرة، وأن ليس غير الحب يكشف أعماق القلوب

مثل هذا لن يفهمه من يفهمون الغزل لهفة ودموعاً، أو فرحة واستمتاعاً؛ ولن يفهمه بطبيعة الحال من يريدون عواطف الحب قالباً مصبوباً من غزل العذريين أو البوهيميين في الشعر العربي المحدود. ولكنه أحق القول باسم (الغزل) وأدخل قول في العاطفة اليقظة المشبوبة، المنيرة بالحب حتى تكشف ما حولها، وتضمه بجناحيها ويقول في قصيدة بعنوان: (المغنم المجهول):

يا من عليه تلهفي وتلددي ... قد جرت فلتهنأ بأنك جائر

وأريتني ما لا ترى، ووهبتني ... ما لست تملكه. فما لك شاكر

محضتني سرَّ الحياة وسرُّها ... خاف عليك: جليله والضامر

أن الضياَءُ يرى العيونَ ولا يرَى ... والحسن يوقظ وهو غاف سادر

فلئن بخلت بما ملكت فحسبنا ... ما لست تملك. فهو عندك وافر!

أنسيتني نفسا وقد أذكرتني ... نفسا. خيرهما التي أنا ذاكر

لكشفت باطنها فقد أنكرتُها ... لما بدا منها القرار الغائر

فامنح وصالك أو قلاك فإنني ... راض بتلك الحالتين وصابر

وهنا أيضاً شاعر يتغزل، ويقول في أول هذه القصيدة ما ينتظر من شاعر مثله في الحب والجمال، ووصف هجر حبيبه وما يبعثه في نفسه من إحساس، ثم يتيقظ إلى ما أثاره هذا الحب في نفسه - مع الحرمان - وأنه وهبه ما كان مخبوءا عنه في أطواء نفسه، لا يعلم حتى هو بوجوده، وأن هذه الهبة لا يملكها الحبيب الهاجر، لذاته ولا لصاحبه، وأنها مغنم جليل يعوض عن المتاع والوجدان.

وندع العقاد نفسه يعبر عن هذه الأماني أدق تعبير حين يقول:

(إذا اعتلجت بالنفس عاطفة قوية أثارت رواكدها، واستفزت رواقدها، فانكشف للإنسان من نفسه ما لم يكن يعرف، واختبر من قواه وطباعه ما كان خافيا عنه، فصحح نظره في الحياة، وتغيرت بين يديه حقائق الأشياء فرآها كما ينبغي له أن يراها، لأن معرفة النفس مقياس معرفة الوجود، ومن أخطأ تقدير نفسه لم يصب في تقدير ما حوله، لأنه يقيس الأشياء بمقياس مختل مجهول

(والحب أقوى العواطف وأعمقها تفتيشاً في النفس. فهو ينبه فيها الإعجاب والعبادة والبغض والألم والغيرة والاحتقار والشفقة والقسوة، وكل ما تشتمل عليه من حميد الخصال وذميمها؛ فإذا وقف الإنسان على حقيقة نفسه، وقف على كل حقيقة يتاح له الوقوف عليها. وكان الجمال له معلماً يستفيد منه ما لم يعلمه الجمال نفسه، ومنعما يهبه ما لا يملك! كالشموس والأقمار التي تضيء للعين المنظورات، وهي بلا عين تبصر أو نفس تشعر.

فإذا خسر الإنسان في الحب غرضاً أراده، ربح منه غرضاً لم يرده، وكان ما جاءه من الربح عفواً أكبر مما توخاه عمداً)

وهذا القول نفسه دليل من أدلة اليقظة التي يبعثها الحب في نفس العقاد اليقظة (المركبة) التي تتيقظ وتعرف أنها تتيقظ في الوقت ذاته. وهذا نادر في النفوس

وبين يدي ثلاثون مثالا على ما ذكرت على هذه الخاصة في غزل العقاد، بل لدي غزل العقاد كله يصدق هذا الكلام، ولكن حسبي المثالان السالفان، وإلى مقال آخر نستعرض الخصائص الأخرى هذا الاستعراض

(الإسكندرية)

سيد قطب