مجلة الرسالة/العدد 249/التاريخ في سير أبطاله
مجلة الرسالة/العدد 249/التاريخ في سير أبطاله
ابراهام لنكولن
هدية الأحراج إلى عالم المدنية
للأستاذ محمود الخفيف
- 7 -
يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم
وعادت السياسة تتطلب منه جهداً غير يسير؛ فهو اليوم يتحفز لأن يخطو خطوة جديدة وله من امرأته حافز ومن طموحه حافز. . . تطلع لنكولن إلى مقعد في ذلك المؤتمر الذي كانت تمثل فيه الولايات الأمريكية جميعاً والذي كان يعقد لينظر في الشؤون العامة لتلك الولايات ومقره وشنجطون. وما كان ابراهام ليستبعد الشقة أو ليستعظم الفكرة، وقد قضى ثمانية أعوام في مجلس المقاطعة ولكن رجال حزبه وجهوا أنظارهم إلى رجل غيره من أفراد ذلك الحزب؛ وتقدم ذلك الرجل ليأخذ الطريق على ابراهام ولكنه لم يظفر بالترشيح، ورشح رجل غيره وانتخب؛ واضطر هو أن ينتظر عامين حتى جاء دوره فانتخب؛ وظل بذلك لنكولن أربعة أعوام يتطلع إلى مقعد في المؤتمر؛ ولقد آلمه وكدره أن يأخذ الطريق عليه رجلان من حزبه يراهما دونه؛ ولكن روحه الوثابة ما كانت لتعرف الملل فيما تتجه إليه من الأمور
سنحت الفرصة بعد تلك الأعوام الأربعة ولكنها أوشكت أن تفلت منه هذه المرة أيضاً لولا ما كان من مهارة زوجه ولباقتها في التأثير على رجال الحزب حتى ظفر آخر الأمر بالترشيح. ولما تم له ذلك راح يخوض المعركة وأمله في الفوز عظيم. . .
وعجب الناس أن رأوا لنكولن يومئذ يعمل على كسب التأييد بوسائل منظمة وهو الذي اعتاد من قبل أن يصدر في أعماله عما تمليه عليه المواقف في غير تدبير أو ترتيب. . . عجب الناس أن رأوه يرسم الخطط ويسدد السهام فلا تخطئ مرماها، وكأنه في هذ المعركة الانتخابية قائد في معركة حربية يدبر الهجوم ويعد الدفاع وهو بصير بالموقف خبير بما يدور حوله، يميز باللمحة الخاطفة ما يأخذ مما يدع، ويتبين - مهما اشتد من حوله ضجيج الموقف - الطريق المؤدية إلى النصر.
كتب إلى جميع أصدقائه في نواحي الدائرة يطلب إليهم العون ويسألهم أن يدلوه على مؤيديه ليكتب إليهم، وعلى مخالفيه ليبتغي إلى إقناعهم الوسيلة؛ وراح يتحدث في الأندية، ويخطب في الجماعات، لا يدع فرصة ولا يتخلف عن موعد، وله من نباهة الذكر وطيب السمعة ومن محبة الناس لشخصه ما ينزله على الرحب أينما حل. . . وهل كان الناس يعرفون في خلقه غميزة؟ هل كان الناس يعرفون عن (أيب) الأمين إلا ما يحببه إلى قلوبهم؟ هل كان يجهل خاصة الناس وعامتهم المحامي الصادق السر؟ وهل كان ينسى العامة ذلك الرجل الطيب القلب الذي يجلس بينهم كأنه أحدهم، فيشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويبادلهم ودا بود وحبًا بحب، ويبثهم من نصائحه ما ينير لهم سبيلهم، ويسمعهم من طريف أحاديثه وروائع أقاصيصه ما يبهجهم ويسري عن نفوسهم. . .؟
لم ينسه الناس ولم يجهلوه، ولكن للسياسة أحاكمها ولها غرائبها، وكم تأتي رياحها الهوج على ما بين الناس من مودة، وكم تترك ألاعيبها وأضاليلها الناس في عماية وغواية! وكم تصدهم الشهوات في معركتها عن الحق وهم يعلمون! أجل كم يظهر في السياسة الباطل على الحق، وكم يدلس الرأي بالهوى، وكم يضيع ما تواضع عليه الناس من أصول الفضائل فيما تزين لهم من أوهام وأحلام، وما توحي إليهم من غرور العيش ومطامع الحياة؛ وكم يذهب ما درج عليه العرف وما نشأ عليه الذوق وما نمت عليه المشاعر هباءً فيما تأنى به السياسة من بهتان!
هذا لنكولن راح يطعنه منافسه في عقيدته ويلجأ إلى الدين فيتخذ منه سلاحاً فيكيد له به كيداً أليماً؛ وهو لا يرعوى عن غيه بوازع من خلق أو بدافع من حياء! أجل إن من كان له من حسن سيرته ونقاء طويته وصدق إخلاصه درع يرد عنه السهام مهما كانت صنوفها، خليق ألا يأبه لما يتقول عليه المبطلون؛ بل إني لأعتقد أنهم يحسنون إليه من حيث انهم يريدون إساءته؛ إذ هم يشعرون الناس أنهم يتصيدون له العيوب حيث يرونه خلواً من العيوب؛ ويلفقون له النقائص إذ يغيظهم بكماله ويسمو عليهم بفضائله، ويباعد بينه وبينهم بأن يعرض عما يأفكون. . . بيد أن للإشاعة دويها، ولها مهما بطلت مجراها وإن تاهت آخر الأمر عن مرساها؛ وذلك هو ما غاظ ابراهام وآلمه وتركه في ضيق مما يفعل منافسه
وكان ذلك المنافس من الحزب الديموقراطي وهو رجل من رجال الوعظ الديني يدعى كارتريت كان مما عرف عنه تدفق نشاطه وتوثب حيويته وذلاقة لسانه فيما ينافح عنه مما يزجيه من الآراء؛ وهو اليوم يستعدي على ابراهام مواهبه ويسلط عليه لسانه في غير إعياء أو سأم؛ يتهمه بالزيغ والإلحاد مشيراً إلى بعض ما كتبه لنكولن من قبل من رسائل نقدية حمل بها على بعض رجال الدين أن رآهم ينقمون على الناس فجورهم وينكرون عليهم فواحشهم دون أن يقوموا بنصحهم أو يعملوا على خلاصهم مما هم فيه
ذهب لنكولن مرة إلى حيث أنضم إلى جماعة يستمعون إلى منافسه في حديث ديني! وبعد هنيهة قال منافسه: (ليقف كل من يريد أن يحيا حياة جديدة وأن يسلم إلى الله قلبه وأن يذهب إلى الجنة). . . ثم أردف قائلاً: (ليقف كل من لا يريدون أن يذهبوا إلى الجحيم). . . ووقف الناس جميعاً ما عدا لنكولن فاتجه الرجل إليه وقال: (هل لي أن أسألك يا مستر لنكولن إلى أين أنت ذاهب؟) ونهض لنكولن فقال: (أتيت هنا لكي أستمع في احترام، ولم أكن اعلم أن الأخ كارترايت سيعمل على إفرادي هكذا؛ إني أومن أنه يجب أن تطرق المسائل الدينية بما هي جديرة به من التوقير. يسألني الأخ كارترايت في غير التواء إلى أين أنا ذاهب، وإني أجيبه في غير التواء أيضاً أنى ذاهب إلى المؤتمر)
وجلس لنكولن بين ضحكات الإعجاب تنبعث من جوانب المكان، وقد كسب عدداً جديداً من المؤيدين
وعلم لنكولن أن خصومه يرمونه فيما يرمونه به من الأباطيل بأنه أرستقراطي لا يحفل رجاء العامة ولا يستجيب لهم دعاء؛ وأن هؤلاء الخصوم يتلمسون البرهان على دعواهم في زواجه من ماري، فدفع تلك التهم عن نفسه بإشارته إلى حياته الأولى حيث كان (غريباً لم يلق حظاً من التعليم، معدماً يعمل في قارب نظير أجر لا يتجاوز عشرة دولارات كل شهر)
وتم لابراهام النصر وكان يومئذ في السابعة والثلاثين؛ ورأى الناس وهم يعجبون أنه حصل على عدد من الأصوات لم يتسن لرجل قبله من رجال حزبه أن يظفر بمثله؛ وكان الحزب قد أعطاه مائتي دولار لينفق منها فيما يتطلب الانتخاب من أوجه الإنفاق ولكنه يرد إليهم المبلغ بعد الانتخاب ولم ينقص سوى ثلاثة أرباع الدولار، قائلاً إنه لم تكن به حاجة إلى النقود حيث أنه كان يتجول على جواده وأنه كان ينزل ضيفاً على أصدقائه. . .
وفرحت ماري بالنصر وحق لها أن تفرح ولها في الجهاد نصيب، ولها في المستقبل آمال. أجل أحست ماري أنها تخطو خطوة واسعة نحو هدفها، وهل كان ذلك الهدف إلا كرسي الرياسة يتربع عليه زوجها؟ إنها ما تفتأ تستحثه وتشده أزره وتحذر أن ينصرف عن وجهته؛ عرض عليه قبل الانتخاب أن يشغل وظيفة حاكم مقاطعة النيوس، ولكنها صرفته عنها ليستقيم على الطريق ويدلف إلى الغاية
صار لأبراهام اليوم بين رجال حزبه شأن غير شأنه بالأمس وأصبح له في السياسة مكانته وخطره. على أن مهنته لا زالت هي المحاماة وسيظل محامياً حتى تنتهي إليه الزعامة، وتلقي إليه قضية البلاد الكبرى وتتوافى له أسباب تلك الرسالة التي مؤديها في غد إلى أبناء وطنه جميعاً
وكانت مسألة العبيد قبيل انتخابه قد عادت تظهر في وضع جديد؛ ذلك إحدى الولايات وهي تكساس كانت قد انسلخت عن المكسيك أو كادت، فلما أرادت أن تنضم إلى الولايات المتحدة أعلنت المكسيك حقها عليها، ولكنها لم تعبأ بذلك الحق وجعلت الأمر للسيف؛ وخاضت بذلك المكسيك غمار حرب ضد تكساس وضد الولايات المتحدة التي كانت تعاونها من قبل على الاستقلال لتضمها إليها. وكان أهل الولايات الجنوبية يحبذون ضم تكساس إلى الاتحاد لكي يطبعوها بطابعهم ويضيفوها إلى الولايات التي يسمح فيها بمبدأ اقتناء العبيد؛ ولكن أهل الولايات الشمالية كانوا يتنكرون لذلك ويرغبون عن الحرب؛ وكان لنكولن ورجال حزبه ضد هذه الحرب وهم في ذلك يشايعون كلي زعيم الهوجز والمرشح يومئذ لرياسة الولايات؛ ولقد تغلب الحزب الديموقراطي، ففشل كلي في الانتخابات بسبب آرائه عن تلك الحرب
ولقد كان لنكولن قبيل انتخابه للمؤتمر ينقم على تلك الحرب ويدعو إلى انتخاب كلي للرياسة؛ لا يفتأ يلقي الخطب وينشر الدعوة بكل ما يملك من الوسائل. ولم تكن نقمته على الحرب تشيعاً منه لزعيم الهوجز فحسب، بل لقد كان يكرهها لأنها تمكن لأهل الولايات الجنوبية في مسألة العبيد وهو يمقت تلك المسألة من أعماق قلبه؛ وإن نفسه لتنفر منها منذ ذهب إلى أورليانز ورأى مالا ينساه من منظر هؤلاء البشر يساقون في الأغلال إلى حيث يباعون في الأسواق كما تباع الدواب
وما أصل تلك المشكلة التي تظهر في ميدان السياسة حيناً بعد حين؟
بدأت مشكلة العبيد من عهد بعيد ولقد كانت تلك المشكلة بعد استقلال الولايات الأمريكية عن إنجلترا من أشد المشاكل خطراً حتى لقد كان الناس يرونها عقبة تحول دون بقاء الاتحاد. جلب التجار منذ بضعة قرون من أفريقيا طوائف من الزنوج باعوها في أمريكا، ورأى سكان الولايات - وجلهم من الأوربيين المهاجرين إليها من أوطانهم - في اقتناء هؤلاء العبيد ما يهون عليهم الكدح في طلب العيش ونظروا إليهم نظرتهم إلى الدواب، فأخذوا يشترونهم ويسوقونهم إلى الأدغال والإحراج يشقونها تحت إمرتهم. ولما كان أهل الولايات الجنوبية أهل زراعة فقد كان اقتناء العبيد عندهم أمراً أساسياً يقوم على الضرورة إذ لا تستقيم حياتهم إلا به؛ ومن ثم لم يكونوا ينظرون إلى مسألة العبيد تلك النظرة الإنسانية التي أخذ ينظرها بعض الناس بعد الاستقلال، فمنطقهم يقوم على المادة ويستند إلى الوقائع، ولا عبرة بعد ذلك بآراء المشفقين العاطفين. . .
ولما أعلنت حقوق الإنسان في مستهل الثورة، كان في مقدمتها أن الناس جميعاً أحرار ومتساوون في الحقوق وليس لأحد أن يسلبهم حقوقهم. وقد أخذ أهل الولايات الشمالية بهذه المبادئ فيما يتعلق بالعبيد فأعتقوهم، ولم يكن السود عند أهل الشمال في الجملة سوى خدم في المنازل، وذلك لأن أهل الشمال كانوا أهل صناعة أكثر منهم أهل زراعة، فلم يكونوا كأهل الجنوب يرون اقتناء العبيد أمراً جوهرياً بالنسبة إلى حياتهم، لا تتطلب زراعة القمح عندهم جهداً عسيراً ومن ثم فلا يتطلب استخدام العبيد؛ ولكن القطن في الجنوب يستلزم اقتناء هؤلاء السود الأقوياء الذين يتحملون الجهد ويقوون على الحر ويرضون بالقليل
وفي غداة الاستقلال هدد أهل الجنوب أهل الشمال أنهم ينسحبون من الاتحاد إلا أن يترك لهم حق اقتناء العبيد قائلين إن السود عندهم ليسوا مجرد رجال بل هم بعض أدواتهم، وخيل للناس أن الاتحاد منفصمة عراه لا محالة؛ وأشفق الزعماء أن يضيع الاستقلال الذي اشتروه بدمائهم وأموالهم؛ لذلك لم يروا بدًا أن يتهاونوا بعض الشيء وأن ينصوا في القانون أنه لا يسمح بعد عشرين عاماً باستجلاب طوائف من السود من أفريقيا؛ ومعنى ذلك أنهم يسلمون ولو إلى حين لأهل الجنوب بامتلاك العبيد، ويسلمون بذلك في صورة شرعية!
وتزايد إقبال الولايات الجنوبية على اقتناء العبيد حينما ازدادت أوروبا إقبالاً على طلب القطن، وقد أخذت الآلات تعمل عمل الأيدي وعلى الأخص في حلج القطن؛ وكان كلما ازداد طلب القطن ازداد حشد السود لزراعته وجمعه فكانوا يساقون إلى الحقول جماعات تحت إمرة رئيس من البيض، وإنهم لينظرون في فزع إلى ما في يده من سوط طالما ألهب جلودهم فمزقها وأدماها؛ فإذا غابت الشمس جيء بهم كالقطيع فأدخلوا في حظيرة تأويهم جميعاً حتى الصباح. . .
ولم يكن أحد من السادة أهل الجنوب ليسأل عما يفعل بعبيده؛ ولو أنه ساقهم إلى الموت كما يسوق كلابه لما أحس بينه وبين نفسه أنه يأتي أمراً منكراً؛ وكان يمن عليهم هؤلاء السادة أنهم يطعمونهم ويسقونهم كأنما هم يريدونهم أن يعيشوا بلا طعام ولا شراب! ولا تسل عما كانوا يلاقونه من صنوف العذاب إذا بدا لهم أن يظهروا ما ينم على استيائهم أو حتى على مجرد تألمهم لما يصب عليهم من وصب؛ بل ما كانوا يعانونه من بلاء إذا انتشرت الحمى وفشت فيهم وهم جموع متقاربون. . .
وكانوا في الأسواق يحشرون كما تحشر الخيل عارية أجسادهم فيباعون، وكثيراً ما كان ينتزع المرء من أخيه وأمه وأبيه، وكثيراً ما كانت ترسل الفتاة إلى مزرعة وأختها إلى مزرعة وأهلوها إلى حيث لا تعلم لهم مستقراً ولا مستودعاً. ولقد تسنى لابراهام أن يرى هاتيك الأسواق في رحلته إلى نيو أورليانز فاستقر في نفسه الألم؛ وكأنه رأى لساعته أن رسالته في غد تحرير هؤلاء المساكين. وكثير من عظماء النفوس تقع في نفوسهم الفكرة في سرعة كلمحة البرق، وتظل تلك الفكرة وإن لم يشعروا بها في أعماق وجدانهم كالبذرة في أعماق التربة، وما تزال تنمو تلك الفكرة وتنمو حتى تملك عليهم آخر الأمر مشاعرهم فتحركهم وتوجههم حتى لا يكون لهم لغد من أمل في الحياة سوى إبرازها ثم الدفاع عنها، ثم التضحية من أجلها ثم الموت في سبيلها إن لزم الأمر. . .
ذلك ما كان من أمر لنكولن فيما أعتقد، وإن لم يشعر هو في صدر شبابه أنه عامل في غده للقضاء على العبودية؛ ذلك ما كان من أمره وإن لم يلق باله إلى ذلك الأمر. إن نفسه لتجيش بكراهة هذا النظام، وإن إنسانيته لتنفر بطبيعتها من تلك الوحشية، ثم إن قلبه الكبير ليتمنى أن يخلص هؤلاء التعساء مما هم فيه من عذاب ومذلة، وما ذلك لعمرك إن لم يكن هو الإرهاص؟
ولم يكن للعبيد حق حتى في الهجرة، وكان إذا أبعد أحدهم إلى إحدى الولايات الشمالية التي أطلقت العبيد أعيد إذا عرف إلى سيده ومالكه بأمر القانون فلا ينفعه الفرار إلا أن يفر إلى الموت. . .
ولقد أدى ما كان عليه العبيد إلى ظهور دعوة في الشمال إلى تحريرهم ولكن أصوات الداعين كانت خافتة، كما كان عددهم ضئيلا، إذ كانوا يحسون ما تنطوي عليه دعوتهم من جرأة، وكانوا لا يأمنون أن يأتيهم الموت من كل مكان، فأهل الشمال مع أنهم لم يتمسكوا بالعبيد يخشون أن تؤدي الدعوة إلى تحريرهم إلى القضاء على الاتحاد، وأهل الجنوب كانوا كما علمنا يرون حياتهم في بقاء العبيد. لذلك كان الداعون إلى التحرير عرضة لسخط الجانبين. ولقد حدث أن أصدر أحد الرجال من ذوي النفوس الكبيرة صحيفة تدعى (المحرر) كان يندد فيها بما يلاقي العبيد ويدعو إلى تحريرهم، أيام كان لنكولن في الحادية والعشرين من عمره، فلما اشتدت حملاته هاجمه الناس وحطموا دار الصحيفة وألقوا بأدوات الطباعة في مجرى مائي، ولفوا حبلا حول وسطه وسحبوه في الطرق تنكيلا به وزجراً لغيره
لذلك لم يكن عجباً أن تقدم الشكاوى إلى مجالس المقاطعات الشمالية يومئذ ضد حركة التحرير والداعين إليها خوفاً على الوحدة أن تتصدع. ولقد رأينا لنكولن يقدم احتجاجاً إلى مجلس مقاطعة الينوس هو وصديق له يدعى ستون وفيه يخطو خطوة جريئة فيعلن رأيه في صراحة قائلا إن مسألة العبيد لا تقوم على شيء من العدالة، ولكنه يشير إلى مراعاة القانون في النظر إلى تلك المسألة خوفاً على كيان الاتحاد
وهاهو ذا اليوم يختار عضواً للمؤتمر وهو في السابعة والثلاثين وقد عادت المعضلة تظهر بسبب ما حدث في تكساس ومحاولة ضمها إلى الولايات
(يتبع) الخفيف